خسارة معركة أو فشل مشروع تسوية لا يعني نهاية الصراع
في ظل صراع وجودي كالصراع الفلسطيني الإسرائيلي الممتد لأكثر من مئة عام وبه تتداخل ملفات وقضايا متعددة لها أبعاد تاريخية ودينية وإقليمية ودولية قد تحدث مواجهات ومعارك واتفاقات هدنة ومحاولات تسوية سياسية ولكن لا يمكن حسم الصراع من خلال معركة أو حرب ما دام الشعب الفلسطيني متجذراً في أرضه ولم يستسلم للعدو، ولو كانت إسرائيل بكل قوتها وسلاحها النووي وتحالفاتها مع الغرب انتصرت على الشعب الفلسطيني ما كنا اليوم أمام هذه الحرب الإجرامية وتهديدات نتنياهو واليمين الصهيوني بتصفية القضية الفلسطينية.
قبل الاستطراد يجب توضيح وتفكيك بعض المفاهيم والمصطلحات:
أولا: كان صحيحاً إطلاق مصطلح الحرب عندما كانت بين إسرائيل والجيوش العربية ولكن عندما أصبح الصراع فلسطيني إسرائيلي أصبحنا أمام احتلال وشعب يقاوم الاحتلال.
ثانيا: كانت قناة الجزيرة أول من أطلق مصطلح الحرب عام ٢٠١٢ أثناء العدوان على القطاع وسمتها (الحرب على غزة) وكأن القطاع كيانية سياسية قائمة بذاتها ولا يوجد عدوان وحرب مفتوحة في الضفة والقدس، وهي نفس التسمية التي استعملها الإعلام الإسرائيلي ليضلل به العالم من خلال الزعم أنه لا يحارب الشعب الفلسطيني بل فقط غزة الخاضعة لحم حماس.
ثالثاً: وقعت منظمة التحرير اتفاق تسوية سياسية ولكنها فشلت وبالتالي عادت العلاقة الي ما قبل التسوية أي حالة صراع مفتوح.
رابعاً: حاولت حماس تصحيح المسار من خلال العودة للمقاومة المسلحة كبديل عن التسوية الفاشلة وكانت عملية طوفان الأقصى وحرب الإبادة والتطهير العرقي، والمعركة كانت بين إسرائيل وحزب سياسي وهو حركة حماس، وحماس لا تمثل كل الشعب الفلسطيني وما ستتمخض عنه (الحرب) من اتفاقات وتسويات سياسية يلزم حماس فقط ولا يلزم الشعب الفلسطيني.
خامساً: كل حروب حركة حماس كانت خارج السياق الوطني التحرري، إما لصالح أجندة خارجية، مشروع الاخوان المسلمين أو المشروع الإيراني الفارسي الشيعي.
سادسا: هناك فرق بين الحرب والصراع فهذا الأخير أشمل من الحرب العسكرية، والنصر أو الهزيمة في جولة من جولات الحرب لا ينهي الصراع.
نعم، من يتابع النتائج الميدانية للحروب ،التي جرت بين العرب واسرائيل ،ثم الصراع المفتوح عسكرياً وسياسياً وثقافياً بين الفلسطينيين من جانب و إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وغالبية دول النيتو من جانب آخر ،قد تبدو النتيجة لصالح العدو، ولكن لو حسبنا الأمر من منظور الصراع الاستراتيجي الوجودي الذي لا تحسب نتائجه حسب الميدان وموازين القوى العسكرية الراهنة وحسابات الأحزاب والأنظمة السياسية فقط بل أيضاً الجوانب الأخلاقية من الصراع وعدالة القضية وعلاقة المتصارعين بالأرض التي يتصارعون عليها وموقف الشعب من الصراع بالإضافة الى الموقف الدولي ، فإن حسابات النصر والهزيمة ستختلف.
ومن هذا المنطلق، كلما ازداد الإرهاب والإجرام الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني وخصوصاً في قطاع غزة حاضنة الوطنية الفلسطينية، وبالرغم من الدمار والموت الذي ألحقه بأهلنا في القطاع وحتى مع احتمال إلحاق هزيمة عسكرية ميدانية بفصائل المقاومة بسبب التفاوت الكبير في موازين القوى …كل ذلك لا يعني أن العدو حسم الصراع لصالحه بل يؤكد أن إسرائيل تعيش أزمة وجودية لا تقل خطورة عن أزمة الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني التحرري ،مع أن العدو استنجد بواشنطن وحلف الأطلسي لمواصلة عدوانه بينما يقف الشعب الفلسطيني وحيداً تقريباً في المواجهة.
بالتأكيد لا نتجاهل حجم الدمار والموت في قطاع غزة وما يجري أيضاً في الضفة والقدس من مشاريع استيطانية واحتمالات ضم بعض المناطق وحتى مع نجاح العدو الإسرائيلي الأمريكي على تهجير مليون فلسطيني أو أكثر من القطاع ،ومع افتراض هزيمة حركة حماس في المعركة الراهنة ،لا يعني نهاية القضية الوطنية الفلسطينية، فقطاع غزة جزء من فلسطين وليس فلسطين، والصراع سابق ل(حرب غزة) ولا يقتصر عليها والشعب الفلسطيني ليس في غزة فقط فهناك أكثر من 15 مليون فلسطيني نصفهم تقريباً داخل فلسطين ونصفهم الآخر في الشتات يحمل معه هويته وانتمائه الوطني لفلسطين وليس لغيرها ،والأمم المتحدة وغالبية دول العالم يعترفون بحقه في تقرير مصيره وبدولة مستقلة في فلسطين في حدود 67 حتى وإن كان اعترافهم معنويا ولم يؤثر على مجريات حرب الإبادة.