كشف مسؤولون في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قلق متزايد من احتمال انهيار اتفاق السلام بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، بسبب صعوبة تنفيذ العديد من بنوده الأساسية.
وأظهرت وثائق خاصة حصل عليها موقع “بوليتيكو”، ومتداولة بين مسؤولين أمريكيين، عن غياب مسار واضح للمضي قدمًا في الاتفاق.
ووفق تقرير الموقع، عُرضت هذه الوثائق خلال ندوة استمرت يومين الشهر الماضي، حضرها مئات من عناصر القيادة المركزية الأمريكية وأعضاء مركز التنسيق المدني العسكري الذي أُنشئ حديثًا في جنوب إسرائيل، ضمن إطار الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في الـ10 من أكتوبر/تشرين الأول.
مخاوف من “قوة الاستقرار الدولية”
وبحسب “بوليتيكو”، أبرز العرض التقديمي مخاوف جدية بشأن إمكانية نشر “قوة الاستقرار الدولية”، وهي مبادرة متعددة الجنسيات لحفظ السلام في غزة، حيث أظهرت إحدى الشرائح سهمًا يتخلله علامة استفهام بين المرحلتين الأولى والثانية من خطة السلام التي رعتها واشنطن، في إشارة إلى حالة عدم اليقين.
من بين عروض “باوربوينت” والعروض المقدمة في الندوة، مواد من وكالات حكومية أمريكية، وتقارير حول الأوضاع في غزة، ووثائق استشارية من معهد بلير، وهو مركز أبحاث يرأسه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، الذي شارك في مفاوضات السلام.
مخاوف عميقة
وأكد مسؤول أجنبي لم يحضر الفعالية ويعمل لدى حليف دولي، صحة الوثائق. وقال مسؤول دفاعي أمريكي، إن الشرائح تعكس مخاوف الإدارة العميقة بشأن مستقبل المنطقة.
ترسم الشرائح “باوربوينت” الـ 67 المقسمة إلى ستة أجزاء صورة حية للعقبات التي تواجهها إدارة ترامب وحلفاؤها في المنطقة في خلق “السلام الدائم” الذي يسعى إليه الرئيس دونالد ترامب، وهي تتناقض بشكل صارخ مع الخطاب الوردي في الغالب الصادر عن كبار المسؤولين في الإدارة.
ومع ذلك، يقول موقع “بوليتيكو” إن الوثائق، التي لا تحتوي على مواد سرية، تُشير إلى التزام الإدارة باتفاقية السلام، رغم تعقيدها. ويُفصّل أحد المخططات التنظيمية، المُدرجة في الوثائق، خططًا لتدخل أمريكي كبير في غزة يتجاوز المسائل الأمنية، بما في ذلك الإشراف على إعادة الإعمار الاقتصادي.
التزام لا نهاية له
وأضاف: “تُبرز هذه المواد، التي جمعها المشارك في الندوة، وهو مشارك في عملية تخطيط السلام ولكنه ليس عضوًا في إدارة ترامب، كيف يُمكن أن يقع ترامب في المأزق ذاته الذي وقع فيه العديد من أسلافه وهو التوسط في صراع مستعصٍ في الشرق الأوسط دون الصبر أو الموارد أو الشراكات اللازمة لإتمام الخطة.
ومثل الأشخاص الأربعة الآخرين المذكورين في هذه المقالة، مُنح المشارك في الندوة سرية هويته لتقديم معلومات خاصة حول خطة السلام.
وتابع الموقع، أن ترامب، الذي خاض الانتخابات على منصة “أمريكا أولا” التي أدانت بناء الديمقراطية المتهور في المنطقة، معرض بشكل خاص لردود الفعل السياسية السلبية إذا بدا أن الولايات المتحدة منخرطة مرة أخرى في التزام لا نهاية له رغم قلة التقدم الملموس”.
لا حلول سياسية ملموسة
ولا يقترح العرض، بما في ذلك قسم بعنوان “العمل الجاد يبدأ الآن: تنفيذ خطة الرئيس ترامب”، حلولًا سياسية ملموسة، بل يُبرز بضع عقبات تواجهها واشنطن وشركاؤها في سعيهم لتحويل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس إلى خطة سلام دائم وإعادة إعمار.
وقال مسؤول أمريكي آخر مطّلع على التخطيط: إن الجيش الأمريكي لديه بعض الخطط بشأن كيفية دعم عملية الانتقال، لكن وزارة الخارجية، التي أضعفتها التخفيضات في المساعدات الخارجية وغيرها من التغييرات، لم تلعب بعد دورًا مهمًّا في تطوير الخيارات.
