كتب- محمود الهواري:
05:23 م
22/10/2025
تعد صحراء أتاكاما في تشيلي واحدة من أعجب الظواهر الطبيعية على وجه الأرض، فهي أكثر الصحاري غير القطبية جفافا وتمتد على مساحة تقارب 1000 كيلومتر بين سلسلة جبال كورديليرا دي لا كوستا الساحلية وجبال الأنديز الشاهقة، إذ تبهر الزائرين بتكويناتها الجيولوجية المدهشة التي جعلت منها مختبرا مفتوحا للعلماء والباحثين.
أرض لا تعرف المطر
تعتبر أتاكاما أقدم صحراء في العالم، إذ ظلت شبه قاحلة لأكثر من 150 مليون عام، وفق دراسة نشرت في مجلة نيتشر، إذ تشير التقديرات إلى أن قلبها الداخلي ظل جافا تماما لحوالي 15 مليون سنة، بسبب مزيج فريد من العوامل الجيولوجية والمناخية.
وتحيط بالصحراء جبال الأنديز من الشرق، فتمنع وصول الأمطار، بينما تسهم تيارات المحيط الهادئ الباردة غربا في تقليل التبخر وتشكل الغيوم.
وعلى عكس الصحاري الأخرى التي تتخطى حرارتها 50 درجة مئوية، تحتفظ أتاكاما بدرجات حرارة معتدلة تبلغ في المتوسط نحو 18 درجة مئوية طوال العام.
وتعيش على أطراف الصحراء كائنات دقيقة تكيفت مع البيئة القاسية، في حين يخلو قلبها من أي حياة تقريبا، إذ يقول العلماء إن دراسة هذه الظروف قد تساعد على فهم إمكانية وجود حياة على كواكب أخرى مثل المريخ.
ويشرح هنري صن، عالم الأحياء الفلكية في معهد أبحاث الصحراء بلاس فيغاس، أن “ما يثير اهتمام العلماء في أتاكاما ليس الحياة فيها، بل غيابها”، مشيرا إلى أن الميكروبات التي تنجو هناك رغم الجفاف الشديد تقدم نموذجا محتملا للحياة في العوالم الأخرى.
أمطار نادرة تقتل الحياة
رغم أن بعض مناطق الصحراء لا تستقبل سوى أقل من مليمتر واحد من الأمطار سنويا، فإن هطول المطر النادر يؤدي أحيانا إلى ظهور مشاهد مدهشة من الزهور البرية.
لكن المفارقة أن هذه الأمطار الغزيرة تتسبب أحيانا في موت الميكروبات التي اعتادت العيش دون ماء، إذ يحذر العلماء من أن تغير المناخ قد يزيد من تكرار هذه الظواهر المدمرة.
تغطي أتاكاما رواسب ملحية كثيفة تعرف بـ”بلايا”، وتحتضن شريطا غنيا بمعادن النترات يمتد لمسافة 700 كيلومتر، كان يعرف باسم “حزام النترات”.
وقد شكلت هذه المعادن ثروة اقتصادية في الماضي، حيث استخدمت في صناعة الأسمدة والمتفجرات قبل تراجع استخراجها في ثلاثينيات القرن الماضي.
كما تزخر المنطقة بمعادن أخرى مثل الليثيوم والنحاس واليود، وتظهر صور الأقمار الصناعية آثار عمليات التعدين القديمة التي ما زالت مطبوعة على وجه الصحراء.
جنة الفلكيين
على ارتفاع أكثر من 5 آلاف متر فوق سطح البحر، تعد أتاكاما من أفضل مناطق العالم لمراقبة السماء، إذ تشهد نحو 330 ليلة صافية سنويا.
وتحتضن الصحراء مرصد أتاكاما الكبير (ALMA) المكون من 66 تلسكوبا، والذي يشارك في تشغيله علماء من أوروبا وأمريكا وآسيا وتشيلي.