دون حسيبٍ أوْ رقيبٍ تُواصل دولة الاحتلال التوسّع والاعتداءات في فلسطين وسوريّة ولبنان، معتمدةً على حليفتها أمريكا ومنفذّةً مبدأ الحركة الصهيونيّة القاضي بالسيطرة على الأراضي العربيّة من النيل إلى الفرات.

وفي هذا السياق، “بات واضحًا الآن أنّ وقف إطلاق النار في غزة ليس سوى “خفضٍ للنار”. فالعدوان مستمر والهجمات على القطاع تكاد تكون يومية. ففي يومٍ واحدٍ فقط أواخر أكتوبر، قُتل ما يقارب 100 فلسطينيّ. وفي 19 نوفمبر قُتل 32. وفي 23 نوفمبر 21. وهكذا يستمرّ الأمر”، كما ذكرت صحيفة (ذا غارديان) البريطانيّة.
وتابعت: “منذ إعلان وقف إطلاق النار، قُتل أكثر من 300 شخص وجُرح ما يقارب 1,000. وهذه الأرقام مرشّحة للارتفاع. التحوّل الحقيقي هو أنّ وقف إطلاق النار خفّض مستوى الاهتمام العالميّ والمتابعة الدقيقة. وفي هذه الأثناء، تتّضح بشكلٍ أكبرٍ ملامح الخطة الإسرائيلية: هيمنة دموية لا تقتصر على غزة فقط، بل تمتدّ إلى عموم فلسطين والمنطقة بأسرها”.

