الملخص التنفيذي (Abstract)
يعرض هذا التقرير تحليلاً للواقع الغذائي للمساعدات الإغاثية المقدَّمة لسكان قطاع غزة خلال الحرب، مع التركيز على طبيعة الوجبات، أثرها الصحي، ظاهرة الهدر الغذائي القسري، وكفاءة سلال الغذاء الجاهزة. يعتمد التقرير على الرصد الميداني المباشر، إضافة إلى الاستناد إلى تقارير صادرة عن منظمات دولية مثل منظمة الصحة العالمية (WHO)، اليونيسف (UNICEF)، برنامج الغذاء العالمي (WFP)، وتقارير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC). ويخلص التقرير إلى أن النموذج الإغاثي القائم حاليًا يعالج الجوع الكمي، لكنه يفاقم سوء التغذية النوعي، ما يشكّل تهديدًا صحيًا طويل الأمد.
أولًا: السياق الإنساني والغذائي العام
دخل قطاع غزة خلال الحرب مرحلة تُعدّ من أشد مراحل الحصار قسوة، تميّزت بما يمكن توصيفه طبيًا وإنسانيًا بـ الجوع الممنهج.
ووفق تقارير IPC (2024–2025)، صُنّف معظم سكان القطاع ضمن المرحلتين الرابعة والخامسة من انعدام الأمن الغذائي (Emergency – Catastrophe/Famine Risk).
ومع انحسار المجاعة الحادة جزئيًا، انتقل القطاع إلى نمط إغاثي يخضع لما يُعرف بـ “بروتوكولات الاستجابة الغذائية في حالات الطوارئ”، والتي تعتمد بشكل شبه كامل على الوجبات الجاهزة والمعلبة.
ثانيًا: طبيعة الوجبات الغذائية المقدَّمة
1. مكونات الوجبات
تشير المعطيات الميدانية إلى أن الوجبات المقدَّمة عبر مطابخ المنظمات الدولية (ومنها World Central Kitchen) تعتمد غالبًا على:
العدس بأنواعه
الأرز الأبيض
الفاصوليا والبازلاء المعلبة
صلصات صناعية عالية الصوديوم
في المقابل:
تُقدَّم وجبة واحدة فقط أسبوعيًا (أو أقل) تحتوي على:
لحم أو دجاج معلب
وهي بروتينات منخفضة القيمة البيولوجية، وتحتوي على:
مواد حافظة
نسب صوديوم مرتفعة
2. الغياب شبه الكامل للغذاء الطازج
تُحرم العائلات من:
الخضروات والفواكه الطازجة
البروتينات الحيوانية غير المصنعة
الزيوت الصحية
مصادر الفيتامينات والمعادن الدقيقة (Micronutrients)
ثالثًا: الأثر الصحي والطبي (Medical Impact)
من منظور التغذية السريرية والصحة العامة، فإن هذا النمط الغذائي يؤدي إلى:
1. نواقص غذائية موثقة
نقص البروتين عالي الجودة (High Biological Value Protein)
نقص الحديد والزنك
نقص فيتامين B12 وVitamin D
2. نتائج صحية مترتبة
ارتفاع معدلات فقر الدم، خصوصًا لدى:
الأطفال
النساء
كبار السن
زيادة اضطرابات الجهاز الهضمي نتيجة:
الإفراط في النشويات
المواد الحافظة
ضعف المناعة
زيادة خطر:
سوء التغذية المزمن (Chronic Malnutrition)
الهزال عند الأطفال (Wasting)
3. الإحصائيات والتقديرات
60–70% من الأطفال يعانون من أحد أشكال سوء التغذية
(تقديرات ميدانية متوافقة مع تقارير UNICEF وWHO حول سوء التغذية الحاد والمتوسط في غزة)
نحو 50% من النساء يعانين من فقر الدم بدرجات متفاوتة
(استنادًا إلى تقارير WHO وبرامج الصحة الإنجابية في مناطق النزاع)
الاعتماد طويل الأمد على الغذاء المعلب قد يرفع خطر المضاعفات الصحية بنسبة تتجاوز 40% خلال أقل من عام
(تقدير طبي مبني على دراسات سوء التغذية المزمن في البيئات الإنسانية – WHO, Emergency Nutrition Guidelines)
ملاحظة منهجية:
النسب المذكورة أعلاه تمثل متوسطات تقديرية مستخلصة من:
الرصد الميداني
تقارير IPC
بيانات UNICEF وWHO في النزاعات المسلحة المشابهة
رابعًا: الهدر الغذائي القسري (Forced Food Waste)
أظهرت المراقبة الميدانية أن:
أطنانًا من الأرز والعدس والمعلبات يتم التخلص منها يوميًا
ليس بسبب الوفرة، بل نتيجة:
التشبع الغذائي القسري
غياب التنوع
عدم القابلية للاستهلاك المستمر
وتُجبر العائلات على استلام الوجبات تحت التهديد بحرمان المنطقة أو المخيم كاملًا من المساعدات، ما يؤدي إلى:
استلام شكلي
ثم التخلص من الطعام لاحقًا
مفارقة إنسانية خطيرة:
وفرة كمية تقابلها مجاعة نوعية
خامسًا: تقييم سلال الغذاء الجاهزة (Food Parcels)
سلال برنامج الغذاء العالمي (WFP) وغيرها:
فقيرة بالتنوع
غنية بالمعلبات
تفتقر للبروتينات الطازجة والخضروات
لا تغطي الاحتياجات اليومية الموصى بها (RDA)
ويتم تقييم نجاحها بناءً على:
عدد السلال الموزعة
لا على:
جودتها الغذائية أو أثرها الصحي
الخلاصة والتوصيات
يعيش سكان قطاع غزة تحت ما يمكن تسميته بـ التضليل الإغاثي الغذائي، حيث يُختزل الحق في الغذاء إلى أرقام توزيع، لا إلى صحة الإنسان.
التوصيات:
1. كسر بروتوكول الغذاء المعلب التقليدي
2. إدخال مكونات طبيعية وطازجة قدر الإمكان
3. إشراك مختصين في التغذية السريرية
4. تحويل الإغاثة من:
كمّية استهلاكية
إلى قيمة صحية مستدامة
مبدأ إنساني–طبي:
«قليلٌ مفيد، خيرٌ من كثيرٍ ضار»