لاشك أنه إذا كان هناك ما يسمى مفتاح كل خير ، فإنه أكثر ما سيسعى الإنسان للحصول عليه واغتنامه ، لأن مفتاح كل خير يعني امتلاك وسيلة لفتح كل أبواب خزائن النعيم في الدنيا، وبالتالي فإن مفتاح كل خير هذا يعد مفتاح الجنة في الدنيا ، حيث الرزق وتحقق الأحلام والأمنيات، وقد أرشدنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مفتاح كل خير

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن التقوى هي مفتاح كل خير ومغلاق كل شر، وكان سيدنا علي رضى الله عنه يقول: التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، فقال الله تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ }.

وأوضح «جمعة» عن مفتاح كل خير ، أنه إذا تأملنا في هذا القول وجدنا أن التقوى تستلزم الإيمان بالله، ثم الخوف من الله، والحياء منه، ثم البعد عن المعصية، وتستلزم الرضا بأمر الله، ولذلك فإذا ضُيِّق عليك في الحياة الدنيا في رزقك أو في صحتك أو في الولد كأن لم ترزق ولدًا فإنك تسلِّم بأمر الله، “الرضا بالقليل”.

وأضاف أن في التقوى إيمانٌ باليوم الآخر، بالحساب بالعقاب والثواب، “والاستعداد ليوم الرحيل”، وفي التقوى التزامٌ بالتكليف، “والعمل بالتنزيل”، وتجد الإيمان بالله، والعمل في الدنيا بأمر الله.

وأردف: “والاستعداد لليوم الآخر”، فتجد الثلاثة أمور الكبرى : ” الماضي ،والحاضر ،والمستقبل” أما الماضي فإن الذي خلقنا ورزقنا هو الله، هذا سؤال حير البشرية، من أين نحن؟ وأجابوا عنه بإجابات مختلفة، فمنهم من أنكر الإله وألحد، ومنهم مَن عرف الحقيقة فآمن.

وتابع: ثم بعد ذلك ماذا نفعل هنا؟ هل تركنا الله سبحانه وتعالى هكذا عبثًا؟ فمنهم من قال: نعم، الله خلقنا ولا شأن له بنا. ومنهم من قال: بل أرسل الرسل وأنزل الكتب. ولذلك آمنوا والتزموا بما كلفهم الله به.

وأفاد بأنهم كانوا مع ما أمر وعند ما نهى، وماذا سيكون غدًا؟ نحن نقول هناك يوم قيامة، أما غيرنا يقول: لا يوجد يوم قيامة، ولكن هناك تناسخ الأرواح، تخرج الروح مني، وتذهب لروح شخص أخر بعد 100 سنة.

ونبه إلى أنه في الإسلام لا يوجد تناسخ بالأرواح؛ لأن مَن يقول بتناسخ الأرواح ينكر يوم القيامة، وبعض الناس قالت: قامت قيامتك يعني مت وانتهينا، وهذه الدنيا ستبقى أبدًا، الجنة والنار هنا على الأرض، ولا يوجد يوم قيامة.

وأشار إلى أن  كل هذه عقائد فاسدة، إذن؛ التقوى هي الإيمان بالله، والإيمان بالتكليف الذي أنزله الله، يعني: بالرسالة، وبالكتاب، وبالشريعة، والإيمان بيوم الحساب، فالتقوى عبارة عن إيمان مع عمل {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} وهي مجموعة في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ }.

مفاتيح الخير ومفاتيح الشر

روى الإمام ابن ماجه، وابن أبي عاصم وغيرهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ».

وورد عنه أنه هو حديث فيه ضعف من جهة إسناده، لكن يتقوَّى وَيَنْجَبِرُ بما له من الْمُتَابَعَاتِ والشَّواهد، وحسَّنه الإمام الألباني رحمه الله . وفي هذا الحديث قسَّم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم النَّاس قسمين: مفاتيح للخير ومفاتيح للشرِّ. والمفتاح في اللُّغة: آلة الفتح، والفتح نقيض الغلق، فالمفتاح كلُّ ما يحلُّ غلقًا، حسِّيًّا كان أو معنويًّا.

وجاء أن الحسيُّ كمفتاح الباب، والمعنويُّ كما جاء في الحديث المشهور: «مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الطُّهُورُ»، كما سيأتي. والمفاتيح في هذا الحديث جاءت مجموعة، وذكرها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بصيغة الجمع لبيان أنَّ مفاتيح الخير كثيرة، وكذا بالمقابل فإنَّ مفاتيحَ الشَّرِّ كثيرةٌ متنوِّعة. وكلُّ مطلوب للإنسان جعل ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]».

وورد أن هذا لأنَّ الطَّريق الموصل إلى الله واحد، وهو ما بعث به رسله وأنزل به كتبه، ولا يصل إليه أحدٌ إلاَّ من هذا الطَّريق، ولو أتى النَّاس من كلِّ طريق واستفتحوا من كلِّ بابٍ فالطُّرق عليهم مسدودة، والأبواب عليهم مُغْلَقة، إلاَّ من هذا الطَّريق الواحد؛ فإنَّه متَّصل بالله مُوصِل إلى الله.

وجاء عن أبواب الضَّلال فهي مفتوحة والسُّبل إليها كثيرة، وعلى كلِّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليها، يفرِّق بين عباد الله ويدعو إلى الشَّرِّ والابتداع، والكفر والنِّفاق. فينبغي على العبد أن يعتني أشدَّ الاعتناء بمعرفة مفاتيح الخير وما جعلت المفاتيح له، ويدعو إليها، ويرشد النَّاس ويفتح عليهم وجوه الخير وأعمال البرِّ.

 ويجتهد في أن يكون مغلاقًا للشُّرور والآفات، ويعلم ما كان منها مفتاحًا للشَّرِّ مغلاقًا للخير ويحذر كلَّ الحذر ويحذِّر غيره من تلك المفاتيح حتَّى ينال رضى الله فطوبى لمن كان كذلك، وويل لمن كان ضدَّ ذلك. “وهذا باب عظيم من أنفع أبواب العلم، وهو معرفة مفاتيح الخير والشَّرِّ، لا يُوفَّق لمعرفته ومراعاته إلاَّ من عظُم حظُّه وتوفيقه”.

 

شاركها.