قرار ترامب بالتوجه لحظر ثلاثة فروع لتنظيم الإخوان المسلمين في مصر والأردن ولبنان أثار حالة من الجدل وطرح أسئلة عديدة حول دور هذا التنظيم الإسلامي الأكثر نفوذا وتأثيرا والعابر للدول العربية والإسلامية وأوروبا وأميركا وغيرها. كان السؤال الأول لماذا رفض ترامب توصية من داخل الحزب الجمهوري تطالب بتصنيف الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي يشمل كل فروعه في العالم؟ كثيرون لا يعولون على القرار طالما استثنى مركز الإخوان الذي تأسس في الغرب ويقود منه النشاط السياسي والإعلامي والاقتصادي والأكاديمي في البلدان الأخرى. هل ستتعرض 29 جمعية ومنظمة وهيئة تابعة للإخوان في أميركا لملاحقة قانونية ولمصادرة ممتلكاتها وتجميد أموالها؟ واستثنى أيضا قطر وتركيا البلدين اللذين يشكلان مع تنظيم الإخوان الثالوث الأخطبوطي وأداة للتغيرات الجيوسياسية من أجل إعادة بناء الهيمنة على الموارد والأسواق والشعوب. تعد تركيا مركزا استراتيجيا للإخوان من حيث توفير الرعاية السياسية والبنية التحتية كالاستثمار في مشروعات وتوفير المراكز الإعلامية والتدريب. أما قطر فتقدم التمويل الكبير من خلال الجمعيات والمنصات الرقمية وتسمح أيضا باستثمارات في مشاريع كبيرة وتقدم منصة إعلامية ــ فضائيات الجزيرة ــ التي تعزز الخطاب الإخواني الشعبوي وتنشره على نطاق واسع.
السبب الكامن وراء استهداف ثلاثة فروع للإخوان فقط هو دعمها لـ»حماس» بعد 7 أكتوبر ودعوتها لمؤازرة مسلحة للحركة، ظهر هذا الموقف جليا في الخطاب السياسي والإعلامي وفي محاولات تنفيذ الدعم جزئيا وبالأموال. القرار الأميركي تكتيكي وجزئي وله علاقة بإسرائيل والجبهات التي تهاجمها، وهذا يعني انه لا يوجد مس بالتحالف الاستراتيجي التاريخي الغربي/ الإخواني ولا بدور الإخوان المسلمين في دعم الهيمنة الغربية على المنطقة، ولا في قطع الطريق على التحولات التي تهدد المصالح الغربية. كانت الإدارات الأميركية المتلاحقة من ديمقراطيين وجمهوريين تسمح لدولة قطر أو تطلب منها استضافة قيادة المقاومة الإسلامية ــ «حماس» ــ في الدوحة إلى جانب قاعدتها العسكرية الأكبر والأهم في المنطقة، وتسمح بإرسال ملايين الدولارات شهريا في حقائب إلى سلطة «حماس» التي تدعو إلى إزالة إسرائيل من الوجود. لماذا لا تحتمل إدارة ترامب مواقف فروع تنظيم الإخوان المسلمين الداعمة لحركة حماس بعد 7 أكتوبر وتعمل على حظرها في الوقت الذي ما زالت فيه حكومة نتنياهو تتيح لحركة حماس البقاء في الحكم وترفض عودة السلطة الفلسطينية صاحبة الولاية أو حتى المشاركة في حكم قطاع غزة، ما يعني بقاء سيطرة «حماس» واستمرار فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية ومنع الحل السياسي الذي ينهي الاحتلال. وتحالفت حكومة نتنياهو مع كتلة احد فروع تنظيم الإخوان في إسرائيل داخل الكنيست ولم تحاول حظرها كما فعلت مصر والأردن. هذه المواقف تشير إلى أن قضايا الخلاف الغربي الإخواني المستجدة لا تفسد للود قضية. وللتدليل، جاء في بيان أهم فرع للإخوان المسلمين ومقره لندن: إن قرار ترامب يشكل سابقة خطيرة تقوض الأمن القومي الأميركي والاستقرار الإقليمي. معنى ذلك أن تنظيم الإخوان عنصر أساسي في الأمن القومي الأميركي والاستقرار الإقليمي في المنطقة، لذا يحذر البيان من خطورة فك العلاقة بين الطرفين. وقال الفرع الثاني للإخوان من حيث الأهمية ومقره إسطنبول، إذا لم تكن حركة ترامب مجرد مناورات سياسية وأوراق ضغط مؤقتة فهي تعبر عن تحول استراتيجي. كل ردود التنظيم وفروعه تتمسك بالتحالف على قاعدة وظائف التنظيم التي تكرست في عقود سابقة.
