03:20 م


الإثنين 28 يوليو 2025

كتبت- منال الجيوشي

في إطار الفعاليات الفكرية للدورة الثامنة عشرة من المهرجان القومي للمسرح المصري، وتحت مظلة برنامج “وصلة”، الذي يهدف إلى مدّ جسور التواصل والحوار بين الأجيال المسرحية المختلفة، التقى الجمهور في جلسة ثرية جمعت بين المخرج والكاتب المسرحي سعيد سليمان والكاتبة ياسمين إمام شغف، وأدارها الناقد والأكاديمي د. محمد أمين عبد الصمد.

استهل د. عبد الصمد اللقاء بالحديث عن خصوصية كل جيل مسرحي من جيل الستينيات وحتى اليوم، مشيرًا إلى أن لكل جيل سماته ومفاهيمه وتجاربه التي انعكست على ممارسته الفنية والمسرحية، مؤكدًا أهمية هذا النوع من اللقاءات الذي يتيح تبادل الخبرات وتقاطعات الرؤى.

المخرج سعيد سليمان روى تفاصيل انطلاقته المسرحية قائلًا:

“بدأت حكايتي مع المسرح من غرفة صغيرة في مركز شباب، ولم أكن وقتها قد قرأت سوى كتابٍ واحد فقط، كان عن المسرح لديستويفسكي، كتاب متمرد.. وهكذا بدأت المسرح عندي كموقف تمرد، وقدمت أول عرض مسرحي بعنوان الصرخة، وكان عرضًا داخل غرفة بمركز الشباب، ودعوت د. أحمد سخسوس لمشاهدته، وبعد العرض أخبرنا أننا قدمنا عرضنا بمعايير نقدية وطبقنا إحدي المدارس المسرحية فذهبت أبحث عنها .

ثم أوضح كيف قادته هذه التجربة إلى الغوص في التراث الشعبي والتصوف، من خلال حلقات الذكر والموال الشعبي، مما دفعه إلى صياغة ما أسماه بـ”الأوبرا الشعبية”، مؤكدًا أن كل عرض يقدمه هو انعكاس لتجربة داخلية وفكرية يعيشها، ويحمل تساؤلاته الفنية والوجودية.

وأضاف سليمان: في تجربتي مع الموروث الشعبي، وجدت أن الاشتباك مع التراث دائمًا ما يكون اشتباكًا عقائديًا أيضًا، ففي قصة (حسن ونعيمة)، مثلًا، تتجسد نعيمة كفتاة متمردة على تقاليد القبيلة، خرجت عن سلطة الأب، وهذه المرويات الشعبية تكشف عن جوهر الإنسان وصراعه الداخلي، وهو ما أحرص على تقديمه مسرحيًا.”

وأكد اهتمامه الكبير بجسد الممثل، قائلًا: الممثل الشامل هو مشروعي، أدرّب الممثلين على أداءات جسدية وصوفية ويوغا، بحسب نوع العرض، حتى يصبح جسد الممثل وسيلة تعبير كاملة، قادرة على الوصول للمتلقي دون وسائط.”

أما الكاتبة ياسمين إمام شغف، فشاركت تجربتها الممتدة من القصة القصيرة إلى المسرح، قائلة: بدأت الكتابة من اليوميات، ثم القصة القصيرة، وواجهت في الجامعة انتقادات حادة، لكنني استفدت منها، وبدأت أتنقل تدريجيًا من الشعر إلى القصة، ثم إلى السيناريو، حتى جاءت محطتي الأهم حين انتقلت إلى القاهرة.”

تتابع شغف: في البداية كنت متفرجة فقط على المسرح، ثم انجذبت له، وبدأت أكتب أول نص مسرحي، وكان مليئًا بالمحاولات والتعديلات، من بينها نص فردة حذاء واحدة تسع للجميع الذي فاز بالمركز الثاني في جائزة ساويرس”.

وترى ياسمين أن التحول الجذري في تجربتها جاء منذ عامين، حين بدأت تركز على جودة النص لا مجرد كتابته، معتبرة أن “القلق الإبداعي” والتجريب المستمر هما ما دفعاها للأمام.

ورفضت شغف تصنيف كتاباتها تحت بند “الكتابة النسوية”، قائلة:

“أنا أكتب عن الإنسان، عن التجربة الإنسانية بكل ما فيها من عمق وتناقض، وليس عن النساء بوصفهن فئة منفصلة، مشروعي الكتابي هو تقديم المرأة كإنسان، لا كنوع اجتماعي محصور في قوالب جاهزة، وأكدت أن تصنيف الكاتبات وفق نوعهن الاجتماعي أمر يُقصي التجربة الحقيقية، وأنها تسعى لكسر تلك الحدود الاصطناعية المفروضة على الإبداع النسوي.

جاء اللقاء بين سعيد سليمان وياسمين شغف مثيرًا ومُلهمًا، جمع بين خبرة مسرحي شغوف بالتجريب والتصوف والممثل الشامل، وكاتبة تضع الجودة الإنسانية والفنية في صميم مشروعها، ورغم اختلاف البدايات، اتفقا على أهمية القلق الإبداعي، وعلى أن المسرح هو دائمًا تجربة داخلية تُصاغ في شكل فني يخاطب روح الإنسان.

ويواصل مسار “وصلة” نجاحه ضمن فعاليات المهرجان، بتقديم حوارات عميقة تكشف ملامح التحول الفني بين الأجيال، وتؤسس لحوار حقيقي يتجاوز الزمن والوسيط ليصل إلى جوهر المسرح كفن حي نابض بالتجدد.

شاركها.