في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم نحو التصعيد المتسارع بين إيران وإسرائيل، وما يحمله من احتمالات لانفجار إقليمي واسع، تتوارى خلف الأضواء مأساة أكبر وأعمق، لا تقل خطورة ولا بشاعة.
ففي غزة، تستمر جريمة الإبادة الجماعية بصمت قاتل، مستفيدة من الانشغال الإعلامي والسياسي العالمي بما يدور في الجبهات الأخرى، وخلف الضجيج الإقليمي، تمضي آلة الحرب الإسرائيلية في تنفيذ مخطط تدميري ممنهج، يفرغ القطاع من سكانه، ويحوله إلى أرض يباب، دون مساءلة أو رادع.
من جانبه، قال الدكتور جهاد أبولحية، أستاذ القانون والنظم السياسية الفلسطينى، إنه في ظل التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل، انشغل العالم بما بدا وكأنه بوادر لحرب إقليمية كبرى، لكن خلف هذا الضجيج الإقليمي تستمر في غزة جريمة الإبادة الجماعية ، حيث لم تتوقف بل تتصاعد ، مستفيدة من حالة الغفلة الدولية وانشغال الإعلام العالمي.
وأضاف أبولحية في تصريحات لـ “”، أن الحرب بين إيران وإسرائيل، والتي احتلت العناوين العريضة للأخبار وتحليلات الساسة، لم تساهم بأي حال في التخفيف من جرائم إسرائيل في غزة، بل وفرت لها الغطاء الأمثل للاستمرار في مشروعها التدميري دون رقابة أو مساءلة، فبينما انصرفت الكاميرات والأقمار الصناعية لمتابعة الهجمات المتبادلة والتصريحات النارية بين تل أبيب وطهران، كانت آلة القتل الإسرائيلية تمارس مهمتها اليومية في غزة بهدوء قاتل.
وأشار أبو لحية، إلى أن المناطق التي حددتها إسرائيل كمناطق آمنة ومخصصة لتوزيع المساعدات الإنسانية، تحولت إلى مصائد موت، حيث يقتل الجوعى أثناء انتظارهم للحصول على كيس دقيق بات أغلى من الذهب في غزة المحاصرة، وهذا ليس قصفا عشوائيا، بل تكتيك مرسوم بعناية لقتل أكبر عدد ممكن من الجوعى والنازحين، واستخدام الحصار كسلاح إبادة لا يقل فتكا عن القنابل.
وأكد أبو لحية، أن الجوع بات يفتك بأمعاء الأطفال والنساء والشيوخ، في ظل انهيار كامل للمنظومة الصحية، حيث المستشفيات الباقية عاجزة عن تقديم أي رعاية، إما بسبب التدمير أو بسبب نفاد الأدوية والمواد الطبية، بينما آلاف الجرحى، من بينهم أطفال مبتورو الأطراف، يتركون ليموتوا ببطء لأنهم ممنوعون من السفر للعلاج.
وتابع: “وبموازاة ذلك، تستمر سياسات النزوح القسري الممنهج، حيث تجبر العائلات على التنقل من منطقة إلى أخرى، في حركة تشبه التهجير الجماعي المقنن، وكل منطقة تعلنها إسرائيل “آمنة” تصبح لاحقا هدفا مباشرا، ما يجعل المدنيين بلا وجهة وبلا أمان”.
وأردف: “الأخطر أن هذا كله يتم ضمن استراتيجية تدمير ممنهجة، حيث لم يتبقَ حجر على حجر في معظم أحياء غزة. أحياء بأكملها محيت من الخريطة، والمدارس تحولت إلى مقابر جماعية، والمستشفيات إلى ساحات للموت البطيء، والمساجد إلى ركام. لا شيء يستثنى من القصف، وكأن الهدف الحقيقي هو محو غزة عن الوجود بالكامل”.