وأردفت: “وصفت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنييس كالامار، الفترة التي أعقبت وقف إطلاق النار بأنها “وهم خطير”. وقالت إنّ السلطات الإسرائيلية خفّضت الهجمات وسمحت بدخول بعض المساعدات، لكنها شددت على أنّه “لا يجب أنْ ينخدع العالم. فالإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل لم تنتهِ بعد”. ولا مستشفى واحد في غزة عاد إلى العمل بشكلٍ كاملٍ. ومع بدء الأمطار وبرودة الطقس، بات آلاف الأشخاص مكشوفين في خيام متهالكة”.
وشدّدّت الصحيفة في تقريرها، الذي نقله للعربيّة موقع (الخنادق)، على أنّه “منذ 10 أكتوبر، مُنعت أكثر من 6,500 طن من مواد الإغاثة المنسّقة من الأمم المتحدة من دخول غزة. ووفقًا لأوكسفام، مُنعت خلال الأسبوعين التاليين وحدهما شحنات من المياه والغذاء والخيام والمستلزمات الطبية تخص 17 منظمة دولية غير حكومية”.
و”النتيجة أنّ سكانًا دُمّرت منازلهم وسبل عيشهم وملاجئهم ما زالوا ممنوعين من تأمين خيام أكثر أمانًا أوْ غذاءً كافيًا. تبقي السلطات الإسرائيلية سكان غزة في حالة عذابٍ معلّقٍ، استمرارًا للعقاب الجماعي، ومنعًا لقيام أيّ ظروفٍ للحياة الطبيعيّة، وترسيخًا لإسرائيل كسلطةٍ مطلقةٍ لا تُحاسَب”.
وبحسب الصحيفة “غزة تمثل رأس حربة توسّع النزعة الإمبرياليّة الإسرائيليّة الممتدة إلى الضفة الغربية وما بعدها. ففي الضفة، يستمر القمع، الذي تصاعد منذ 7 أكتوبر 2023 في التحول إلى حصارٍ عسكريٍّ شاملٍ. وقد أُجبر عشرات الآلاف من الفلسطينيين هذا العام على مغادرة منازلهم، في نمط قالت عنه (هيومن رايتس ووتش) إنّه يرتقي إلى “جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وتطهير عرقي”.
وأوضحت: “في الأسبوع الماضي، ظهر مقطع فيديو يُظهر إعدام جنديين إسرائيليين لرجلين فلسطينيين في جنين بدا أنهما سلّما نفسيهما. إيتمار بن غفير قال إنّ القوات التي نفذت عمليات القتل تحظى بدعمه الكامل، مضيفًا: “تصرفوا كما هو متوقّع يجب أنْ يموت الإرهابيون”.
“وما هذا إلّا نافذة صغيرة على حجم سفك الدماء. فقد قُتل أكثر من 1,000 شخص في الضفة خلال العامين الماضيين على يد القوات الإسرائيليّة والمستوطنين، خُمسهم من الأطفال. وهناك أكثر من 300 حالة يُشتبه بأنها “إعدامات خارج نطاق القانون”.
ولفتت إلى أنّه “في أكتوبر، سجلت الأمم المتحدة أكثر من 260 هجومًا للمستوطنين، وهو أعلى رقم منذ 20 عامًا. وأكثر من 93 بالمائة من التحقيقات تُغلق دون تهمٍ. ويُبلّغ عن وفاة عشرات الأسرى الفلسطينيين في السجون نتيجة العنف الجسديّ أوْ الإهمال الطبيّ، أمّا الذين يخرجون فيروون جحيمًا من التعذيب”.
وشدّدّت على أنّه “مع ذلك، تستمر حدود التفويض الذي تمنح إسرائيل به نفسها الحقّ في الهجوم والقتل والاستيلاء على الأراضي في التوسع. ففي الأسبوع الماضي، شنّت القوات الإسرائيليّة توغّلًا بريًا في جنوب سوريّة، أسفر عن مقتل 13 سوريًا بينهم أطفال”.
“ورفض الجيش تقديم معلومات عن المجموعة التي زعم استهدافها، مكتفيًا بتكريس حقه في اختراق الأراضي السوريّة كما فعل مرارًا منذ احتلاله منطقة العزل وأجزاء أخرى من الجنوب السوريّ”.
و “اتُّهمت القوات الإسرائيليّة باتباع الأساليب الاستعماريّة نفسها المعتمدة في فلسطين: التهجير القسريّ، مصادرة المنازل، الهدم، قطع سبل العيش، والنقل غير القانوني للمعتقلين إلى إسرائيل، التي تعتزم البقاء هناك إلى أجلٍ غير مسمى”.
و”إلى لبنان، حيث لا يزال 64,000 شخص مشرّدين منذ حرب العام الماضي، وحيث تتصاعد الهجمات الإسرائيليّة. فعلى الرغم من مفاوضات السلام في نوفمبر الماضي، شنّت إسرائيل قصفًا شبه يوميّ كان آخره الأسبوع الماضي. ولا تزال تحتل خمسة مواقع استراتيجية تُطلق منها هجماتها على أهداف تزعم ارتباطها بحزب الله”.
وأشارت الصحيفة إلى أنّه “وفقًا لقوات حفظ السلام، ارتكبت إسرائيل أكثر من 10,000 خرق جويٍّ وبريٍّ لوقف إطلاق النار، قُتل خلالها مئات الأشخاص. وفي خضمّ ذلك، يُطرد المدنيون مجددًا من أراضيهم، ويصبحون عرضة للهجمات وخاضعين لشكل من أشكال السيادة الفائقة الإسرائيليّة. ووفق (نيويورك تايمز)، فإنّ “الوضع في لبنان يقدم مثالًا واضحًا على شرق أوسطٍ جديدٍ أصبحت فيه قدرة إسرائيل على الوصول شبه شاملةٍ”.
وخلُصت الصحيفة إلى القول: “أيّ نوعٍ من وقف إطلاق النار هذا؟ إنّه وضع متفجّر وغير قابل للاستمرار، لا يمكن لعقلٍ واقعيٍّ أنْ يتوقّع خلاله أيّ سلامٍ، لا في فلسطين ولا في المنطقة. وقد يكرر الوسطاء خطاب الهدن المتدرجة وخطط الإعمار، لكن الحقيقة أنّ هذه خطط لمستقبل لن يظهر ما لم تتوقف إسرائيل عن أفعالها غير القانونية في أراضٍ لا تمتلك أي حق فيها. فالوهم الخطير بأنّ الحياة تعود إلى طبيعتها لا ينطبق على غزة فقط، بل على فلسطين كلّها والمنطقة بأسرها، وهذا الوهم سيتحطّم قريبًا”، بحسب تعبيرها.

شاركها.