نشرت وكالة رويترز تقريرا حول عمل “مؤسسة غزة الإنسانية، يوم الثلاثاء حول موقف المنظمات غير الحكومة منها، قالت فيه، إن حصل في الماضي أن انخرطت جهات خاصة في العمل الإنساني في ظل الأزمات أو اتخذت المساعدات منحى عسكريا في بعض الظروف، إلا أن المنظمات غير الحكومية لم تشهد إلى الآن نموذجا مماثلا لشبكة “مؤسسة غزة الإنسانية” لتوزيع المساعدات في القطاع الفلسطيني المدمر.
وقالت أديا غييو من منظمة “كير” غير الحكومية، إنه مع وصول المنظمة المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل في نهاية أيار/مايو، “فجأة اختلط كل شيء، وكأنه لم يعد هناك أي مبدأ أو أخلاقيات أو خصوصا أي حق”، ولا حتى حق “المدنيين في الحماية”.
وتستخدم “مؤسسة غزة الإنسانية”، ومقرها في ديلاوير في الولايات المتحدة، متعاقدين مسلحين.
وأوضحت غييو أنه منذ ذلك الحين تجري في القطاع الفلسطيني المدمر بفعل 639 يوما من الحرب “إعادة نظر جوهرية في كل ما حاول العالم ابتكاره منذ الحرب العالمية الثانية، وهذا يثير لدينا جميعا مخاوف”.
ورأى جان فرنسوا كورتي رئيس منظمة أطباء العالم أن “ما هو غير مسبوق هو استغلال الجانب العملياتي للقضية الإنسانية ورمزيتها”.
ويقول رئيس “مؤسسة غزة الإنسانية” جوني مور، وهو مسيحي إنجيلي حليف للرئيس الأميركي دونالد ترامب، إنها منظمة خيرية خاصة. وتؤكد المنظمة إنها وزعت أكثر من مليون حزمة من المواد الغذائية بعدما منعت إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المهدد بالمجاعة لأكثر من شهرين.
لكن غييو قالت “إنهم ليسوا محترفين. على سبيل المثال، يوزعون طعاما مجففا. وعندما لا تكون المياه متوافرة، ما نفع ذلك؟”.
من جهتها، أوضحت ألكسندرا سايح من منظمة “سايف ذا تشيلدرن” أن “اضطرار المدنيين إلى اجتياز كيلومترات وكيلومترات نحو مناطق مغلقة حيث يقوم الجيش بتفتيشهم والتثبت من هوياتهم يعرضهم بوضوح للخطر”، مشيرة كذلك إلى أن هذا النظام “يستبعد الأشخاص الأكثر ضعفا”.
وقتل أكثر من 500 شخص قرب مواقع توزيع المساعدات التابعة لـ”مؤسسة غزة الإنسانية”، بحسب الأمم المتحدة.
وقالت سايح “ليست هذه أول مرة يتم استخدام شركات خاصة لتسليم مواد في أوضاع نزاع مسلح، لكن من النادر أن نرى” إحداها تعمل “بهذا الشكل الواضح باسم أحد أطراف النزاع”.
– “عميل سري” –
وهذا الخلط بين المهام ليس أمرا جديدا.
ففي أفغانستان، كانت فرق إعادة الإعمار الإقليمية مثالا على هذه الأعمال المدنية العسكرية، فكانت تتألف من عسكريين وموظفين أميركيين يعملون بملابس مدنية ويقومون خصوصا بإصلاح بنى تحتية.
ولفت كورتي إلى أن هذا “يشكل ضغطا على مفهوم المساحة الإنسانية المستقلة” موضحا أن “المنظمات غير الحكومية المحايدة تصبح مشبوهة”، وهو ما “لا يسهل علاقة الثقة والتكامل في العمل مع جهات ميدانية قد تنظر إليك على أنك عميل سري”.
كما أن المنظمات غير الحكومية قد تجد نفسها وسط استراتيجيات لإرساء الاستقرار كما في أفغانستان وكوسوفو والساحل، بحسب أوليفييه روتو من منظمة “بروميير أورجانس إنترناسيونال”، وهي عمليات تنفذها الجيوش بصورة مباشرة، ومن غير أن تحظى بغطاء “العمليات الإنسانية”.
ومن جهة أخرى، لفت روتو إلى أن بعض الشركات الخاصة مثل شركة “كيمونيكس” الأميركية، يمكن أن تفوز بعقود إعادة إعمار.
أما بالنسبة لاستغلال المساعدات الإنسانية، فهذا أيضا ليس بجديد.
فبعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر في الولايات المتحدة، دافع وزير الخارجية الأميركي آنذاك كولن باول عن مفهوم “إما معنا أو ضدنا” بوجه الإرهاب، مطالبا المنظمات غيرالحكومية بأن تكون عاملا لـ”مضاعفة القوى”.
لكن لا شيء يشبه النظام المستحدث في غزة، باستثناء ربما ما ذكره الرئيس السابق لمنظمة “أطباء بلا حدود” روني برومان عن “العمل الإنساني المستخدم كطعم في فخوخ مميتة”.
ففي 19961997 تعقبت القوات الرواندية عناصر من الذين نفذوا الإبادة الجماعية لجأوا إلى زائير التي أصبحت فيما بعد جمهورية الكونغو الديمقراطية، فعمدت إلى جذبهم “إلى مواقع معينة من خلال عمليات توزيع إمدادات غذائية قامت بها منظمات إنسانية أو عمليات رعاية”.
وفي غزة، قال برومان “نشهد نوعا من تكرار لهذه القصة” ولكن “تحت سيطرة أكبر لقوة سياسية، إذ لا يتم حتى اللجوء إلى المنظمات الإنسانية الموجودة” التي تم “استبدالها بكيان أطلقت عليه الصفة الإنسانية وهو مكلف باستكمال استراتيجية انقطاع المواد التي اعتمدها الإسرائيليون”.
وأشار إلى أنه “كان هناك 400 موقع لتوزيع المواد الغذائية، والآن هناك أربعة فقط”.
وبعدما أقامت الولايات المتحدة ميناء عائما مؤقتا في ربيع 2024 لتوزيع المساعدات مع الاستعانة بعملاء من القطاع الخاص، تحولت غزة برأي روتو إلى “موقع ما يشبه اختبارا عسكريا للمساعدة الخارجية”.
وخلص روتو واصفا “مؤسسة غزة الإنسانية” بأنها “أشبه بجسم فضائي”.