موقع مقالة نت
اهم المقالات التي تهم القارئ العربي

شهادة أسيرين من غزة عن معتقل عوفر الإسرائيلي: اغتصاب وكلاب تنهش الأسرى

0 2

نشرت صحيفة العربي الجديد شهادة الأسيرين لدى الاحتلال الإسرائيلي مراسل “التلفزيون العربي” محمد عرب، وطارق عابد، اللذين اختُطِفا من غزّة منذ ما يقارب ثمانية أشهر. ووثّق هذه الشهادة المحاميان اللذان زارا الأسيرين في سجن عوفر في 14 يوليو/تموز 2024. وهذه هي الشهادة الثانية للصحافي محمد عرب، والأولى للأسير طارق عابد، لذلك فإن التفاصيل التي ذكرها عرب هي بعد أن اطمئنّ للمحاميين باعتبارهما فلسطينيّان وليسا محققّين يتبعان جيش الاحتلال الإسرائيلي، لكن الأسير طارق عابد كان يتحدّث بشيءٍ من الخوف.

ونُقل الأسير محمد عرب إلى سجن عوفر بتاريخ 2 يوليو/تموز 2024، بعد مقابلته في 19 يونيو/حزيران 2024. وكان هذا النّقل عقابًا له، إذ تعرّض للاستجواب بسبب التفاصيل التي ذكرها للمحاميين خالد محاجنة، والمحاميّة م.أ، وكيف أثّرت شهادته التي نُشِرت عبر التلفزيون العربي على العالم، وأُغلِق على إثره سجن “سدي تيمان” العسكري، بسبب جرائم ضدّ الإنسانيّة وجرائم الحرب المرتكبة فيه، وأُحيلَ عدد من الجنود للتحقيق على إثر الشهادات المروّعة التي نقلها عرب.

الجدير ذكره أيضًا؛ أنه كان يُفترض زيارة أربعة أسرى في سجن عوفر في 14 يوليو/تموز 2024، لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي قامت بنقل أسيرين من مُعتقل “عوفر” العسكري إلى سجن “بيتح تكڤا” التّابع لجهاز الاستخبارات الداخلي “الشاباك”، وهما أحمد كمال حمدان النّجار، وأحمد حمدان محمود رضوان، كما تم التواصل مع عائلاتهما وإبلاغهما، فاقتصرت هذه الزيارة على المذكورين أدناه.

شهادة محمد عرب “الثانية”
بادئ ذي بدء، دخل محمد عرب معصوب العينين، مُكبّل القدمين واليدين، يرتدي ملابس نظيفة، وهذه كانت المفارقة بين الزيارة الأولى بتاريخ 19 يونيو/حزيران الماضي، وبين هذه الزّيارة، إذ اهتموا هذه المرة بنظافة محمد، تمهيدًا لمقابلة محاميه.

كيف حالك يا محمد؟ أأنت بخير؟ نودّ أن نخبرك أنّنا تواصلنا مع أسرتك، أبناؤك بخير، يرسلون سلامهم إليك، ويقولون لك إنّهم في انتظارك على أحرّ من الجمر!
أسرتي ما زالت حيّة؟ شكرًا لك يا الله على هذا الأمان… أنا لست بخير، لقد تعرّضت لتحقيقات متعبة واستجواب متواصل بعد زيارتكم الأخيرة لي قبل نقلي. هل تعرفون أنّه تم نقلي هنا بعد أيام من زيارتكم؟ لقد حضر ثلاثة جنود، أخذوني للاستجواب في باركس آخر، وكانت كل الأسئلة تدور حول ماذا قلت لكم في المقابلة؟ وما هي التفاصيل التي زوّدتكم بها؟ وهددوني بالتعذيب فوق الضرب الذي أبرحوني إيّاه، وآخرها كان التهديد بالقتل بسبب التسريبات التي قيلت عبر شاشة التلفزيون العربي، وكيف انفجر العالم جرّاء ما يحدث في معتقل “سدي تيمان”.

