*المقدمة*

أثار القرار التنفيذي الصادر عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سبتمبر 2025، والذي يقضي بإعادة استخدام لقب “وزارة الحرب” إلى جانب التسمية الرسمية “وزارة الدفاع”، جدلاً واسعًا في الأوساط القانونية والسياسية والدبلوماسية، وعلى الرغم من أن هذا التغيير لا يحمل قوة قانونية ملزمة، إلا أن أبعاده الرمزية والسياسية تتجاوز مجرد التسمية، إذ تمس شرعية القانون الدستوري الأمريكي، وتنعكس على صورة الولايات المتحدة في النظام الدولي، كما تؤثر في المشهد الإعلامي والثقافي الداخلي والخارجي.
________________________________________

*أولاً: البعد القانوني والدستوري*

من الناحية الدستورية، تبقى وزارة الدفاع الاسم الرسمي المنصوص عليه في القانون الفيدرالي وميزانية الدولة الأمريكية، وبالتالي فإن “وزارة الحرب” ليست سوى لقب ثانوي لا يمكن استخدامه في المعاهدات الدولية أو الوثائق القانونية الرسمية.
لكن هذا القرار يفتح نقاشًا حسّاسًا حول حدود صلاحيات السلطة التنفيذية: هل يملك الرئيس عبر أمر تنفيذي ، الحق في تعديل الرموز والأسماء ذات الطابع التاريخي من دون العودة إلى الكونغرس؟ أم أن مثل هذه التغييرات، التي تمس هوية المؤسسة العسكرية الأقدم في العالم الحديث، تتطلب إطارًا تشريعيًا؟ هذا الجدل يعكس التوتر المستمر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الولايات المتحدة، خصوصًا في مجالات الأمن القومي.
________________________________________

*ثانيًا: البعد الدولي*

خارجيًا، يحمل اللقب الجديد دلالات استراتيجية واضحة، إذ قد يُقرأ على أنه تحوّل في خطاب القوة الأمريكية من “الدفاع” إلى “الهجوم”، الأمر الذي قد يُفهم بأنه تصعيد في السياسة الخارجية.
الحلفاء التقليديون للولايات المتحدة في أوروبا وآسيا قد ينظرون بقلق إلى هذا التغيير، لأنه يضعف صورة واشنطن كقوة ضامنة للنظام الدولي الليبرالي، ويعزز الشكوك في التزامها بمبادئ “الأمن الجماعي”، في المقابل، يوفر القرار مادة دعائية غنية للخصوم مثل الصين وروسيا وإيران، إذ يمكنهم توظيفه إعلاميًا لإظهار أن الولايات المتحدة لا تمارس “الدفاع عن القيم”، بل تشرعن “الحرب” كأداة أساسية لسياستها الخارجية.
________________________________________

*ثالثًا: البعد الإعلامي والثقافي*

على المستوى الإعلامي والثقافي، ولّد القرار حالة انقسام داخلي، فهناك من اعتبره استعادة للفخر العسكري والهوية التاريخية التي قادت الولايات المتحدة إلى الانتصار في الحربين العالميتين، بينما رآه آخرون مجرد استعراض رمزي مُكلف يفتقد الأساس القانوني.
أما على الصعيد الدولي، فإن استخدام مصطلح “الحرب” بدلًا من “الدفاع” يُعيد إنتاج صورة أمريكا كقوة عدوانية، ما قد يُضعف من شرعية تدخلاتها المستقبلية، فالتدخلات التي كانت تُسوّق سابقًا تحت شعار “حماية الأمن والسلم الدوليين” قد تُفسر الآن باعتبارها حروبًا هجوميّة، وهو ما يضعف من الغطاء الأخلاقي الذي حاولت الولايات المتحدة طويلاً الحفاظ عليه في سياستها الخارجية.
________________________________________

*الخاتمة*

إن إعادة استخدام لقب “وزارة الحرب” لا يمثل مجرد تغيير رمزي في اللغة، بل يكشف عن تحولات أعمق في العلاقة بين السلطة التنفيذية والمؤسسات الدستورية، وفي صورة الولايات المتحدة على الساحة الدولية، وفي المشهد الإعلامي والثقافي، وبالرغم من أن القرار لا يغير الوضع القانوني لوزارة الدفاع، إلا أنه يترك آثارًا بعيدة المدى على الشرعية القانونية والسياسية لواشنطن، ويثير تساؤلات حول مستقبل الخطاب الأمريكي في النظام الدولي: *هل ستظل الولايات المتحدة تُقدَّم كقوة دفاعية حامية للنظام العالمي، أم أنها تعلن صراحةً عودتها إلى هوية “قوة الحرب”*؟

شاركها.