إيكونوميست: يجب وقف الحرب في غزة أولاً ثم الضغط على “حماس”
نشرت مجلة “إيكونوميست” افتتاحية في عددها الأخير دعت فيها إلى وقف الحرب في غزة. وقالت إن على الأمريكيين الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقبول بوقف إطلاق النار، ثم الضغط من أجل نزع سلاح “حماس”.
وقالت إن المسؤولين الإسرائيليين أكدوا أن “المرة هذه ستكون مختلفة”، في إشارة إلى قرار الحكومة في 5 أيار/مايو، والذي وافقت فيه على خطة جديدة بشأن غزة.
وتهدف الخطة إلى تعبئة عشرات الآلاف من جنود الاحتياط. وسوف يستعيد الجيش جزءًا من القطاع، ويقوم بهدم بعض المباني أثناء تقدمه، وسيتم تهجير الفلسطينيين إلى قطعة صغيرة من الأرض في جنوب غزة.
وفي موازاة ذلك، ستسمح إسرائيل بإدخال بعض المساعدات إلى القطاع، الذي تفرض عليه حصارًا منذ 2 آذار/مارس، حيث سيتم تخزينها في مراكز يحرسها مرتزقة أمريكيون. ومن ثم تأتي العائلات مرة كل أسبوعين لجمع الطعام وبعض الضروريات.
وتقول المجلة إن أنصار الخطة يجادلون بأنها ستكون حاسمة، حيث سيتم تدمير ما تبقى من “حماس”، وحرمانها من المساحة لإعادة تجميع صفوفها، أو قمع سكان غزة ومنع الغذاء عنهم، بحيث لا تكون قادرة على إطعام مقاتليها.
وتعلّق المجلة أن نتنياهو أمضى 18 شهرًا وهو يعد بتحقيق “النصر الكامل”، ويقول مؤيدو الخطة إنهم بحاجة إلى بضعة أشهر أخرى فقط لتحقيقه.
وتقول المجلة إنه لا يوجد أي سبب يدعو لتصديق كلامهم. فبداية، لن تؤدي العملية إلى تحرير الأسرى المتبقين في غزة. إلى جانب ذلك، يعاني الجيش الإسرائيلي من أزمة معنويات، ففي بعض الوحدات العسكرية لم تستجب سوى نسبة 50% من جنود الاحتياط للدعوة إلى الخدمة مرة أخرى.
وتكشف الاستطلاعات أن نسبة 60% من الإسرائيليين يعارضون هجومًا جديدًا يؤدي إلى احتلال غزة.
كما حطّمت إسرائيل قيادة “حماس” ودمرت ترسانتها العسكرية بشكل يجعل من الصعب عليها شن هجمات معقدة، وما تبقى هو قوة عصابات، والتي ستجد إسرائيل صعوبة في القضاء عليها، لأن الأعداد الجديدة من المجندين كثيرة.
وبما أن “حماس” لا تستطيع حشد الكثير من القوة النارية، فقد لا يكون من المفيد تدميرها بالكامل.
وستؤدي الخطة الجديدة إلى مزيد من المعاناة لسكان غزة. فقد قُتل أكثر من 2,000 شخص منذ أن استأنفت إسرائيل القتال، في شهر آذار/مارس، ما يرفع إجمالي عدد القتلى إلى 52,000 شخص.
ويعاني المدنيون من الجوع بسبب الحصار، كما أن خطة إسرائيل لتقديم المساعدات لن تقدم سوى القليل من الإغاثة، ولا تتضمن أي إجراءات خاصة تتعلق بالأشخاص المرضى أو غير القادرين على الذهاب إلى مركز التوزيع.
وتقول المجلة إن المستفيد الوحيد من استمرار الحرب هو نتنياهو وتحالفه المتطرف، الذي يحلم بإفراغ غزة من سكانها وإعادة بناء المستوطنات اليهودية هناك.
ولو تمكّنوا من تحقيق هدفهم، فإن 2 مليون إنسان سوف يضطرون إلى العيش في 25% من مساحة غزة على أساس حصص غذائية.
ويتفاخر بعض الوزراء بالفعل بأن مثل هذه الظروف من شأنها أن تدفع سكان غزة إلى المنفى، وهو ما يُعتبر بمثابة تطهير عرقي.
وتضيف المجلة أنه يجب عدم استخدام الطعام كسلاح في الحرب، ويجب على إسرائيل السماح بدخول المساعدات إلى غزة، والسماح للمنظمات الخيرية بتوزيعها.
وتقول المجلة إنه حتى لو أخذت “حماس” بعضًا من المساعدات وهذا أمر سيئ فإن البديل سيكون المجاعة.
وإلى جانب ذلك، فقد حان الوقت للتوصل إلى وقف إطلاق نار دائم.
ويجب على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يطالب نتنياهو بالموافقة على صفقة تبادل، مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى، وهو ما لا يستطيع أي زعيم آخر أن يفرضه.
ويتطلع الرئيس إلى تحقيق انتصار في السياسة الخارجية، وعندما يزور الخليج، الأسبوع المقبل، ينبغي للقادة العرب أن يحثوه على مواصلة هذه الجهود.
وبعد وقف إطلاق النار، تقول المجلة إن على ترامب الضغط على “حماس”، مستخدمًا الوسيلة القوية والأخيرة، وهي إعادة الإعمار.
وتقدّر الأمم المتحدة أن هذه التكلفة ستصل إلى 53 مليار دولار على مدى العقد المقبل.
