تفاؤل في غير محلّه.. سما الإخبارية
فيما يتوقّف الحديث والعمل من أجل وقف الحرب الإبادية على قطاع غزّة، عَبر التوصل إلى اتفاق تنشغل الإدارة الأميركية، في محاولة التوصل إلى اتفاق لوقفها على لبنان، في وقتٍ لم يظهر أي من طرفي الحرب أي إشارة إلى الضعف إلى الحدّ الذي يسمح بالتوصل إلى اتفاق.
الإدارة الأميركية تقوم بعمل استعراضي فيما تبقّى لها من وقت ويتحدث مبعوثها إلى المنطقة عاموس هوكشتاين عن أنّ الاتفاق بات في متناول اليد، وأنّ الساعة تقترب من التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب التدميرية على الجبهة اللبنانية استناداً إلى القرار 1701.
هي ليست المرة الأولى ولا العاشرة التي تتحدّث فيها الإدارة الأميركية عن تفاؤل بشأن إمكانية التوقيع على اتفاق بشأن الحرب الإجرامية على القطاع.
ليس هذا وحسب بل إن الإدارة الأميركية فشلت كل الوقت في أن تتلقّى استجابة من دولة الاحتلال، حتى بالنسبة لأبسط الطلبات الإنسانية.
في الواقع، فإنّ الإدارة الأميركية التي وقفت كل الوقت إلى جانب دولة الاحتلال في حربها على غزّة والضفة ولبنان، تحاول أن تنقذ الأخيرة أوّلاً، وإنهاء مرحلتها في البيت الأبيض، وقد حصلت على براءة ذمّة، فضلاً عن تقديم خدمة للدولة العبرية، عَبر الفصل بين الجبهات.
وفيما يجري الحديث عن أن هوكشتاين الذي حمل إلى لبنان مسوّدة اتفاق وأنّه نجح في حصر الخلاف بنقطتين: الأولى، تتعلّق بالشرط الإسرائيلي الذي يصرّ على حرّية العمل ضدّ لبنان، والثانية تشكيل لجنة الإشراف، ما يوضح بأنّ الخلافات أكثر عمقاً، وإمكانية التوصّل إلى اتفاق أكثر صعوبة ممّا تبدو عليه الحال.
يُصرّ نتنياهو على الحصول على حرّية العمل ضدّ «حزب الله» اللبناني، ومنعه من إعادة ترتيب أوضاعه وتسليح نفسه وإبعاده عن الحدود لمسافة تصل إلى نحو عشرين كيلومتراً، وهذه شروط يرفضها الحزب، فضلاً عن أنّه يرفض فصل ما يجري على جبهة الجنوب عمّا يجري في غزّة.
لا يفهم في السياسة، من يراهن على ضمانات أميركية، خصوصاً لإدارة راحلة، وفاقدة للمصداقية، واختارت أن تكون شريكاً ولا يمكن أن تكون وسيطاً ومحايداً. ولا يفهم في السياسة، من يعتقد أنّ بنيامين نتنياهو الذي رفض كلّ الوقت كلّ الطلبات والنصائح الأميركية، سيعطي الإدارة الراحلة، أيّ امتياز أو مكافأة.
لقد رفض نتنياهو كلّ الطلبات الأميركية في وقتٍ كانت فيه استطلاعات الرأي تقدم كامالا هاريس على ترامب قبل الانتخابات فهل يستجيب لطلباتها، بعد أن فاز دونالد ترامب، الذي تراهن حكومة نتنياهو على أنّه سيكون أكثر سخاءً من سلفه جو بايدن؟
يرى نتنياهو أنّ أمامه شهرين كاملين حتى يدخل ترامب البيت الأبيض، ستوفّر لدولة الاحتلال مجالاً واسعاً لتحقيق ما يعتقد نتنياهو أنّه لديه أهداف واقعية يُصرّ على تحقيقها.
صحيح أنّ ترامب أعلن عن رغبته في أن تتوقّف الحرب قبل دخوله إلى البيت الأبيض، ولكنه في كلّ الأحوال لن يتخلّى عن دولة الاحتلال، ولن يمارس عليها أيّ مستوى من الضغط لإيقاف حربها الإجرامية.