لم يكن محمد يعرف أنّه في سجن “عوفر”، عندما سألناه هل تعرف أين أنت؟ قال: أعتقد أنني في معسكر صوفا بالقرب من غزّة، لا؟ أجبنا: أنت في مُعتقل “عوفر” العسكري، في رام الله… فوجئ، وقال: يبدو أنّهم لا ينوون الإفراج عنّي. لقد نقلونا بعربات الجيش الإسرائيلي أنا ومئة أسير آخرين، وكنّا معصوبي الأعين، لقد عرفت ذلك حال وصولي هنا.

هل ما زلت تتعرّض للإهمال الطبّي؟ هل ما زلت تُعذّب؟ تستجوب؟
ما حصل معنا في “سدي تيمان” ما يزال يحصل معنا هنا، لكن بتفاوت، كما المرّة السابقة، تهديد بالضرب إذا قمنا بأيّ حركة، نُمنَع من الكلام، نُمنَع من الالتفات ورفع الرأس، ما زلنا نُضرَب، نُضرَب كأننا اعتُقلنا اليوم، كل يوم يكون بمثابة المرّة الأولى في كلِّ شيء، في الألم، في الصراخ، في التعذيب، الاستجواب، لم نعتد ولم نتأقلم. يوجد معي أكثر من مئة أسير مريض، كلّهم من غزّة، بعضهم مرضى بأمراضٍ مزمنة، بعضهم مصاب بسبب التعذيب، كلّهم يصرخون من الألم، إذ لا علاج، لا علاج، يضربوننا في المكان الذي يؤلمنا تحديدًا، كأنّهم يريدون حفر الألم بجانبِ اسمنا. أريد أولًا أن أقول لكم ما حصل بعد زيارتكم، لقد شاهدتُ ما لم أستطع تصديقه حتّى اللحظة!

هل تقصد في سجن “سدي تيمان”؟ ماذا حصل؟
أجل… فبعد زيارتكم بيوم، جاءت مجموعة من الجنود يرافقهم كلاب، دخلوا إلى مكان وجودنا، اختاروا أسرى عشوائيًّا، من كلِّ فئة عمريّة اختاروا أشخاصًا، أطفالاً، شبابًا، وشيوخًا… جعلوهم ينامون على الأرض، بطونهم ووجوههم على الأرض، أيديهم مكبّلة خلف رؤوسهم، جعلوا الكلاب تهجم بمخالبها، لتنهش جلد ولحم الأسرى، ثم أوقفوهم، وضعوهم في زاوية يوجد فيها “شبّاك حديديّ” كبير، وضعوا أيديهم على الشبّاك، ثمّ بدأوا بضربهم على ظهورهم، مؤخّراتهم، وأقدامهم من الخلف، أطلقوا الكلاب عليهم مرًة أخرى، حتّى أنّ أحد الجنود، حاول أن يغتصب أحد الأسرى بوساطة كلب! يعلّمون كلابهم ممارسة الجنس مع الأسرى! هل تتخيّلون؟

سكت محمد عرب قليلًا، ثم أكمل حديثه بتردّد، لقد اغتصبوا أسرى أمام عيني، لقد قتلوا أسرى أمام عيني!

كيف! اغتصبوا أسرى؟ تقصد جاؤوا بمجندات وقاموا بتعرية الرجال مثلًا؟ هل تعرف من قتلوا؟ هل تعرف من اغتصبوا؟
لا! لم يكن هنالك مجنّدات على الإطلاق، جاؤوا بأسيرٍ اختاروه عشوائيًا؛ اسمه “هـ. م”، قاموا بتعذيبه حتّى صار صراخه يتردّد في الفراغ، ضربوه بقسوة، ثم عرّوه من ملابسه، وجّهوا جسمه على الأرض، ورفعوا مؤخرته، ثم جلبوا “مطفأة الحرائق”، وصاروا يضربون مؤخرته بها، ثم أدخلوا خرطوم المطفأة في مؤخرته، وفتحوها… لقد اغتصبوه بمطفأة حرائق، وأفرغوها في مؤخّرته، قائلين له بلغةٍ عربيّة مكسّرة: بدنا نطفّي ألمك وننسيك الوجع… غاب عن الوعي، نقلوه معي هنا، وهو في حالةٍ نفسية صعبة، مصدوم حتّى اللحظة، لا يتحدّث لأحد أو مع أحد.