وأشار ديفيد شينكر، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط خلال فترة ولاية ترامب الأولى، إلى أن الإدارة لديها عدد قليل من الأشخاص الذين يتعاملون مع عدد كبير من الأزمات في جميع أنحاء العالم وأن غزة وحدها كانت وظيفة بدوام كامل.
وقال شينكر: “هذا مسعى ضخم، ويحتاج إلى اهتمام متواصل ورفيع المستوى. كما نحتاج إلى بيروقراطيين مُخوّلين لإتمام المشروع. لقد احتفلَت الإدارة بانتصارها بعد وقف إطلاق النار الأولي وإطلاق سراح الرهائن، لكن كل العمل الجاد، العمل الجاد الحقيقي، لا يزال قائمًا”.
وفي منتصف أكتوبر، احتفل ترامب بوقف إطلاق النار خلال زيارة إلى المنطقة. وقال في الكنيست بالقدس: “إنها بداية وفاق عظيم وانسجام دائم لإسرائيل وجميع شعوب هذه المنطقة التي ستصبح قريبًا منطقة رائعة بحق”.
وتعد كبرى العقبات التي تواجهها إسرائيل بعد عامين من الحرب هائلة. فبالإضافة إلى إنشاء قوة الاستقرار الدولية، تشمل هذه العقبات أيضًا إدارة تردد إسرائيل في الانسحاب من غزة في ظل استمرار حركة حماس في استعراض قوتها، وتوفير الكادر المناسب للمؤسسات الرئيسية، مثل “مجلس السلام”، التي ستشرف على خطة السلام.
وعلاوة على ذلك، يتعين على الإدارة أن تواجه رغبة السلطة الفلسطينية في تشكيل الأحداث في غزة رغم معارضة إسرائيل؛ والأسئلة حول التزام الحلفاء بتوفير القيادة والموارد.
الفراغ الأمني
وتنص إحدى الوثائق على أن الهيئة الفلسطينية التي ستحكم غزة في نهاية المطاف ستحتاج إلى “دعم أمريكي ودولي طويل الأمد”، إذ قد تحتاج قوات الأمن والشرطة إلى تمويل خارجي ومشورة لعقود.
وإحدى الشرائح في العرض التقديمي بعنوان “تقرير الوضع في غزة” الذي أعده معهد بلير بتاريخ الـ20 من أكتوبر/تشرين الأول تستعرض الدمار الهائل بعد الحرب وتطرح سلسلة من الأسئلة المتبقية، مثل مدى السرعة التي يمكن أن يحدث بها أي انتقال، والمدى الذي ستتعاون به حركة حماس، الجماعة المسلحة التي سيطرت على القطاع للمرة الأولى في عام 2007، لنزع سلاحها.
ويزعم التقرير إلى أن “حماس تعيد فرض سلطتها وتملأ الفراغ الأمني من خلال الإنفاذ القسري والشرطة”، في حين يسيطر الجيش الإسرائيلي على 53% من غزة، بينما يعيش 95% من سكان غزة في الـ 47% التي لا تسيطر عليها إسرائيل، وفقًا لأحد أقسام التقرير.
كما يذكر التقرير أن حماس أعادت نشر 7000 “عنصر أمن” في هذه المناطق. ولا يصل إلى المنطقة حاليًّا سوى 600 شاحنة مساعدات يوميًّا، ولا تزال هناك “معوقات كبيرة” أمام توزيع الكمية اللازمة.
وأقرّ وزير الخارجية ماركو روبيو، خلال مؤتمر صحفي عُقد في قاعدة أندروز المشتركة بولاية ماريلاند في الـ22 من أكتوبر/تشرين الأول، بأن الطريق إلى السلام محفوف بالمخاطر. وعندما سُئل عن احتمال ضم إسرائيل للضفة الغربية وعنف المستوطنين الإسرائيليين، قال روبيو: “كل يوم يحمل تحديات كهذه، ولكنه يحمل أيضًا فرصًا”.
وبحسب العرض المقدم بالندوة المشار إليها، فإن تشكيل قوة الاستقرار الدولية بسرعة أمرٌ بالغ الأهمية، إلا أن ذلك يواجه تحدياتٍ جسيمة. تشمل الأسئلة العالقة حول قوة الاستقرار وتفويضها القانوني، وقواعد اشتباكها، وكيفية تشكيلها، وموقعها، وكيفية تنسيقها، مع أن إحدى الشرائح تُشير إلى أنه من المفترض أن تكون قوة الاستقرار “منسقة من قِبل الولايات المتحدة”.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، بدأت الولايات المتحدة بتوزيع مشروع قرار في الأمم المتحدة لتفويض قوة الاستقرار الدولية، بحسب نسخة من المشروع حصلت عليها “بوليتيكو”.
