موقع مقالة نت
اهم المقالات التي تهم القارئ العربي

معلّق إسرائيلي لنتنياهو: لستَ درايفوس.. أنت متهم بإسقاطنا في الحضيض.. وفي “بئر لاهاي” العميقة

0 2

في ردّه على قرار لاهاي التاريخي باعتقاله هو ووزير الأمن السابق، حليفه في الحرب المتوحشة، وغريمه السياسي الشخصي يوآف غالانت، قال رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو إن “محكمة الجنايات الدولية” قد قلبت الحقائق، فصار الأخيار هم الأشرار، وما لبث أن نعت نفسه بـدرايفوس. لكن أوساطاً إسرائيلية غير رسمية تحمّله وحكومته مسؤولية القرار، رغم أن المعارضة، برئاسة يائير لبيد، قد اكتفت بهجوم واسع على المحكمة دون انتقادات ذاتية.

في استذكاره درايفوس، يمعن نتنياهو في تقديم نفسه أمام الإسرائيليين والعالم بثوب الضحية، تماماً كالضابط الفرنسي من أصل يهودي، درايفوس، الذي حوكم وانتُزعت بزّته العسكرية، وصودرت منه رتبه العسكرية، وتمّ تحقيره بتهمة خيانة الوطن الفرنسي لصالح الجارة العدو ألمانيا عام 1898، ولاحقاً تبيّن أن التهمة باطلة، وأن ضباطاً في الجيش الفرنسي افتروا عليه من باب الغيرة الشخصية.

على خلفية ذلك، وجّه الأديب الشهير إميل زولا مذكرة لرئيس فرنسا وقتها تحت عنوان “أنا أتهم”، توقف فيها عند الموقف العنصري الكيدي ضد درايفوس. لكن عدداً من المراقبين الإسرائيليين، ممن يزداد عددهم، يوجّهون إصبع الاتهام إلى حكومة نتنياهو، التي لم تتورّط فقط بجرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 1967، خاصة في قطاع غزة، بل أطلق ساستُها تصريحات دموية تدينهم وتضعهم تحت طائلة القانون الدولي وهم يتحدّثون عن التجويع والحرمان وقصف غزة بالنووي وغيره.

أنا أتهم
وحَمَلَ المعلّق السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، شيمعون شيفر، على حكومة الاحتلال وأقطابها، اليوم، بلغة حادة، ومن منطلقات “الربح والخسارة”، لا لاعتبارات الإنسانية ومواقف أخلاقية. إذ قال إن نتنياهو يستذكر محاكمة درايفوس، لكن ذلك لا يخفي الحقيقة.

وأضاف: “يذكّر نتنياهو بمقولة “أنا أتهم” لزولا، وأنا أتّهم نتنياهو بقيادتنا نحو هذا الواقع المريع الذي ربما يحوّلنا لدولة منبوذة مصابة بداء الجذام، فيما تستمر الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل ونحن نقف خائفين يومياً أمام جنودنا القتلى، ونتنياهو يرفض تحمّل المسؤولية عن حرب طالت، ويرفض لجنة تحقيق رسمية بها. أتهم نتنياهو برفض إتمام صفقة تعيد مخطوفينا، ويرفض اليوم التالي، وبذلك يتيح بقاء “حماس” في غزة كحاكمة وصاحبة سلطة”.

بيد أن أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت تثير جدلاً بين الإسرائيليين حول دور إسرائيل في تعرّضها هي لهذه الأوامر الصادرة عن محكمة دولية، وهي لطمة كبيرة من ناحية الصراع الدائر على الرواية والوعي منذ اليوم الأوّل للحرب، بصرف النظر عن نتائجها القضائية لاحقاً.

كعيّنة عن هذا الجدل في الحلبة السياسية الإعلامية في إسرائيل، والتي تتّجه، في سوادها الأعظم، لاتهام العالم وتبرئة الاحتلال من موبقاته، يقول بروفيسور الحقوق في جامعة تل أبيب، أيال غروس، إن “محكمة الجنايات الدولية” في لاهاي “لم تتجاهل جرائم حماس، وهذه حقيقة ما تجاهلته إسرائيل، ائتلافاً ومعارضة… ومهم أن نهتم بذلك في ظل ظاهرة إنكار لما حصل في السابع من أكتوبر. الهجوم الكاسح على لاهاي متسرّع وانفعالي، إذ يمكن الاستفادة من قراراتها ضد حماس”.

يُشار إلى أن جهات إسرائيلية أيضاً تُواصل الكشف عن تورّط جيش الاحتلال بجرائم حرب، فتقول صحيفة “هآرتس”، اليوم، إن إسرائيل هدمت 18 مدرسة في غزة خلال شهر واحد.
ورداً على سؤال الصحيفة، زعم الناطق العسكري أن الحديث يدور عن “حالات شاذة”.

