تنشغل إسرائيل من أوّلها إلى آخرها بموضوع العفو عن نتنياهو المتهم بقضايا فساد، وتصرخ عناوين الإعلام العبري بتبعات المسألة وتفاعلاتها، لكن أحداً لا يتحدث عن جرائم الحرب التي تورّط بها وتسبَّبت بتدمير القطاع وقتل 70 ألف فلسطيني، وبصدور أمر اعتقال بحقه في محكمة الجنايات الدولية.

في حديث للقناة الإسرائيلية الرسمية اتهم الصحافي الإسرائيلي في “إذاعة الجيش” رينو تسرور وسائل الإعلام العبرية بخيانة المهنة بمشاركتها في طمس المذبحة وتغييبها عن الإسرائيليين طيلة عام ونصف العام، بل وبمشاركة بعضها في الحضّ على القتل والتدمير.

ويواصل السواد الأعظم من الإعلام العبري تبني الرواية الرسمية وتشويه الحقائق المتعلقة بغزة، وباستمرار الحرب عليها، رغم الحديث عن وقف النار وعن الخط الأحمر والأصفر وغيره.

بيد أن بعض الصحافيين اليهود يشذّون عن القطيع ويغرّدون خارج السرب ويقدِمون على نشر الحقائق، ومن هؤلاء الصحافية المختصة بشؤون التربية والتعليم والأسرة في صحيفة “هآرتس” نوعا ليمونا، التي تستذكر قتل عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ خلال حرب الإبادة، وتتوقف عند قتل الطفلين الشقيقين فادي (10 سنوات) وجمعة (12 سنة) أبو عاصي في خان يونس، وتؤكد أن جيش الاحتلال لم يرَ فيهما طفلين، وهما بالنسبة له فقط مشتبه بهما يشكّلان تهديداً.

وتمضي في وصف الجريمة البشعة بعيداً عن لغة الأرقام المعتمدة في الصحافة العبرية: “أطفال صغار بعمر أولادي. عندما أطلق الجيش الإسرائيلي الرصاص عليهما من مسيّرة قاتلة كان فادي وجمعة يبحثان عن حطب للوقود لمساعدة والدهم المعاق في تأمين الأسرة من شرّ البرد والجوع، كما روى عمّهما. في آخر صورة لهما يقف فادي وجمعة على عتبة ما كان بيتهما وهما يبتسمان للكاميرا. فادي حافٍ.. يحمل قلماً للرسم، ووجهاهما يشعّان براءة. كيف لا وهما طفلان”.

وسبقها صحافي يهودي آخر خرج عن بقية زملائه في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، عيناف شيف، المعلق والناقد تلفزيوني، الذي يتحدث بوضوح عن ملامح المذبحة الإسرائيلية في غزة ضمن مقال حاد في لغته النقدية تحت عنوان “سبعون ألف روح”.
سبعون ألف روح

يتحدث شيف عن قتل الطفلين الشقيقين فادي وجمعة في خان يونس بمسيّرة إسرائيلية، لكنه يستهل مقاله بالإشارة إلى المذبحة المستمرة:
“حتى الآن لم تنفِ إسرائيل رسمياً تقرير وزارة الصحة الفلسطينية حول مقتل 70 ألف فلسطيني، منهم طبعاً عشرات آلاف الأطفال والنساء والشيوخ”.

وينبه شيف إلى أن هذا الدم لا يهم أغلبية الإسرائيليين.. ولا الإعلام العبري، ولا الجيش، ولا الحكومة التي تستعد لمعاودة الحرب فور فشل خطة ترامب. ويوضح متسائلاً أن سبعين ألف قتيل في غزة طيلة سنتين لم يشكّل قتلهم حجر رحى على كاهل الإسرائيليين، فهل يحرّكنا قتل طفلين شقيقين إضافيين من خان يونس… فادي وجمعة أبو عاصي؟

وفي ما يشبه لائحة اتهام ضد الصحافة الإسرائيلية، يقول شيف إن الأبرياء القتلى في غزة بالنسبة لها لا توجد لهم وجوه ولا أسماء، فبالنسبة لكثيرين منا “لا يوجد أبرياء في غزة، لكن هذا لا يعني أنهم لن يواصلوا التحليق وإلقاء ظلّ ثقيل على أجيالنا مستقبلاً”.
لن يندثروا… باقون في الذاكرة

ويؤكد المعلق الإسرائيلي شيف أن هؤلاء الأطفال الفلسطينيين الذين ذبحتهم آلة القتل الإسرائيلية باقون في الذاكرة رغم محاولات الطمس والتجاهل: “هؤلاء سيكونون هناك عندما يطالب العالم بمحاسبتنا… هؤلاء سيبقون هناك عندما يُصاب عشرات الآلاف من جنودنا بصدمات البوست تراوما، لأن النفوس لا تنسى بسرعة، وهؤلاء سيكونون وقود الكراهية لعشرات السنين ضدنا، ومصدر غضب فلسطيني للانتقام. هؤلاء السبعون ألف قتيل مثلهم مثل ملايين الفلسطينيين لن يذهبوا ولن يغادروا. هم باقون هنا”.

شاركها.