أسيرٌ آخر اسمه “ج. م”، اعتدوا عليه كما الآخر، ضربوه ونكّلوا به، وجاؤوا بالكلاب لاغتصابه جنسيًا، عرّوه بالكامل، وضعوا الكلاب فوقه تنهش لحمه، بعدها جاء أحد الجنود يحمل في يده “عصا كهربائيّة” تُطلق شُحنات كهربائية عالية، وصاروا يضربون الأسير على أعضائه التناسليّة، كهربوا أيضًا مؤخّرته، ثم أوقفوه على قدميه، وأمسكوا بأعضائه التناسليّة وصاروا يسحبونها إلى أسفل بشدّة وقوّة، إلى أن غاب عن الوعي، ثم اقتيد إلى مكان غير معلوم لي، حتّى اللحظة.

أحد الأسرى من عائلة “س”، وهو رجل مسن عمره قرابة الستّين عاماً، يعاني مشاكل صحيّة، كان يسألهم العلاج دائمًا، ويطالبهم بتحويله للمستشفى أو المقصف الصحّي، تجاهلوا طلبه. هجم الجنود عليه لأنّه خالف وضعيّة الجلوس، اعتدوا عليه بالضّرب المبرح، حتى فقد الوعي، وظلّوا يضربونه حتّى توفّي بين أيديهم، فاكتشفوا أنّه قد مات، حملوه وأخذوه إلى مكان مجهول، ولا يعرف أحد عنه شيئًا.

دخل جندي، أخبرنا بانتهاء وقت الزيارة، وبكى محمد.

شهادة الأسير طارق عابد
طارق عابد أسير من قطاع غزّة، مُختَطف منذ أكثر من 160 يومًا، وُضِع في معسكر للجيش الإسرائيلي بغلاف غزّة لمدّة 45 يومًا، ثم اقتادوه لجهةٍ غير معلومة لـ20 يومًا، حتّى عندما سألناها عن مكان وجوده قبل نقله إلى عوفر، قال: لا أعلم، لكنني موجود هنا من تاريخ 4 أغسطس/آب 2024. حُقِّق معه مرّة واحدة، كان يصاحب الاستجواب ضرب وتعذيب، وأسئلة عن حماس والصواريخ والمقاتلين، وكان في كلِّ مرة يقول: أنا مدني، أنا مدني. عُرِض مرة واحدة على محكمة في شهر رمضان، وكانت المقابلة عبر هاتفٍ ذكيّ لأحد الجنود، قام القاضي بتمديد اعتقاله بشكلٍ مفتوح، بتهمة التواصل والتعامل مع حركة حماس. قلنا له نفس التفاصيل التي أخبرنا بها محمد عرب في الزيارة الأولى لسجن “سديه تيمان”، لم يطمئنّ لنا، كحالِ محمد عرب في الزيارة الأولى.

كيف حالك؟ هل أنت بخير؟
أنا لست بخير، أشكر الله على كل ابتلائه، يعذبوننا طوال الوقت، يضربون الجميع طوال الوقت، لا مكان للراحة هنا، لا أعرف ماذا فعلنا حتّى نستحقّ كل هذا الموت والضرب والتعذيب! كيف لو أننا من احتلّهم؟ كيف لو كنّا نحن من نحاصرهم ونقتلهم؟

نأسف لسماع هذا، نأمل من الله أن يخفِّف عنّا جميعًا، كما قلت هذا ابتلاء، هل يمكنك أن تخبرنا عن وضعك في السّجن؟
مقارنةً بما أسمع من الأسرى الذين ينقلوهم هنا؟ أنا في نعيم! سجن عوفر يختلف عمّا كنت به سابقًا من معتقلات، من النّاحية الشكلية، فهو يتكون من غرف صغيرة مبنية من الباطون، بدون أي تهوية، وتبلغ مساحة كل غرفة تقريبًا 5×6 أمتار. تحتوي الغرفة أسرّة حديدية، ويقيم فيها 16 أسيرًا. هذه الأسرّة خالية من أي فرشات أو وسائد، ولا توجد أغطية. في بعض الأحيان، يزيد عدد الأسرى في الغرفة إلى قرابة 25 أسيرًا، مما يُجبرنا على النوم مباشرة على الحديد أو الأسرّة، بينما يضطر آخرون للنوم على الأرض.

