موقع مقالة نت
اهم المقالات التي تهم القارئ العربي

الروائي الأردني جلال برجس يكتب: ملكٌ يكرم روائيًا

0 7

أثير- الروائي الأردني جلال برجس

في الخامس والعشرين من هذا الشهر، أنعم عليَّ جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين بوسام التميز من الدرجة الثانية، في حفل بهيج في قصر رغدان العامر، بمناسبة عيد استقلال المملكة الأردنية الهاشمية. سألني كثير من الأصدقاء، والصحافيين، وعدد من أفراد عائلتي بعد الحفل: ما هو شعورك وأنت تمتثل لجلالته وهو يقلدك الوسام؟
لقد كانت إجاباتي خاطفة، ومختصرة، ومكثفة، لكن الذي لم أقله أن الإحساس بالإنصاف كان يتقدم كل صور المعاناة التي لم تداريها ذاكرتي في تلك اللحظة المهمة؛ إذ شعرت بأن كل التعب الذي منيت به منذ أن وضعت قدمي على أول درب الأدب وحيدًا، بلا دليل، أو معونة، قد استحال إلى دفقات عالية من البهجة. إنها لحظة أشبه ما تكون بلحظة تنفس الصعداء. أو التلذذ بدفقة هواء نقية؛ إذ تذكرت حينها أول كلمة كتبتها على جدار بيتنا الأول المطلي باللون الأسود في زمن القرية، وأمي تنظر إليَّ مصابة ببهجة الأمهات حين يجدن الأبناء يحلمون بزمن جديد. تذكرت ذلك اليوم الذي بت فيه قادرًا على فك ألغاز الحروف؛ فتلوت آيات من القرآن الكريم لأمي، وهي تحدق بي بوجه طفولي تعلوه شموس البراءة، وقرأت عددًا من مكاتيب عمي عزيز، وهو يغيب في مدن ما وراء البحار يسعى إلى المعرفة. تذكرت ذلك اليوم الذي ذهبت فيه إلى المكتبة العامة صغيرًا أستعير أول كتاب في حياتي مدفوعًا بنصيحة عمي عزيز بالقراءة. تذكرت يوم كتبت أول صفحات يومياتي في مفتتح الشباب، وأول انكسار أمام حلم لم يتحقق بدراسة الطب، وأول قصيدة كتبتها لأول فتاة عرفتني بالحب. تذكرت حين كنت أقرأ (الجريمة والعقاب) لـ(ديستويفسكي) في ليلة صيفية صحراوية أقوم فيها بواجب الحراسة في زمن الجندية. تذكرت تلك العبارات التي كنت أكتبها على جدران الثكنة العسكرية، والعبارة التي كتبتها على جناح الطائرة الحربية حينما حدث التصالح الشعري بين شاعر وبين كائن فيزيائي مهمته التحليق. تذكرت أول رواية كتبتها وكنت أعتقد أنها فتح جديد في عالم السرد، من دون أن أدري أنها مجرد خطوة من خطواتي في التمارين على الكتابة، وأنها ستبقى مجرد ذكرى على بدايات ورطة السرد الجميلة. تذكرت أول مرة أطرق فيها بمعية صديقي علي شنينات باب رابطة الكتاب الأردنيين، وأقف قبالة الكتاب الذين قرأت معظم ما كتبوا. تذكرت أول كتاب نشرته؛ فهرعت أشارك عمي عزيز بهجتي بما فعلت. تذكرت أول جائزة عربية يذكر اسمي واسم بلادي في لحظة إعلانها.

تذكرت كل تلك البدايات وأنا أنظر بوجه ملك يكرم روائيًا على (دوره الكبير في رفد الأدب العربي والأردني، خصوصًا في مجالي الرواية والشعر). إني أرى في الوسام الذي نلته ثناء على كاتب سار وحيدًا في درب الأدب التي لم تكن سهلة على الإطلاق، ومضى فيها رغم ما فيها من عواقب، ومحاذير، وشوك. إنه تكريم لمن يؤمنون بالكلمة؛ فليس حدثًا عابرًا أن يكرم ملكٌ روائيًا، ابتهجت كثيرًا بهذا التكريم، لما فيه من أبعاد معنوية غاية في الأهمية، فحين يكرم ملكٌ روائيًا فإنه يشير إلى اهتمامه بما نسعى إليه ثقافيًا، لذا فهذا التكريم ليس لي على الصعيد الشخصي فقط، إنما للثقافة العربية بشكل عام، والأردنية بشكل خاص. إنها رؤية مؤمنة بضرورة الثقافة، ومدى قدرتها على البناء الإنساني، خاصة في مرحلة عالمية شائكة، وصعبة.
من هنا أقول بأن هذا الوسام سيبقى أهم مرابحي، لأن لثناء الأب إيقاعا مختلفا، وله ديمومة أبدية. شكرًا يا جلالة الملك على ما منحتني.

اضف تعليق