الكاتب: رجب أبو سرية
لأول مرة في التاريخ تستضيف ثلاث دول دفعة واحدة كأس العالم لكرة القدم، الذي تنعقد بطولته كل أربع سنوات مرة، حيث إن نظام البطولة بعد مرور 40 سنة على إقامة البطولة العام 1930، كان يختار الدولة التي تقام فيها البطولة بالتناوب بين أوروبا وأميركا اللاتينية، نظراً لأن أهم المنتخبات كانت من القارتين، حيث لم يفز حتى الآن وبعد إجراء 22 بطولة سوى ثمانية منتخبات، ثلاث من أميركا الجنوبية بواقع 10 بطولات وخمس منتخبات أوروبية بواقع 12 بطولة، أما أول مرة تقام فيها البطولة خارج القارتين فكانت العام 1970 في أميركا الوسطى، وفي المكسيك بالتحديد.
دونالد ترامب النرجسي، الذي لا يكف عن الحديث عن نفسه، ولأنه لا يرى في العالم سوى أميركا، ولا يرى في أميركا سوى البيض، ولا يرى منهم غير نفسه، بدأ في الحديث بفخر عن استضافة بلاده بطولة كأس العالم لكرة القدم، وذلك في العام القادم، ما بين 11 حزيران 19 تموز، وذلك بسبب أن البطولة ستجري خلال ولايته، مع أن مكانها مقرر قبل أن ينتخب ولا يد له فيه، لا من قريب ولا من بعيد، والأنكى من ذلك هو أن أميركا لن تستضيف البطولة وحدها، بل مع كل من جارتي أميركا، المكسيك الدولة القوية في كرة القدم، والتي سبق لها أن وصلت للدور ربع النهائي مرتين، وذلك في العام 1970، حين استضافت البطولة، والعام 1986 حين استضافت البطولة أيضاً بدلاً من كولومبيا.
أما كندا فلم يسبق لها أن استضافت أو شاركت في استضافة البطولة التي تحوز اهتمام المليارات من البشر، بل لم تحقق أي إنجازات تذكر، بل هي فقط شاركت مرتين في النهائيات عامي 1986 و 2022، أما إنجازات المنتخب الأميركي أي الخاص بالولايات المتحدة، فهي أفضل من جاره الكندي، حيث حصل على المركز الثالث العام 1930 أي في أول بطولة وربع النهائي في مشاركته الثانية العام 2002، لكن منتخب السيدات الأميركيات أفضل كثيراً من منتخب الرجال، وهو فاز باللقب العالمي 4 مرات، وهو يعتبر على صعيد السيدات، كما هو حال البرازيل على صعيد الرجال.
الصدفة وحدها جعلت الولايات المتحدة تستضيف الألعاب الأولمبية أيضاً وذلك خلال الفترة من 14 30 حزيران 2028، أي في آخر سنة من ولاية ترامب الحالية، وذلك في مدينة لوس أنجلوس التي سبق لها أن استضافت الألعاب الأولمبية العالمية مرتين، وأميركا بالمناسبة سبق لها أن استضافت هذه الألعاب العالمية ثماني مرات من قبل، أي أكثر من أي دولة أخرى، أي أنه ليس هناك من سبب يدعو ترامب لأن يتحدث عن إنجاز ما يسجل باسمه، ومن داعٍ لأن يفتخر شخصياً بشيء لم يبذل في سبيل تحقيقه أي جهد، لا من قريب ولا من بعيد.
المهم في الأمر، بل الخبر السيئ، هو ما قاله ترامب في ظل الاستعداد للحدث الرياضي الذي يشغل العالم، أكثر من أي حدث آخر وعلى مدار أكثر من شهر كل أربع سنوات، ومناسبة الحديث هو علاقة ترامب الخاصة مع رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، التي تذكر بعلاقته الخاصة مع فينيس مكمان، مؤسس ورئيس اتحاد المصارعة الحرة الأميركية لدرجة أنه اختار زوجته ليندا مكمان وزيرة للتعليم في حكومته الحالية، ومع تزايد الحديث عن منع مشاركة إسرائيل في التصفيات التي تشارك فيها ضمن قارة أوروبا، وذلك عملاً بنفس المنطق الذي دفع الفيفا لطرد المنتخب الروسي من المشاركة العام 2022، مع أنه كان قد فاز بمقعد في النهائيات، وقد ذكر وقع والا العبري أن ترامب يبحث هذا الأمر مع جياني انفانتينو رئيس الفيفا، بل إنه يفكر في تهديد الاتحاد الدولي بفرض عقوبات عليه في حال تم طرد الفرق الرياضية الإسرائيلية من البطولات الرياضية.
أكثر من ذلك يفكر في التدخل بالتفاصيل، من قبيل حظر دخول دول وأفراد للولايات المتحدة، كما فعل مع الوفد الفلسطيني الذي كان من حقه المشاركة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام، وكما سبق له أن فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، لأنها أصدرت مذكرات توقيف بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بتهمة تورطه في ارتكاب جرائم الحرب في قطاع غزة.