القرار حتمي
في المقابل، يذهب أستاذ القانون المحسوب على حزب “العمل” الصهيوني، البروفيسور أيال ألبشان، في مقال تنشره صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم، للقول إن ما جرى في “لاهاي” هو محاكمة استعراضية. ويعلل موقفه، الذي يتهم المحكمة باتخاذ موقف مسبق، بالقول إنه بين الادعاءات بأن زيادة صلاحية القضاة في إسرائيل كانت ستساعدها مقابل لاهاي، وبين من يقول إن الحقيقة المعاكسة تكشّفت الآن، ينبغي القول إن قرار “المحكمة الدولية” كان حتمياً.

ويمضي ألبشان في مهاجمة الناقدين الإسرائيليين وهو يلوم زملاء له من المحامين الحقوقيين: “لاهاي اقتبست أقوال حقوقيين إسرائيليين قالوا إن الجهاز القضائي في إسرائيل لم يعد مستقلاً، وهناك مخاوف أننا ننفّذ جرائم حرب. الآن حينما تردّد محكمة لاهاي أقوالهم فهم يرتعشون، مثلهم مثل الشخص الذي قَتَل والديه وبدا مصدوماً من اكتشافه حقيقة أنه تحوّل ليتيم”.

حضيض جديد
في الأثناء دخل وزير الأمن الجديد يسرائيل كاتس على خط الجدل، وتتزايد الانتقادات لتعيينه رغم قلّة كفاءاته وكون لسانه يسبق عقله، فغداة تعيينه وزيراً، قال إن إسرائيل ماضية في الحرب حتى تجرّد “حزب الله” من سلاحه، ما أثار موجات تهكم وتندّر، لا سيّما أن هذا لا يندرج ضمن سلّة الأهداف المعلنة للحرب، وأن صواريخه ما زالت تطال مناطق واسعة تصل حتى تل أبيب.

وفي نهاية الأسبوع الماضي، وتزامناً مع أوامر الاعتقال الدولية، أعلن كاتس عن إلغاء الاعتقالات الإدارية لليهود وإبقائها للعرب الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر، علماً أن هناك آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية، ونحو أربعين من فلسطينيي الداخل، مقابل سبعة مستوطنين، ما زالوا معتقلين اعتقالاً إدارياً اليوم.

وأكّدت صحيفة “هآرتس”، في افتتاحيتها اليوم، أن قرار لاهاي هو إعلان رسمي بوجود نظام فصل عنصري (أبرتهايد) في إسرائيل، معتبرةً أن تعيين كاتس وزيراً للأمن يهدف إلى إضعاف الجيش، وتعزيز قوة اليمين والمستوطنين، وتحدي العالم ومحكمة الجنايات الدولية.

وتخلص “هآرتس” للقول إنه بعد أسبوعين على تعيينه، برهنَ كاتس أنه مقاول أعمال هدم وخراب، وبحال لم تسارع إسرائيل للتخلّص من الحكومة ستكتشف أن هناك حضيضاً جديداً ينتظرها أسفل مقاعد المتهمين في لاهاي.

إسرائيل ضد إسرائيل
ويعتبر المعلق السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” بن درور يميني أن كاتس قدّم هدية لأعداء ومناهضي إسرائيل، وأن قراره أحمق جداً كونه يعني قانوناً للعرب وقانوناً لليهود، ما يعزّز الادعاء بأن إسرائيل هي دولة أبرتهايد.
ويقول يميني إنه كان بيد إسرائيل ادعاءات ممتازة ولم تستخدمها، بل يقوم عدد من قادتها بإطلاق تصريحات حمقاء عن تجويع الفلسطينيين، وعدم وجود أبرياء داخل غزة، وغيرها من الأقوال التي قادتنا للبئر الدبلوماسية.
ويرى قائد فرقة غزة السابق في جيش الاحتلال، الجنرال في الاحتياط، في حديث للإذاعة العبرية، اليوم، أن الدافع خلف قرار كاتس هو اعتبارات سياسية فئوية تتمثّل بمنافسة مع بن غفير على أصوات اليمين المتشدّد.
ويعبّر رسم كاريكاتير صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، عن تحفّظ أوساط إسرائيلية واسعة من قرار كاتس كونه مفضوحاً وغبياً، حيث يبدو كاتس داخل مكتبه وهو يختم مذكّرة كُتب فيها: “اعتقال إداري للعرب فقط”، في أسفلها قبضة حركة “كاخ” العنصرية، وختم أصفر بيده، وهو لون هذه الحركة.

اضف تعليق