العلاقة من طرف الإخوان المسلمين تستند إلى فكرهم الذي يُعبَّر عنه في خطابهم الديني والإعلامي والسياسي. المواقف التي تستند إلى الفكر تبدو معادية للغرب برضا الأخير. غير أن العداء يكاد يقتصر على الحداثة والتنوير والحريات الخاصة والعامة والحقوق المتساوية للجنسين والديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة والقوانين الوضعية والفنون والموسيقى والسينما التي يتبناها الغرب. في الوقت نفسه، فإن الفكر الإخواني لا يعادي احتلال بلدان الشرق واستعمارها، ولا يزال يدافع عن العهد العثماني باعتباره تعبيرا عن دولة الخلافة. ولا يعادي فكر الإخوان احتكارات الغرب للموارد والأسواق في البلدان المستعمَرة، وجلهم رفض التأميم الذي استهدف الشركات الغربية الاحتكارية، ورفضوا الإصلاح الزراعي الذي صادر أراضي كبار الملاك والإقطاعيين لصالح الفلاحين المعدمين، ورفضوا كل محاولة لتوطين منظومة القوانين المتطورة والحديثة بحجة مخالفتها للشريعة الإسلامية. كان موقفهم من تحرر الشعوب العربية والإسلامية من الاستعمار سلبيا، وقد انضموا للأحلاف والمشاريع المناهضة للتحرر والاستقلال. هكذا جاءت مواقف وممارسات الإخوان على طرفي نقيض من العرب والفلسطينيين النهضويين والتنويريين ورموز الإصلاح الديني الذين حاربوا الاستعمار وأعوانه بسلاح الحداثة الغربي لكن الإخوان المسلمين والإسلام السياسي حاربوا الحداثة الغربية وتواطؤوا مع الاستعمار الغربي. فكر الإخوان في جوهره لم يكن معاديا للغرب وفي التطبيق العملي حصل تنظيم الإخوان على الدعم المالي والسياسي من المؤسسات الغربية، وتحولت مدن غربية إلى مراكز لتجميع رؤوس الأموال، ولأنشطة الإخوان الموجهة إلى بلدان عربية وإسلامية إضافة إلى الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا وأميركا. ووفر تنظيم الإخوان منصات لغزو الفكر الوهابي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي للبلدان العربية وأقحموه في مناهج التعليم والمؤسسات الدينية والإعلامية ومؤسسات الدول، إلى أن ساد الفكر الديني التعصبي الوهابي وأصبح عنصرا أساسيا في الفكر والثقافة السائدين.
في العلاقة مع الغرب وبعد ردح طويل من الإقامة في دوله، قام التنظيم بإقامة بنى تحتية تعليمية روضات أطفال ومدارس ابتدائية وثانوية، وقنوات تمويل ومشاريع مجتمعية ومنظمات غير ربحية وحركات طلابية ومؤسسات مهمة أشهرها «مؤسسة الأرض المقدسة» التي تجمع التبرعات المعفاة من الضرائب. ويشارك التنظيم وأنصاره في مجالس المدن ويدعم الترشح للكونغرس. ويبرز دور مؤسسات أخرى أصبح لها حضور قوي مثل مؤسسة «المسلمون الأميركيون من اجل فلسطين» و»مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية» و»منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين». وفي سياق التوسع والانتشار، قدم تنظيم الإخوان خطابا مزدوجا، خطاب براغماتي خارجي يركز على الحقوق والديمقراطية والبراغماتية والانفتاح على قوى علمانية ويسارية ومجتمع الميم، حول قضايا سياسية وانتخابية. وخطاب داخلي يركز على الحاكمية، الولاء والبراء، ومنظومة التكفير والتحريم، وفقه المحنة، ودولة الخلافة، والجهاد، وحجاب المرأة، والمرابحة ونشر فكر سيد قطب والمودودي وكل رموز المدرسة الدينية المحافظة والتعصبية.
ثبت أن فكر وثقافة الإسلام السياسي بقيادة الإخوان المسلمين لا يزال سائدا في سائر البلدان العربية ووسط الجاليات في الغرب في ظل الهزائم والانكسارات والتحولات الرجعية داخل الدول العربية، ولا يزال قادرا على إعادة إنتاج واستقطاب أجيال جديدة من الإسلاميين باستخدام المقاومة والقضية الفلسطينية وبخاصة بعد أن نجح في احتواء قوى يسارية ونخب ثقافية وإعلامية وأكاديمية، ما يؤهله للاستمرار في العلاقة مع قوى الهيمنة الغربية ضمن الدور الوظيفي السابق، حيث لا يمكن لقرار ترامب الجزئي أن يفت من عضد التحالف المقدس.