الغرفة تحتوي فتحة صغيرة في الباب تُستخدم لتقديم الطعام لنا. نقضي معظم الوقت مقيّدي الأيدي. الطعام يُقدم عبر هذه الفتحة (أشار بيده نحو فتحةٍ في الباب)، نأكل بينما ما نزال مقيّدين، البعض الآخر يأكل كما تأكل الإبل أعزّكم الله، لأنّ أياديهم كُسِّرت. الطعام سيئ للغاية، أسوأ حتى من طعام المعتقلات السابقة التي كنت فيها، يقدّمون لنا أكلًا محسوبًا بالورقة والقلم؛ لكل أسير 100 غرام من خبز يهودي، وخيارة أو بندورة، وكيس لبن صغير، وهذه الوجبة تُقدم لنا ثلاث مرات يوميًا إفطارًا وغداء وعشاء.

داخل الغرف، الحمام مكشوف للجميع، نقضي حاجتنا أمام بعضنا البعض، حمام من النوع العربي وليس الإفرنجي. تُراقب الغرف بكاميرات تظل مفتوحة على الحمام، هناك حنفية فوق الكابينة، ولكن الماء الذي يصل منها هو ماء الشرب… يُسمح لنا بالاستحمام لمدّة دقيقة واحدة فقط، ملابسي لم تتغيّر منذ وصولي إلّا مرّة واحدة، فلا فائدة من الاستحمام إذا كانت الملابس ذاتها متّسخة… حتّى لا أكون كاذبًا، قمت بتغيير “البلوزة” وحلاقة شعري قبل أسابيع.

كيف المعاملة معك ومع الأسرى؟ هل كنتم تتعرّضون للتعذيب؟
في رمضان، قالوا لنا: جهّزنا لكم مسرحيّة… أدخلوا علينا ثلاثة مصاحف، داخل الغرفة التي نحن فيها، اختاروا ثلاثة شبّان، أجبروهم على أن يجلسوا على فرشاتٍ نظيفة، والتقطوا لهم صورًا وفيديوهات وهم في هذه الحالة، بعد الانتهاء… قام الضابط بتمزيق المصاحف أمام الأسرى، ثم دعس عليها. يوجد في عوفر عنبران يُعرفان بوصف الجنود بعنبر “جهنم” وعنبر “جحيم”، وهما عنبران مخصصان للتعذيب. لا نستطيع رؤية ما بداخل الغرف، لكنّنا نسمع صرخات الأسرى الآخرين أثناء تعذيبهم. قبل أيام، قُمع الأسرى وضربوا في الغرف 5 و6 و7؛ حيث دخل الجنود برفقة كلابهم واعتدوا على جميع الأسرى، وكسروا أيدي معظمهم. كنت في غرفة مقابلة، شاهدت ما يحدث من خلال الفتحة الصغيرة وسمعت صرخات الأسرى وأصوات الاعتداء، سمعت بكاءهم. كان سبب القمع هو الصوت المرتفع.

طِوال الوقت، يدخل علينا الجنود مقنّعين، يتلفّظون بالشتائم البذيئة، يسبّون أعراضنا، يلعنون الرّب والدّين ويهينون الإسلام، يصفوننا بأبشع الألفاظ، يهددونا بالاغتصاب والقتل، لقد اغتصبوا أسرى هنا، أهانوهم جنسيًا، يصوّرون كل شيء. هناك أسير يُدعى “م. ن” كان يعاني لأيام آلامًا شديدة في جسمه. طلب نقله إلى العيادة، وبالفعل نُقل، لكن بدلًا من معالجته، تعرض للضرب ثم أُعيد إلى مكانه، وكلما صرخ من الألم يزدادون عليه ضربًا.

دخل جندي، أخبرنا بانتهاء وقت الزيارة، وأخذ طارق.

اضف تعليق