موقع مقالة نت
اهم المقالات التي تهم القارئ العربي

السودان: لعنة الكرسي.. ولعنة الشعب!!

0 11

أتابع بقلب يعتصره الألم ما يحدث منذ أسبوعين من تقاتل سوداني سوداني بين الجيش السوداني الذي يقوده الجنرال البرهان، و بين فصيل مسلح من ميلشيات اصطلح عليها بقوات الدعم السريع يقوده جنرال يدعى حميدتي ، و قد وجدتني أستعيد أحداثا قرأت عنها و سمعت عنها في بلدي،  و كانت من أبرز الأسباب التي جعلت العقيد هواري بومدين رحمه الله رئيس أركان جيش التحرير الوطني ووزير الدفاع الوطني للجيش الوطني الجزائري عقب استعادة الاستقلال يطيح صحبة مجموعة من رفاقه ممن عرفوا بأعضاء مجلس الثورة بالرئيس أحمد بن بلة في جوان حزيران عام 1965 .
فقد فجر القرار الذي اتخذه الرئيس بن بلة رحمه الله  بصفة فردية دون استشارة قيادة الجيش باستحداث ميليشيا شعبية مسلحة تابعة للرئيس شخصيا نقطة الخلاف بين الرئيس بن بلة و نائبه ووزير دفاعه العقيد هواري بومدين الذي اعتبر أن انشاء تلك الميليشيا المسلحة  من شأنه أن يشكل خطرا في المستقبل على أمن و استقرار الجزائر ، لأنه سيكون أداة طيعة في خدمة الرئيس كشخص و ليس في خدمة الدولة و حماية الوطن التي هي من المهام الأساسية للجيش الوطني الشعبي وفق نص الدستور،  و هي المهمة التي تتولاها كافة جيوش العالم التي تُعد صمام امان مختلف الدول.
و لولا عقلاء الوطن و خصوصا المجاهدين الوطنيين الذين ساهموا في ثورة أول نوفمبر و تحرير الوطن من المحتل، و الذين كان بعضهم قد انسلخوا من جيش التحرير و شكلوا قيادة ذلك الفصيل من الميلشيا التي استحدثها الرئيس الراحل أحمد بن بلة فإن الأمر كان سيستفحل،  و قد يتحول إلى حرب أهلية خاصة في ظل الشعبية الكبيرة التي كان يحظى بها  الرئيس بن بلة عقب الإطاحة به في ما عرف بحركة التاسع عشر جوان 1965.

ad

ولم تكن هذه التجربة الدموية المرتبطة بتنظيمات و ميليشيات مسلحة موازية للجيش الوطني الشعبي الجزائري  سليل جيش التحرير هي الوحيدة ، ففي أعقاب استعادة الاستقلال و في ظل الخلاف الذي ساد حينها بين رفقاء الأمس ممن قادوا ثورة أول نوفمبر قاد الزعيم التاريخي الراحل حسين آيت أحمد  رحمه الله حركة تمرد مسلح ضد النظام الوليد الذي كان يتقاسمه الراحلان أحمد بن بن بلة كرئيس للدولة و نائبه وزير الدفاع العقيد هواري.
و إزاء الدماء الجزائرية التي سالت خلال تلك الحركة التمردية، و التي حدثت عقب ثورة دامت أكثر من سبع سنوات و توجت بطرد القوة المستعمرة خرج الآلاف من أبناء الشعب الجزائري بصدور عارية ليقفوا سدا منيعا أمام ذاك الصراع الدموي الذي أودى بحياة عدد من الجزائريين للحيلولة دون إراقة المزيد من دماء أبناء الشعب الواحد و الوطن الواحد من أبناء الجيش الوطني المدافع عن الشرعية المكتسبة،  و بين أبناء تلك الحركة التي اعتبرت حركة تمرد و عصيان التي قادها المرحوم آيت أحمد صارخين :
  سبع سنين بركات ..أي يكفينا سبع سنين من ثورة ضد المحتل قدمنا فيها أزيد من مليون ونصف المليون من الشهداء.
و لذلك فإن ما يحدث اليوم في أرض السودان الشقيق من صراع على الكرسي بين جنرالين أحدهما ابن المؤسسة العسكرية و الآخر وليد تنظيم مسلح استخدم في السابق لأغراض حماية نظام الرئيس المعتقل حاليا عمر البشير تبين أن إنشاء اي تنظيم مسلح يكون بديلا عن الجيوش النظامية في اي بلد كان يشكل خطرا على الأمن العام و على كيان الدولة ، و على وحدة الشعب ، و قد يتسبب في حرب أهلية مدمرة .
و لهذا فإن نظرة المرحوم بومدين كانت صائبة عندما عارض الرئيس بن بلة لإنشاء ميليشيا مسلحة لا تنافس الجيش ، بل تكون بديلا له لحماية الرئيس و نظامه،  و ليس لحماية الوطن و مؤسسات الدولة و الدفاع عن مصالح الأمة.
المسألة الثانية التي نبهتني في صراع جنرالي السودان أن الكرسي كثيرا ما يعمي الأبصار و يبعدها عن الواقع و عن مصلحة الشعب و الوطن.
في عام 2013 أصدرتُ كتابا بعنوان : التعفن السياسي و لعنة الكرسي!!
كتب لي مقدمة ذلك الكتاب المجاهد المؤرخ الصديق الدكتور محمد العربي الزبيري.
في ذلك الكتاب رصدتُ حالة التعفن السياسي و ما قد يتسبب فيه من لعنة لأصحاب الكراسي أنفسهم ،حيث كنت أرى تهاوي و سقوط بعض الأنظمة العربية التي كانت تعمل على التاسيس للفكر الجملوكي الذي حاول المزج بين النظامين الجمهوري و الملكي عبر التوريث للأبناء و الاشقاء.
وقد وجدت صورة لذلك الواقع في تلك الحالة و مظاهر الفساد والفضائح المالية التي كانت رائحتها تفوح في مختلف تلك الدول بما فيها بلادنا آنذاك.
إن حالة السودان اليوم هي جزء من تعفن سياسي عام امتد طيلة سنوات مما جعل بعضهم يطمع أن يكون المسؤول الأول في بلد كم يُعد شعبه من أطيب شعوب المعمورة.
و لكنه يبدو لي أن الجنرالين المتصارعين على الكرسي في السودان اليوم نسيا أن لعنة الكرسي هي لعنة أبدية تصيب كل من لا يقرأ التاريخ ، و كل من يحتقر الشعوب..
فكثير من هذا الصنف من هؤلاء الحكام المهوسين بالحكم و مرض الزعامة و بريق الكرسي ، أقيمت لهم المشانق و المحاكمات..
وكثير منهم غادروا الكرسي و قد ظلت لعنة شعوبهم و لعنة التاريخ تطاردهم إلى الأبد لأنهم لم يدركوا أن بريق الكراسي يعمي كثيرا من الأبصار و الزعامات الكرتونية .
كاتب من الجزائر

اضف تعليق