هوكشتاين خرج من لبنان متفائلاً، ولكنه أرجأ زيارته لدولة الاحتلال حتى يقف على ردّها، ما ينفي ما كان صرّح به من أنّ الاتفاق قد بات في متناول اليد. لا بدّ أنّ هوكشتاين يتوقّع ويعرف أنّ نتنياهو سيجد الأعذار للتملّص من الموافقة على ما يحمله من الحكومة اللبنانية.
ويدرك هوكشتاين بالتأكيد أنّ نتنياهو، فضلاً عن تمسّكه بشروطه المرفوضة لبنانياً، لا يمكن أن يوافق على وقف الحرب التدميرية على الأقل قبل أن يحين وقت مثوله أمام المحكمة في الثاني من كانون الأول.
بعد أن طلب نتنياهو من المستشارة القضائية غالي بهاراف ميارا تأجيل موعد مثوله أمام المحكمة إلى شهر شباط القادم، لأسباب أمنية بعد تعرّض منزله للقصف، عاد وطلب من رئيس الشاباك رونين بار أن يدعم طلبه لذات الذرائع الأمنية.
رفضت ميارا ورفض المدّعي العام للمحكمة، ورفض بار طلبات نتنياهو، ولذلك فإنّه سيتعمّد تصعيد الأوضاع على جبهتي غزّة ولبنان، وربّما يذهب إلى المغامرة بقصف جديد على إيران، لخلق ظروف أمنية، تُرغم المستوى القضائي على التأجيل.
وفق رؤية نتنياهو فإنّ وقف الحرب على الجبهة اللبنانية، يعني أنّ حالة الحرب قد وضعت أوزارها، ذلك أنّ ما يجري في القطاع، حتى وإن استمرّ لفترة أطول إلّا أنّه لا يبرّر استمرار أجوائها في دولة الاحتلال.
أكثر ما يخشاه نتنياهو وفريقه، هو وقف الحرب التي لم تعد أهدافها مفهومة أو معلومة، لأطراف كثيرة في دولة الاحتلال، ليس فقط «المعارضة» وإنّما على مستوى المنظومة الأمنية والجيش.
إن توقّفت الحرب، من دون انتصار واضح وأكيد لدولة الاحتلال يغيّر وضعية نتنياهو أمام المجتمع الإسرائيلي، بما يجعله بطلاً قومياً، تاريخياً، فإنّه سيتحوّل إلى قائد فاشل، عرّض الدولة العبرية إلى مخاطر إستراتيجية تتعلّق بوجودها ودورها، وهيبتها ووظيفتها.
معلوم للجميع في دولة الاحتلال وخارجها، ما الذي ينتظر نتنياهو وفريقه وحكومته في حال توقّف الحرب، حيث سيكون مسؤولاً عن الخسائر الضخمة التي تعرّض لها الجيش والاقتصاد، والمكانة، فضلاً عن الملفّات التي تنتظر من محاكمات الفساد إلى محاكمات التسريبات المتواصلة، وعمليات تزوير الحقائق والوثائق التي يتحمّل مكتب نتنياهو المسؤولية عنها. وفي كلّ الحالات فإنّ تجربة حرب حزيران 2006 على لبنان ومحاولات تطبيق القرار 1701، الذي شهد على تواصل الخروقات الإسرائيلية، ستظلّ ماثلة أمام أيّ اتفاق جديد.
وفي المقابل، أيضاً، فإنّ تجربة «حزب الله» الذي أعاد تموضعه في جنوب لبنان، وأعاد تسليح ذاته على نحوٍ أفضل مما كان عليه قبل حرب 2006، يشير إلى أنّ هذه الجبهة من المستحيل أن تخرج من دائرة الصراع مع دولة الاحتلال.
ومن الواضح أنّ آليات تنفيذ القرار 1701، تنطوي على تعقيدات كثيرة، وما لم تنجح محاولات منع تسلّح الحزب وهي لن تنجح، فإنّ الاتفاق إن تمّ لن يمنع وصول الصواريخ حتى من بعد خطّ «الليطاني» شمالاً، الذي ينصّ عليه القرار الأممي، وكما في كلّ مرّة، سيجري تحميل الحزب المسؤولية عن الفشل كما حصل ويحصل مع «حماس».