أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال ورد إليها عبر موقعها الرسمي، مضمونه: “استمرار الورثة في دفع ثمن شقة بالتقسيط بعد وفاة صاحبها ومدى براءة ذمته بذلك؟ فقد توفي رجل، وترك لابنه –وارثه الوحيد– شقةً كان قد اشتراها قبل وفاته بالتقسيط، مع التنصيص في العقد على اعتبار العين المبيعة مرهونة إلى حين الانتهاء من سداد آخر قسط من الأقساط المستحقة، وانتظم في دفع أقساطها إلى أن شُغِل بالمرض عن السداد مدةً، ثم توفاه الله، فما حكم تلك الأقساط؟ وهل تُعد باقي الأقساط دينًا حالًّا على الأب بمجرد وفاته وتدفع من التركة على الفور قبل حلول أجلها المحدد؟ أم ينتقل الدين بآجاله وأقساطه إلى ذمة الابن –وارث التركة– فيلتزم بدفع باقي الأقساط في مواعيدها؟ وهل تبرأ ذمة الوالد المتوفى في هذه الحالة؟”.
وردت دار الإفتاء موضحة: أن الأقساط التي تأخر المتوفى المذكور عن سدادها من ثمن الشقة في موعدها حال حياته تُعد من الديون الحالّة التي يجب سدادها من تركته بعد تجهيزه وتكفينه ودفنه، وقبل تنفيذ وصاياه والقسمة الشرعية للتركة على ورثته، ما دام قد خلّف تركة تكفي لسدادها.
أما ما بقي من أقساط مؤجلة بموجب العقد، ولم يَحِن موعد سدادها قبل وفاته، فلا تحل بمجرد الوفاة، بل تظل قائمة بآجالها وتُسدد في مواعيدها المحددة مسبقًا ما دامت الشقة مرهونة إلى حين الانتهاء من سداد تلك الأقساط، ويلتزم الابنُ بسدادها باعتباره الوارث الوحيد للمشتري المتوفى، الذي آلت إليه التركة بما تعلق بها من ديون، وبانتقال المطالبة للابن تبرأ ذمة الأب المتوفى من تبعتها في الآخرة.
اعتناء الشريعة الإسلامية بحقوق التمليك والتملك
اعتنت الشريعة الإسلامية بالحقوق المالية اعتناءً بالغًا، لما للمال من أهمية في قيام مختلف مناحي الحياة وشؤونها، وقضاء مصالح الإنسان، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ [النساء: 5].
ومن تلك الحقوق: الحق في التمليك والتملك، سواء بطريق المعاوضة بالبيع والشراء، أو بطريق الإرث والوصية، أو غيرها. قال الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي في الأشباه والنظائر (ص 442):
“أسباب التملك ثمانية: المعاوضات، والميراث، والهبات، والوصايا، والوقف، والغنيمة، والإحياء، والصدقات”.
حكم البيع بالتقسيط
مقرر شرعًا أن البيع بالتقسيط عقد جائز، تترتب عليه آثاره كالبـيع الحال سواء بسواء، فيثبت للبائع الحق في الثمن المؤجل على أقساط متفق عليها بين العاقدين، وله الحق في المطالبة عند حلول الأجل، ويثبت ملك المبيع للمشتري بتمام العقد، وذلك عملًا بعموم قول الله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275].
والأثمان المؤجلة في بيوع التقسيط تُعد من جملة الديون المؤجلة الواجبة السداد في مواعيدها المحددة، إذ يندرج ذلك تحت مفهوم الأجل المسمى في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: 282].
حكم الأقساط التي شُغِل المتوفى عن سدادها
إذا كان المشتري منتظمًا في دفع الأقساط حتى شغله المرض عن السداد قبيل وفاته، فإن الأقساط المتأخرة تُسدَّد من التركة قبل القسمة الشرعية، أما الأقساط المؤجلة الباقية فلا تحل بوفاة المشتري، بل تبقى مؤجلة كما هي، وتُدفع في آجالها المتفق عليها، ولا يحق للبائع المطالبة بتعجيل سدادها ما دامت العين المبيعة مرهونة.
وقد استقر الفقه الحنبلي، وهو المختار للفتوى، على أن الأجل حق للميت يُورث عنه مثل سائر الحقوق، وأن الموت ليس مُسقطًا للحقوق بل ميقات للخلافة وعلامة على الوراثة.
الخلاصة
بناءً على ذلك: الأقساط التي تأخر المتوفى عن سدادها قبل وفاته تُدفع من التركة قبل توزيعها على الورثة.
الأقساط المؤجلة تبقى على آجالها ولا تحل بالوفاة.
يلتزم الابن بسدادها باعتباره الوارث الوحيد.
بانتقال المطالبة إلى الابن، تبرأ ذمة المتوفى أمام الله تعالى.