تقرير: هل نحن أمام حرب لبنان الثالثة؟
بعد صدّ وردّ وتبادل تحذيرات وتهديدات بين إسرائيل و”حزب الله”، في الأسبوع الأخير، هل هما على عتبة مواجهة جديدة، أم أن الطرفين غير معنيين بها، وأن تصريحاتهما تأتي لمنعها، والحيلولة دون التورّط بحرب جديدة؟ وكيف يقدّر كل طرف منهما نوايا الطرف الآخر في هذا المضمار؟ عن ذلك يقول الكاتب والباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت إن ما ينبغي التوقف عنده هو توكيد المؤسسة الأمنيّة الإسرائيلية أن وجهتها ليست نحو التسبّب بإشعال مواجهة جديدة في الشمال، وفي الوقت عينه أنها جاهزة لخوض هذه المواجهة في حال اندلاعها.
في تقرير لمركز “مدار”، يقول شلحت إنه إذا ما شئنا إجمال المواصفات المتعلقة بـ “حزب الله” في هذا الخصوص، يمكن القول إن جلّ التحليلات الإسرائيلية تنطوي على استخلاص مؤداه استبعاد وقوع “حرب مُدبّرة” في الشمال”. ويضيف: “لدى البحث عن أبرز الأسباب الواقفة وراء هذا الاستخلاص في تلك التحليلات الإسرائيلية المستبعدة لحرب لبنان الثالثة يتراءى أمامنا منها سببان هما الأبلغ: الأول، أن الإيرانيين ما زالوا يوضحون لـ “حزب الله” وقادته أنهم قاموا ببناء قوة الحزب الكبيرة كي يستطيع ردع إسرائيل عن ضرب إيران، أو كي ينزل بها عقاباً في حال وجّهت ضربة إليها، ولا يجوز له أن ينجرّ إلى حرب في أي سيناريو آخر. والثاني، أن “حزب الله” لا يزال يعاني من جرّاء الجروح التي خلفتها حرب لبنان الثانية، في العام 2006، فضلاً عن أن القوة التي ستُستخدم من جانب إسرائيل خلال حرب لبنان الثالثة في حال وقوعها ستخرّب لبنان كلياً، مثلما تهدّد صباح مساء”. كما يقول إنه عند هذا الحدّ يتعيّن علينا أن نضيف أن السيناريو شبه الوحيد الذي يعتقدون في إسرائيل أنه سيؤدي إلى دخول “حزب الله” حرباً في منطقة الشمال (سيناريو توجيه إسرائيل ضربة عسكرية إلى إيران على خلفية محاولة كبح تقدّم برنامجها النووي) ما زال مطروحاً بقوة، مثلما برهنت على ذلك وقائع كثيرة مستجدّة، ناهيك عن أن جروح حرب لبنان الثانية لم تكن مقتصرة على “حزب الله” ولبنان، بل شملت إسرائيل أيضاً، وهذا ما يمنعها من سرعة الضغط على الزناد.
تحذيرات وتهديدات إسرائيلية
وشهد الأسبوع الأخير تحذيرات أطلقتها المؤسسة الأمنية، وبالأساس على لسان كل من رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، الجنرال هرتسي هليفي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (“أمان”)، اللواء أهارون حليفا، وتبعهما عدد من السياسين والعسكريين في هذه التنبهيات والتهديدات. ويذكر أن التحذيرات الإسرائيلية الموجّهة إلى “حزب الله” وأمينه العام حسن نصر الله، في الأيام الأخيرة، من مغبة ارتكاب خطأ الدخول في حرب أو مواجهة عسكرية مع إسرائيل، بدافع الاعتقاد أنها ضعيفة حالياً بسبب الأزمة الداخلية غير المسبوقة التي تعيش في خضمها، أثارت جدلاً حول عدة قضايا ساخنة، برزت من بينها القضيتان التّاليتان:
أولاً، ما هو حجم القوة العسكرية التي يمتلكها “حزب الله”، من ناحية العتاد والقدرات البشرية والخبرات المتراكمة، قياساً بما كانت عليه حاله عندما خاض آخر حرب مع إسرائيل، قبل 17 عاماً، فيما باتت تُعرف في القاموس الإسرائيلي باسم “حرب لبنان الثانية”.