من الواضح أن ترامب لا يتردد في ممارسة «الجنون» وعلى كل المستويات، ولكن السؤال هو إلى متى؟ وهل ستظل الدولة الأميركية عاجزة عن وضع حد لرجل يتخذ قرارات هوجاء غريبة فقط مستغلاً ما لديه من صلاحيات، بل السؤال الذي طرحه الموقع الإسرائيلي نفسه، هو أن ترامب الذي يمكنه أن يقرر «إلغاء» بطولة كأس العالم لكرة القدم، بدافع انتقامي على حظر مشاركة الفرق الرياضية الإسرائيلية، ولكن هل ينجح في ذلك ؟ وسبق لدول تقررت استضافتها لبطولة كأس العالم في كرة القدم، وحين تأكد عجزها لسبب ما نقلت البطولة لمكان آخر، وهذا كان حال كولومبيا العام 1986 حيث نقلت البطولة للمكسيك، أما أميركا فحتى لو قرر ترامب إغلاق أبوابها أمام البطولة، فلن تلغى لأن هناك المكسيك وكندا، لكن يمكنه أن يحدث إرباكاً يفرض على الاتحاد إعادة تنظيم اللقاءات خارج أرض الولايات المتحدة، أما إذا فرض حظراً على منتخبات بعينها، وصادف أنها ستجري مقابلات على الأرض الأميركية فيمكن أن يدخل هذا في برنامج التعديل الذي يضطر الاتحاد الدولي لإجرائه، ومع ذلك فإن آثار ذلك ستكون وبالاً على الولايات المتحدة بالذات.
واليوم ليس فقط الحزب الديمقراطي، ولا المرشح لمنصب عمدة نيويورك الأوفر حظاً، من يعارض ترامب خاصة في علاقته الخاصة جداً بإسرائيل، بل بيمين إسرائيل المتطرف الذي جر إسرائيل نفسها للدخول في حالة عداء مع العالم كله، بل أنصار ترامب، وأهم هؤلاء بالطبع «نواة أنصاره الصلبة» أي «ماغا» «اجعل أميركا عظيمة ثانية»، باتوا يتهمونه بأنه يضع إسرائيل فوق أميركا، لكن مع ذلك فإن الأمر يبدو خطراً، وليس عابراً، حيث لا يقتصر الاهتمام به على ترامب فقط، وليس بدافع غرامه اللامحدود «بالشو» الإعلامي الذي قربه قبل سنوات من اتحاد المصارعة الحرة، بل من عالم «البورنو»، وحسب «سكاي نيوز» فإن وزارة الخارجية التي يقودها مارك روبيو أحد الطامحين لخلافة ترامب في الترشح العام 2028، والذي أصدر قرار منع الوفد الفلسطيني بمن فيه الرئيس عباس من الحصول على فيزا الدخول للولايات المتحدة، وإلقاء خطاب فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بل الذي زار إسرائيل بعد قصفها لقطر، عارضت بشدة تعليق إسرائيل في (الفيفا) ؟!
مواجهة سياسية في الحقل الرياضي، تجري وذلك بعد أن أعلنت التايمز اللندنية أن أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي لكرة القدم يؤيدون تعليق عضوية إسرائيل في الاتحاد الأوروبي التي هي عضو فيه، وليس في الاتحاد الآسيوي، كما يفترض موقعها الجغرافي، نظراً إلى أن معظم دول آسيا، خاصة غرب آسيا دول عربية وإسلامية، تقاطع إسرائيل، ولا تقبل باللعب مع منتخباتها أو فرقها الرياضية، لذلك فإن المشاركة الإسرائيلية خاصة فيما يخص التنافس بين منتخبات كرة القدم للدول تجري ضمن الاتحاد الأوروبي ومع المنتخبات الأوروبية.
وما يزيد الأمر تعقيداً هو أن لا الاتحاد الأوروبي ولا أعضاء لجنته التنفيذية هو من بادر إلى أمر تعليق عضوية إسرائيل أو حظر مشاركتها، بسبب حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، بل إن العديد من الفرق والمنتخبات أرسلت للاتحاد رسائل تفيد بأنها لا تريد اللعب ضد المنافسين الإسرائيليين، تماما كما هو الحال في الحقل السياسي، حيث مواقف الحكومات الأوروبية ما هي إلا انعكاس أقل حدة من المواقف الشعبية، والتي تدل عليها التظاهرات التي لا تتوقف في كل العواصم والمدن الأوروبية من أكثر من عامين.
هكذا فإن الاتحاد الأوروبي يحمل على عاتقه مهمة التصدي لهذه المهمة، وإجبار الفيفا على حظر المشاركة الإسرائيلية، لأن غير ذلك سيبدو أنه اتحاد مسيس، فكيف يمكنه أن يتخذ موقفين متعاكسين رغم الخلفية الواحدة، مع دولتين مختلفتين هما روسيا وإسرائيل، لكن اتحاد كرة القدم الأوروبي أولاً والفيفاً ثانياً بحاجة إلى الدعم السياسي من القادة الأوروبيين، إن كان من الاتحاد الأوروبي في بروكسل أو من القادة، وذلك لمواجهة ترامب وروبيو، اللذين لم يتركا الشأن الرياضي بعيداً عن حقل السياسة.