قنوات التلفزيون العبريّة تبُثّ التقارير من سوريّة : رحيل الأسد ليس صفعة قويّةً لمحور المقاومة وصفعة للخليج..
لا تُخفي دولة الاحتلال الإسرائيليّ مطامعها في سوريّة، بل على العكس من ذلك، قام الناطق العسكريّ الإسرائيليّ أمس الأربعاء بتنظيم جولةٍ للإعلاميين الصهاينة في الأراضي العربيّة السوريّة، التي تمّ احتلالها منذ أنْ سقط نظام الرئيس د. بشّار الأسد.
وكما كان متوقعًا، فقد شدّدّت التقارير، التي تمّ تصوريها وإعدادها في المناطق السوريّة المُحتلّة على النجاح الإسرائيليّ في قضم الأراضي من أجل الحفاظ على أمن الكيان، وإبعاد “العدوّ” من أيّ منطقةٍ من شأنها أنْ تُشكِّل خطرًا على أمن الدولة العبريّة. وشدّدّ الإعلاميون الإسرائيليون على أنّ جيش الاحتلال بات يبعد عن العاصمة دمشق حوالي عشرين كيلومترًا.
وتنضَّم هذه التغطية التلفزيونيّة إلى مسيرة الفرح العارمة التي تجتاح كيان الاحتلال بعد سقوط النظام الحاكم في دمشق، واستغلال الوضع لاحتلال أراضٍ سوريّةٍ أخرى بادعاء الحفاظ على أمن إسرائيل، حيث لفتت التقارير إلى أنّ جيش الاحتلال، وخلال تقدّمه، لم يجِد أيّ معارضةٍ مسلحةٍ كانت أم لا، فيما رأى رئيس تحرير صحيفة (هآرتس) العبريّة، ألوف بن، أنّ احتلال الأراضي السوريّة هو جزءٌ من خطة نتنياهو القاضية بتكريس الاحتلال وعدم الانسحاب من المناطق المُحتلّة، على حدّ تعبيره.
على صلةٍ بما سلف، كتب مسؤول سابق في الـ “CIA” (المخابرات المركزيّة الأمريكيّة)، بول بيلار، مقالة نشرت على موقع (ناشيونال إنترسينت) قال فيها، إنّ حكم عائلة الأسد في سورية بدأ عام 1970، وبالتالي فإنّ تعطيل التركيبة التي كانت قائمة لمدة أكثر من نصف قرن لا بد أنْ يكون لها تداعيات تقوض الاستقرار.
وأضاف الكاتب، أنّ من أبرز أسباب القلق هو طبيعة هيئة تحرير الشام، واصفًا الأخيرة بأنّها “منظمة راديكاليّة جهاديّة” كانت تابعة لتنظيم القاعدة، مشيرًا إلى أنها لا تزال موضوعة على لائحة الإرهاب التابعة لوزارة الخارجيّة الأمريكيّة.
وأشار الكاتب إلى أنّ هيئة تحرير الشام سعت إلى تقديم وجهٍ أكثر براغماتيًا واعتدالًا خلال الفترة الأخيرة، إلّا أنّه ليس هناك ما يدعو إلى الاستنتاج بأنّ ذلك يعكس تحولاً حقيقيًا في طبيعة الجماعة، بدل أنْ يكون إستراتيجية من أجل كسب الدعم والحد من المعارضة، بينما لا تزال تحاول السيطرة على كامل سورية.
واعتبر الكاتب أنّ حركة طالبان في أفغانستان ربّما تمثل حالة مماثلة، إذ إنّ الأخيرة حاولت اعتماد لغة معتدلة بينما كانت لا تزال تبحث عن اعترافٍ ودعمٍ دوليٍّ، إلّا أنّها عادت إلى ما كانت عليه مع وصولها إلى السلطة، على حدّ قوله.
كذلك تابع الكاتب، أنّ نظامًا خاضعًا لسيطرة هيئة تحرير الشام سيكون بنفس مستوى الاستبداد الذي كانت عليه أسرة الأسد (وفق تعبيره). وأردف أنّ هذا التغيير على مستوى النظام لا يُغيِّر في ميزان القوّة بين الحكم الديمقراطيّ وحكم الاستبداد في الشرق الأوسط، لكنّه يجعل نظامًا جهاديًا يسيطر على دولةٍ لديها حدود معترف بها، ويمنحه مقعدًا في الأمم المتحدة، وهو ما عجز تنظيم (داعش) حتّى عن تحقيقه.
علاوة على ذلك، استبعد الكاتب أنْ يكون النظام الجديد ملاذًا للتسامح الدينيّ، وذلك رغم بعض المحاولات لطمأنة المسيحيين في سورية. وبينما قال، إنّ الأسد كان يرأس نظامًا بفضل الأقلية العلوية، أردف أنّ هذا النظام كان ذا طابعٍ علمانيٍّ لا يستند إلى عقيدةٍ دينيّةٍ، مضيفًا أنّ ذلك لا ينطبق على السلفيين الذين يسيطرون على هيئة تحرير الشام.
كذلك قال الكاتب، إنّ الانقسامات الدينيّة والعرقيّة ستبقى تُقوِّضْ الاستقرار الداخليّ، وأنّ الأحقاد وتضارب المصالح لم تحل، وبالتالي فإنّ “الحرب الأهلية” ستستمر.
ورأى الكاتب أنّ الجدير بالذكر هو أنّ صعود داعش قبل عشرة أعوام كان يعود بشكلٍ كبيرٍ إلى استغلاله لمرحلة سابقة من “الحرب الأهلية” في سورية.
بالإضافة إلى ما ذُكِر أعلاه، تحدث الكاتب عن توتر متوقع في علاقات النظام السوري الجديد مع دول الخليج العربيّة، إذ قال إنّ مساعي الخليجيين العرب لتحسين العلاقات مع (نظام الأسد) وإبعاده عن إيران ذهبت أدراج الرياح الآن. كذلك أردف بأن وجود نظام (إسلاموي) في المنطقة يعد سيناريو سيئًا جدًا للسعوديين وخاصة للإماراتيين.
أما فيما يخص التأثير في محور المقاومة فقد رأى الكاتب أنّ تغيير النظام في سوريّة لا يُعتبر تلك الصفعة للمحور بالحجم الذي يوصف، مُشيرًا إلى أنّه دائمًا ما يذكر الجسر البريّ لنقل المعدات عبر سوريّة إلى حزب الله، وإلى أنّه سيكون هناك تحديات لوجستيّة إضافيّة أمام إيران. غير أنه تابع أنّ الجسر البريّ هو فقط عنصر واحد في تحالفات إيران الإقليمية.
كذلك شدّد الكاتب على أنّه يجب التخلي عن فكرة أنّ المحور الذي تقوده إيران هو المصدر الأساس لمشاكل الشرق الأوسط، معتبرًا أنّ هذا التشخيص للعنف وعدم الاستقرار في المنطقة لم يكن يومًا دقيقًا.
وخلُص إلى القول إنّ ذلك من المفترض أنْ يتضح أكثر فأكثر بينما العالم على وشك أنْ يشهد مشاكل جديدة مرتبطة بمجيء نظام في سورية لا علاقة له بإيران أوْ محورها، طبقًا لأقواله.