قالت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية إن إسرائيل تبدي قلقاً متزايداً من بوادر تباعد في مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاهها، رغم المظاهر العلنية للدعم التي طغت على لقائه الأخير مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في منتجع مارالاغو بفلوريدا.

وأضافت الصحيفة الفرنسية أن ترامب حرص خلال اللقاء على إظهار جبهة موحّدة مع نتنياهو، مشيداً بما وصفه بـ“العمل الاستثنائي” الذي قام به بوصفه “رئيس وزراء في زمن الحرب”، ومؤكداً أن إسرائيل “ربما لم تكن لتبقى موجودة” لولا هذا المسار.

هذا الموقف ينسجم مع سياسات ترامب الداعمة لإسرائيل منذ ولايته الأولى، ولا سيما قراره نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وكذلك دعمه العسكري المباشر لإسرائيل خلال المواجهة الجوية مع إيران في يونيو الماضي، توضّح “لوفيغارو”، معتبرةً أن هذا السيل من الإطراءات يمنح نتنياهو دفعة سياسية داخلية، من المرجّح أن يستثمرها في حملته الانتخابية مع اقتراب الانتخابات التشريعية المقررة في خريف عام 2026، لا سيما بعد أن لمح ترامب إلى إمكانية منحه عفواً رئاسياً في قضايا الفساد التي يُلاحق فيها.

لكن الصحيفة الفرنسية أكدت أن هذا التقارب العلني يخفي خلفه خلافات حقيقية، إذ أقرّ ترامب نفسه بأن التوافق مع إسرائيل ليس كاملاً، لاسيما في ما يتعلق بالضفة الغربية، في ظل تصاعد اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين. كما أشار إلى الغموض الذي أحاط بمحادثات الجانبين حول المرحلة الثانية من خطة غزة، المفترض أن تمهّد لإنهاء الحرب.

كما اعتبرت “لوفيغارو” أن القلق الإسرائيلي يتزايد حيال ما يُنظر إليه على أنه تحوّل في السياسة الأمريكية من تحالف إستراتيجي قائم على القيم إلى مقاربة “براغماتية–تجارية”.

ونقلت الصحيفة عن الباحث دافيد خلفة، المشارك في إدارة مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة جان جوريس، قوله إن إسرائيل، على غرار أوروبا، بدأت تشعر بأن الحليف الأمريكي لم يعد مضموناً كما في السابق.

وتابعت “لوفيغارو” القول إن تصاعد النزعات المعادية للسامية داخل بعض أوساط اليمين الشعبوي الأمريكي واليسار، إضافة إلى تراجع أولوية الشرق الأوسط في العقيدة الأمنية الأمريكية الجديدة، عمّق هذا الشعور بالهشاشة الوجودية لدى الإسرائيليين.

كما أوضحت الصحيفة الفرنسية أن واشنطن وتل أبيب ما تزالان متفقتين في تقييم الخطر الإيراني، إذ لم يستبعد ترامب دعم عملية عسكرية إسرائيلية جديدة إذا أعادت طهران بناء قدراتها النووية أو الصاروخية، إلا أن الخلافات تتفاقم حول ملفات أخرى، وعلى رأسها مستقبل قطاع غزة.

وأوضحت “لوفيغارو” أن إسرائيل تصرّ على نزع سلاح حركة “حماس” قبل أي ترتيبات سياسية، في حين تبدو الإدارة الأمريكية منفتحة على نشر قوة دولية في غزة، بمشاركة محتملة من تركيا وقطر، وهو ما ترفضه إسرائيل بشدة بسبب علاقات البلدين بالحركة.

وأضافت الصحيفة أن القلق الإسرائيلي يمتد أيضاً إلى الدور الإقليمي المتنامي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي ترى فيه تل أبيب ممثلاً لمشروع إسلامي ذي طموحات توسعية، خاصة مع سعيه لتعزيز نفوذه في سوريا وغزة والقرن الأفريقي.

القلق الإسرائيلي يمتد أيضاً إلى الدور الإقليمي المتنامي للرئيس التركي، الذي ترى فيه تل أبيب ممثلاً لمشروع إسلامي ذي طموحات توسعية

كما أوضحت “لوفيغارو” أن إسرائيل تنظر بعين الريبة إلى دعم واشنطن للقيادة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، الذي تصفه أوساط إسرائيلية بأنه “جهادي ببدلة رسمية”، معتبرة أن الولايات المتحدة تبدي سذاجة مفرطة حيال نواياه.

وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن التوتر يتجلى أيضاً في العلاقة مع قطر، حيث ترى إسرائيل أن واشنطن تتغاضى عن دور الدوحة في دعم “حماس”، ضمن مقاربة أمريكية تعتبر قطر وتركيا أدوات ضغط يمكن استثمارها في مسار إعادة الإعمار والتسوية.

واعتبرت “لوفيغارو” أن جوهر الخلاف يكمن في تصادم رؤيتين: رؤية أمريكية “واقعية” قائمة على الحسابات والمصالح، ورؤية إسرائيلية ترى أن التاريخ والأيديولوجيا عاملان حاسمين في الصراع، مؤكدة أن الطرفين سيضطران، على المدى القريب، إلى تقديم تنازلات متبادلة للحفاظ على العلاقة مع ما وصفته الصحيفة بـ“الملك ترامب”.

 

شاركها.