هل ستنجح الخطة؟
وأعرب العديد من الدول التي تأمل الولايات المتحدة في مشاركتها لواشنطن عن رغبتها في المساهمة بالأموال أو الموارد الأخرى فقط إذا كان لديها تفويض من الأمم المتحدة.
وتخطط الولايات المتحدة لعقد مؤتمر دولي للمانحين بعد صدور قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، رغم عدم وجود جدول زمني واضح.
وقال مسؤول دفاعي: “ننتظر الأمم المتحدة الآن، وبعدها سيُعقد مؤتمر دولي للمانحين، ثم ستبدأ الدول بالتعهد بتقديم قوات أمنية. هذا هو محور الاهتمام حاليًّا”.
وأعرب المسؤول عن قلقه من صمود خطة غزة في ظل جميع الاتفاقيات اللازمة من مختلف الحكومات لضمان نجاحها على المدى الطويل.
وعرضت إندونيسيا وأذربيجان وباكستان تقديم قوات، كما أفاد “بوليتيكو”. وقال المسؤول الخارجي إن تركيا عرضت أيضًا. وأضاف أن إسرائيل حذرة من السماح للقوات التركية بالمشاركة.
وتشير وثائق أخرى إلى الخلافات المستمرة بين إسرائيل والفلسطينيين حول من سيتولى المسؤولية في نهاية المطاف عن غزة.
تتوقع السلطة الفلسطينية إدارة القطاع وتأمينه والسيطرة عليه، كما فعلت قبل عام 2007، عندما أطاحت بهم حركة حماس بالقوة. وتدير السلطة الفلسطينية حاليًّا أجزاءً من الضفة الغربية.
لكن الحكومة الإسرائيلية ترفض السلطة الفلسطينية وتعارض حكمها لغزة. تنص خطة ترامب للسلام المكونة من عشرين نقطة على أن السلطة الفلسطينية لا يمكنها المشاركة إلا بعد إصلاح نفسها. حتى لو وافقت إسرائيل على دور للسلطة الفلسطينية، فإن سجلها في غزة ضعيف. لم تحظَ قط بشعبية بين فلسطينيي غزة؛ فقد اختاروا حركة حماس على ممثليها في انتخابات عام 2006.
يوضح مخطط تنظيمي مُرفق بالوثائق كيفية إدارة غزة. ويُبرز المخطط الدور الأمريكي المهم، إلى جانب الأمن، بما في ذلك الإشراف على إعادة الإعمار الاقتصادي.
ولكن من غير الواضح مقدار الوقت والأموال الأمريكية التي قد يرغب ترامب في استثمارها في غزة، رغم أنه اقترح ذات مرة إخلاءها من الفلسطينيين وتحويلها إلى “ريفييرا” تديرها الولايات المتحدة، وفق تقرير “بوليتيكو”.
فراغ الحوكمة
لا تزال البنية الإدارية لما بعد الصراع في غزة غير محددة، وتشهد فجوات هيكلية كبيرة:
مجلس السلام: غير مفعل حالياً ويفتقر إلى القدرات التشغيلية، وقد يتطلب تشكيله تعيين مئات الموظفين.
غياب شريك فلسطيني شرعي: لا توجد سلطة سياسية تحظى بقبول واسع يمكنها تولي مهام الحكم.
اللجنة التكنوقراطية: هيئة إدارية انتقالية مقترحة، لكن الموافقة عليها لم تصدر بعد، ما يترك غموضاً حول تفويضها وتركيبتها.
قوات الأمن والشرطة الفلسطينية: حتى في حال اعتماد الخطة، فإن عمليات التدقيق والتدريب والنشر ستستغرق وقتاً طويلاً قبل أن تصبح هذه القوات جاهزة للعمل.
ديناميات الفيتو المزدوج: لكل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية حق النقض – وإن بطرق مختلفة – على التعيينات والترتيبات الأمنية الأساسية.
مبدأ “لا تسأل، لا تخبر”: قد تُدار شؤون الحكم عبر هيكل “خط متقطع” تُسند فيه المهام الإدارية والفنية إلى مؤسسات السلطة الفلسطينية من دون ظهور قيادتها السياسية، لتفادي ردود الفعل الداخلية والإقليمية.