ثانياً، هل ثمة مؤشرات قوية وذات صدقية إلى أن “حزب الله” معنيّ بمواجهة عسكرية مع إسرائيل في الوقت الحالي؟
وقد أتى الجدل بشأن القضية الأولى على خلفية العملية العسكرية التي قام الجيش الإسرائيلي بشنّها ضد حركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية في قطاع غزة (عملية “درع وسهم”، 913 أيار 2023)، ولوحظ أكثر شيء أن معظم المحللين الإسرائيليين، السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، أكدوا أن هذه العملية كانت مع من وَصفوه بأنه “العدو الأسهل”، وأنه يتعيّن على المؤسسة الأمنية والمستوى السياسي ألا ينتشيا بالثناء الذي حظيا به. ومثلما كتب المحلل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، يوسي يهوشواع، فما يجب القلق منه حقيقة في جميع الأحوال، هو الحرب في لبنان في مواجهة “حزب الله”. ومن أجل توضيح ما هو متعلق بالحجم، مثلاً، أشار إلى أن “الجهاد الإسلامي” بدأ العملية وفي حيازته 6000 صاروخ، معظمها من إنتاج محلي وقصيرة المدى. وأطلق خلال خمسة أيام 1100 صاروخ، سقط ربعها في أراضي القطاع، ووصل عدد قليل إلى وسط إسرائيل، وكانت النتيجة قتيلة إسرائيلية واحدة. في المقابل، فإن “حزب الله” يستطيع إطلاق أكثر من 3000 صاروخ في اليوم، وهي ذات مدى أبعد بكثير، كما أنها أكثر ثقلاً ودقةً في إصابة الهدف.
قوة برية مدربة
وهذا هو ما يؤكده أيضاً المحلّل العسكري لقناة التلفزة الإسرائيلية 13 وصحيفة “معاريف”، ألون بن دافيد، الذي كتب يقول إنه بالرغم من نقاط الضعف لدى “حزب الله”، فلا يجب الاستهتار به، إذ لديه قوّة برّية مدرّبة، يصل تعدادها إلى آلاف الأشخاص الذين يستطيعون، عند صدور الأوامر، اختراق الحدود واحتلال بلدة إسرائيلية. وخلف هذه القوّة، هناك منظومة قوية من الصواريخ والقذائف تقدم لها تغطية بقوة النار، وتستطيع إلحاق ضرر كبير بالجبهة الإسرائيلية الداخلية، بما في ذلك إلحاق ضرر دقيق بأهداف إستراتيجية في إسرائيل.
قام “حزب الله” بمناورة تحاكي هجوماً ضد المستوطنات الإسرائيلية وخطف أسرى. استُخدمت مسيّرات ودراجات نارية، كما استُخدم علم إسرائيل ونجمة داود كهدفين لإطلاق النار.
مناورة “حزب الله”
وفي تحليله، قال يوسي يهوشواع، المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إنه يوم 21 أيار 2023 انتهت مناورة خاصة أجراها “حزب الله” في منطقة الحدود الشمالية، واصفاً إياها بأنها “استعراض للتباهي بالقوة أمام أنظار إسرائيل”، وقد حاكت المناورة هجوماً ضد المستوطنات الإسرائيلية وخطف أسرى. ويستذكر أنه في الصور التي التُقطت من المناورة، استُخدمت مسيّرات ودراجات نارية، كما استُخدم علم إسرائيل ونجمة داود كهدفين لإطلاق النار. وعلى غرار ألون بن دافيد،
أضاف يهوشع أنه بخلاف الموقف الإسرائيلي الرسمي من هذه المناورة، والذي اتسم بقدر كبير من السخرية، لا يجوز الاستهانة: “هناك تحسُّن كبير في قدرات الوحدات البرية لـ “حزب الله”، وخصوصاً قوة الرضوان الخاصة، التي راكمت تجربة عملانية في سوريا. وعلى ما يبدو، بتوجيهات من نصر الله نفسه، جرى استقدام هذه القوات ووضعها على خط التماس مع إسرائيل، وهذه خطوة هجومية مهمة جداً، واستعداداً ليوم المعركة، وقد بدأت في نيسان 2022، وأُنجزت خلال عام، بينما كان الهدف رفع مستوى الجهوزية للحرب”.
