كتب : محمود الهواري



12:11 م


26/10/2025


في عصر باتت فيه التكنولوجيا جزءا لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا اليومية، يحذر خبراء من نوع جديد من الإنهاك النفسي والجسدي يعرف بـ “الإرهاق الرقمي”، وهو نتيجة مباشرة للتنقل المستمر بين التطبيقات والمنصات الرقمية.

وفي حوار أجرته شبكة CNN مع بول ليوناردي، رئيس قسم إدارة التكنولوجيا في جامعة كاليفورنيا سانتا باربرا، تحدث الباحث الأمريكي عن الأسباب الخفية وراء شعورنا الدائم بالإجهاد وكيف يمكننا التعامل معه، مستندا إلى أفكاره الواردة في كتابه الجديد “الإرهاق الرقمي: قواعد بسيطة لاستعادة حياتك”.

يقول ليوناردي إن التنقل بين الأفكار والمنصات المختلفة يسبب ضغطا ذهنيا هائلا، لأن كل أداة رقمية تتطلب تركيزا وطريقة استخدام مختلفة، إذ يحتاج الدماغ إلى “فصل وإعادة تشغيل” سريع مع الانتقال من منصة إلى أخرى، وهي عملية لم يخلق الإنسان لأدائها بهذه السرعة، مما يؤدي إلى إنهاك متراكم يشعرنا بالتعب دون أن نعرف سببه.

وأضاف ليوناردي أن المشكلة الكبرى تكمن في أننا لا نمتلك إشارات فسيولوجية واضحة تنذرنا بالإرهاق العقلي كما يحدث في التعب الجسدي، فيواصل الإنسان العمل أمام شاشته لساعات طويلة حتى يشعر فجأة بأنه “صدمته شاحنة”، على حد تعبيره.

وأوضح ليوناردي، أن هناك ثلاثة أشكال رئيسية من التنقل الرقمي تؤدي إلى الإرهاق، الأول هو التنقل بين الوسائط، مثل الانتقال بين تطبيقات الاجتماعات المختلفة “Zoom” و“Microsoft Teams”، حيث تتطلب كل منصة تفاعلا وطريقة استخدام مختلفة، ما يستهلك جهدا ذهنيا متكررا.

أما الثاني فهو التنقل بين المهام، أي الانتقال من مهمة لأخرى بسبب المقاطعات، وهو ما يفرض عبئا كبيرا على الدماغ لإعادة التركيز في كل مرة.

أما الثالث فهو التنقل بين مجالات الحياة، مثل الرد على رسائل من المدرسة أو مكالمات من المنزل أثناء العمل، وهو النوع الأكثر إنهاكًا لأنه يقطع تدفق التفكير تماما.

السوشيال ميديا

ويرى ليوناردي أن وسائل التواصل الاجتماعي تعد أحد أكثر مصادر الإرهاق الرقمي تأثيرا، إذ تفعل ثلاث قوى مجهدة للعقل الأول الانتباه، بسبب سيل الإشعارات المتواصل؛ واستخلاص الاستنتاجات، لأن المستخدم يتعامل مع معلومات ناقصة عليه أن يملأ فراغاتها ذهنيا والعاطفة، نتيجة المقارنة المستمرة بالآخرين أو الانفعال بما ينشر من محتوى.

العاملون عن بعد أكثر عرضة

ويؤكد الباحث الأمريكي أن العاملين من المنزل يعانون من الإرهاق بدرجة أكبر، نظرًا لصعوبة الفصل بين العمل والحياة الشخصية.

وتابع الباحث أن هؤلاء العاملين يبقون متصلين بالأدوات الرقمية طوال الوقت، ويحاولون أيضا إدارة “صورتهم المهنية” أمام الزملاء، وهو ما يحول يومهم إلى ما يشبه التمثيل المستمر، فيفاقم الشعور بالإجهاد.

نصائح لتخفيف الضغط

من النصائح التي يقدمها ليوناردي إيقاف عرض الصورة الذاتية أثناء الاجتماعات عبر الفيديو، إذ إن رؤية الوجه باستمرار تزيد من الوعي الذاتي وتجعل الشخص يراقب مظهره وتصرفاته طوال الوقت، مما يضيف عبئا نفسيا إضافيا.

كما يشير إلى أهمية تحديد الأولويات في التواصل الرقمي، خصوصا للآباء والأمهات الذين يرهقهم التنسيق عبر المجموعات النصية، مقترحا استبدال بعض المحادثات الرقمية بلقاءات مباشرة، لما تمنحه من علاقات أعمق وأقل توترا.

استعادة الحياة من قبضة الشاشة

ويؤكد ليوناردي أن مواجهة الإرهاق الرقمي لا تعني الابتعاد عن التكنولوجيا، بل إدارتها بوعي، فالتقنيات الحديثة ووسائل التواصل يمكن أن تبقى أدوات مفيدة، شرط ألا تتحول إلى مصدر دائم لاستنزاف الطاقة الذهنية والعاطفية.

شاركها.