ويجب على ترامب أن يصدر إنذارًا نهائيًا: لن يتعهد المانحون بتقديم دولار واحد حتى توافق “حماس” على التنازل عن السلطة ونزع السلاح.
ولن يحتاج حلفاء أمريكا إلى الكثير من الإقناع، فمعظمهم يريدون رحيل “حماس”. وربما حاولت الأخيرة التمسّك بالسلطة، لكنها ستواجه شعبها الذي يريد وقف الحرب ويحتج على استمرارها.
ولو مثّلت “حماس” تهديدًا لإسرائيل، فمن حقها عند ذلك الرد.
وستكون النتيجة قاتمة، لكن المسار الحالي أشد قتامة، حيث سيموت المزيد من سكان غزة بسبب القصف والجوع. وسيموت الأسرى أيضًا.
والحرب التي لا تنتهي سوف تُعمّق الخلافات في إسرائيل وتضر أكثر بمكانتها في العالم. لقد حققت إسرائيل سلسلة من الانتصارات على أعدائها.
إذا انتهى الأمر بإخلاء غزة من سكانها وإعادة احتلالها، فسوف ترتكب خطأً استراتيجيًا وفضيحة أخلاقية.
وفي سياق آخر، نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرًا تساءلت فيه عن عدد الأشخاص الذين ماتوا في غزة. فمنذ بداية الحرب، في تشرين الأول/أكتوبر 2023، ظلت أرقام الضحايا محل خلاف، وفي أي حرب من الصعب إحصاء القتلى،
لكن الخبراء يحاولون تقديم أرقام حول من ماتوا في الحرب، ويرون أن الأرقام الحالية تظل منخفضة عن الرقم الحقيقي.
وقالت إن الإحصاءات اليومية الدقيقة الواردة من غزة غير عادية. ولم تظهر مثل هذه الإحصائيات من أوكرانيا.
لكن خلال هذه الحرب، كما في الحروب السابقة، أصدرت السلطات في غزة، التي تديرها “حماس”، تفاصيل عن عدد الفلسطينيين الذين قُتلوا.
وتقول إن الشكوك حول هذه الأرقام معقولة، ومن المفترض أن لدى “حماس” حافزًا لتضخيم الخسائر في صفوف المدنيين.
ومع ذلك، عندما انتهت الصراعات السابقة، كانت التقديرات الصادرة عن إسرائيل والأمم المتحدة لأعداد القتلى تتطابق تقريبًا مع تلك التي تم نشرها أثناء القتال.
أما هذه الحرب، فقد كانت أكثر اتساعًا واستمرت لفترة أطول من أي حرب أخرى في الماضي، وتم تدمير العديد من المؤسسات التي تقوم بإحصاء الوفيات، مثل المستشفيات.
وبلغت أرقام وزارة الصحة حتى أيار/مايو 52,615 شخصًا ماتوا في الحرب.
وفي كانون الثاني/يناير، قدّرت إسرائيل عدد القتلى بحوالي 20,000 شخص.
وتعتمد الوزارة على قائمتين، الأولى تقوم على معلومات من المستشفيات، والثانية من مسح على الإنترنت، والتي يعلن فيها الناس عن وفيات في عائلاتهم وأقاربهم، إلى جانب بيانات أخرى تشمل أشخاصًا ماتوا ولكن لم يتم التعرف عليهم. ومن خلال هذه المعلومات تصدر الوزارة قائمتها.
وفي دراسة حديثة للمجلة الطبية البريطانية “لانسيت”، قام الباحثون بفحص القائمتين، إلى جانب ثالثة، والتي جمعوها باستخدام تفاصيل من النعي على وسائل التواصل الاجتماعي (بما في ذلك الوفيات الناجمة عن الإصابات فقط).
وتضمنت القوائم الثلاث أسماء القتلى، وأعمارهم وجنسهم. وكان لدى البعض منهم أيضًا رقم هوية. وأكد محققون مستقلون أن الأشخاص المدرجين في القائمتين اللتين وضعتهما الوزارة قد ماتوا على الأرجح.
وقد تجاهل الباحثون العدد الرسمي الذي أعلنته الوزارة، وبدلًا من ذلك، قاموا بفحص التداخل بين القوائم الثلاث، باستخدام البيانات من بداية الحرب حتى 30 حزيران/يونيو 2024.
واستخدموا هذه المعلومات لتقدير عدد الأشخاص الذين ربما ماتوا، ثم قارنوا ذلك بالإجمالي الرسمي للوزارة. وبالتالي، إذا ظهر جميع الرجال البالغين من العمر 30 عامًا في إحدى القائمتين أيضًا في القائمتين الأخريين، فمن الممكن احتساب جميع هذه الوفيات.
ولكن إذا كانت القوائم الثلاث تحمل أسماء مختلفة، فمن المحتمل أن تكون كل قائمة غير كاملة.
ووجد الباحثون أن التداخل كان صغيرًا جدًا، لدرجة أن العدد الحقيقي للوفيات كان على الأرجح أعلى بنسبة 46107% من إجمالي الوفيات الرسمي الذي أعلنته الوزارة.
وإذا افترضنا أن النسبة ظلت على حالها منذ حزيران/يونيو الماضي (ولم تنخفض، كما حدث أثناء وقف إطلاق النار، على سبيل المثال) وطبقناها على الإحصاء الحالي، فسوف يشير ذلك إلى أن ما بين 77,000 و109,000 من سكان غزة قد قُتلوا، أي ما يعادل 4% إلى 5% من سكان القطاع قبل الحرب.