محتل الجليل
وخلال أكثر من عقد، كما ينوّه المحلّل الإسرائيلي نفسه، يتحدّث نصر الله عن الانتقال من كونه درعاً للبنان إلى “محتلٍ للجليل”، وهو لا ينوي إرسال كتائب إلى عكا، بل وحدات خاصة تتسلّل إلى المستوطنات على خطّ الحدود. ويتابع: “بالنسبة إليه، هذا ليس معقداً عندما تكون جالساً مع قوات بالقرب من السياج الحدودي، وخصوصاً الآن، مع وصول قوة الرضوان إلى المنطقة. وفي العام المنصرم تعرّض الجمهور الإسرائيلي إلى الكثير من مظاهر التنمر والاستفزاز على الحدود. و”حزب الله” يغيّر انتشاره على الخط ويُنشئ مزارع، بهدف خلق استفزازات. كما كثّف عدد قواته في الجبهة، وزاد في سرعة الرد، وحسّن أدواته القتالية”.
وينبه يهوشع إلى أن “حزب الله” لا يكتفي بنشاطاته فيما وراء الحدود، فهو يُظهر المزيد من الجرأة والاستعداد للمخاطرة بالدخول في مواجهة، وعلى سبيل المثال، العملية الخاصة التي في إطارها تسلّل مقاتل إلى عمق الأراضي الإسرائيلية، وعلى بُعد مسافة 70 كم عن منطقة الحدود، وصل إلى مفترق مجدو (مفرق اللجون)، وهو يحمل عبوة قوية للغاية.
قوة الرضوان
ويلاحظ “مدار” في تقريره أن هذا ما توقف عنده بن دافيد أيضاً، مشيراً إلى أنه منذ عام يقترب مقاتلون من قوة الرضوان التابعة لـ “حزب الله” إلى منطقة الحدود أكثر فأكثر. وذكر أن قوة الرضوان تحوي مجموعة أفواج تدربت على اختراق السياج الحدودي والسيطرة على مستوطنة إسرائيلية، وأقامت في الآونة الأخيرة عدة مواقع متاخمة للحدود، وبصورة عامة، تتكوّن هذه المواقع من حاويات، ولكن تجري حولها الكثير من الأعمال اللوجستية: حركة مركبات وتزويد، دوريات مراقبة، والهدف من هذا كله تعويد الجيش الإسرائيلي على وجودهم على بُعد خطوة من الحدود وأغلبيتهم من خرّيجي الحرب في سوريا، ولديهم تجربة عسكرية غنية.
منجز تكتيكي
وينبه “مدار” لاتفاق كثيرٍ من القادة العسكريين الإسرائيليين السابقين مع هذه الاستنتاجات، ومنهم على سبيل المثال الرئيس السابق لشعبة “أمان” و”معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، اللواء احتياط عاموس يدلين، الذي شدّد على أن ما انتهت إليه عملية “درع وسهم” هو “إنجاز تكتيكي في مواجهة عدو ضعيف جداً”، وعلى أنه “لا يمكن أن نستنتج من المواجهة المحدودة هذه استنتاجات عامة بشأن ترميم الردع الذي يشكل بحدّ ذاته مصطلحاً فضفاضاً، ومن الصعب قياسه، وفي جميع الأحوال، يبدو أن الاختبار في هذا المجال لا يزال أمامنا”.