الجونة- منى الموجي:

أعلن مهرجان الجونة السينمائي، في دورته الثامنة عن احتفاءٍ استثنائي بمئوية المخرج العالمي يوسف شاهين.

وجاء في بيان صحفي صادر عن المهرجان “تنطلق الاحتفالية من مدينة الجونة، لا بوصفها افتتاحًا تقليديًا لمئوية، بل كأول محطة لقطار عابر للحدود، لا يعترف بالمسافات ولا الأزمنة، يحمل في مقصورته مخلوقات من ضوءٍ وحركة، ليمرّ بمحطاتٍ متفرّقة، لا ليستريح، بل ليوقظ الذاكرة، محطات تتحدث بلغاتٍ شتّى، لكنها تتفق على معنى واحد، أن السينما كانت وستبقى فعل حياة ومقاومة”.

وتابع “ليست مئوية تُختصر في خطاب أو تكريم، بل لحظة مُمتدة وتفاعلية، تتفرّع وتتجدد، وترفض الاكتمال. تبدأ هنا، من شاطئ الجونة، في فضاء مفتوح يشبه سينماه؛ لكنها لا تمكث بل تمضي كما كان يمضي هو، من فكرة إلى أخرى، ومن مكان إلى آخر؛ من مهرجان مونبلييه في فرنسا، حيث اختار الشباب شاهين ليكون بوصلتهم في إعادة اكتشاف السينما، مروراً باليابان وسويسرا، ومنها إلى مهرجانات كبرى تستعد لاستقباله لا كضيف، بل كغائب حاضر، يعود في كل لقطة، وفي كل سؤال”.

وشدد البيان على أن يوسف شاهين، مُخرِج خلق بأفلامه سُلَّم قوامه الأحلام، لنرتقي عليه جميعا ونرى العالم بعيونه، كل فيلم من أفلامه كان امتدادًا لذاته المشحونة بالأسئلة والهواجس، من باب الحديد إلى الآخر، من إسكندرية ليه؟ إلى حدوتة مصرية، من الأرض إلى العصفور، بحثَ شاهين عن حقه في الحُلم، فتّش عن الهويّة والجسد، وطرح أسئلة عن الذات والمجتمع، الشباب والكهولة، الخضوع والثورة، بكاميرا حساسة لا تسعى إلى الرصد الجاف بقدر ما تحفز المشاعر، وتخلق شريط سينمائي مُربك وثوري؛ لم يلبث أن تحول إلى خفقات من السحر، حتى في أكثر لحظاته قسوة وعنف.

يوسف شاهين، وُلد 25 يناير 1926 في الإسكندرية، وينير القاعات والأروقة مرّة أخرى، في أيام شاهينيّة يتجاوز حضورها الشاشة، لتمتد إلى ثلاثة مسارات مختلفة، تتعاطى مع سينماه بمناظير متباينة وأنماط إبداعية ذات أشكال تفاعلية، وتشتبك مع إرث شاهين كقضية مفتوحة، لا كأرشيف مغلق؛ إنها مئوية لا تكتفي باستحضار مخرج، بل تستدعي عالمًا بأكمله.

“باب الحديد”: معرض يُعيد تعريف السينما والمكان

يقوم المعرض على فكرة تحرير الصورة نحو فضاء تفاعلي، حيث تمتزج الذاكرة بالمسار المكاني، فمع دخول الزائر إلى معرض “باب الحديد”، يتجاوز كونه مُراقب على مسافة من الحدث، ويتحرك إلى الداخل؛ يمنحه المعرض تجربة الانخراط بصريا وفكريا في رحلة شاهينيّة، أشبه بقطار قضبانه حكايات ومحطاته أفلام سينمائية؛ تُتَرجَم داخله الفيلموغرافيا إلى أنساق بصرية حيّة، بتصميم يجمع بين التراث والابتكار، والمواد البصرية والسمعية والتركيبات الفنية. يأتي المعرض كثمرة تعاون بين المخرجة والمنتجة ماريان خوري المديرة الفنية لمهرجان الجونة السينمائي، والمهندسة المعمارية شيرين فرغل مؤسسة ومديرة شركة JYStuios ومصممة المعرض، وبدعم من شركة أفلام مصر العالمية، والشريك الداعم للأثر مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية.

من “إسكندرية كمان وكمان؟” إلى الجيل الذي كبر في ظل شاهين

يعود شاهين إلى الشاشة الذهبية، حيث تختار الجونة عرض أحد أهم تجاربه “إسكندرية كمان وكمان؟” ثالث أفلام سلسلة السيرة الذاتية التي تعتبر بمثابة نقطة تحوّل في السينما العربية، حين أعلن شاهين أن حياته تستحق أن تُروى. وإلى جوار فيلمه، تُعرض أربعة أعمال لمخرجين عرب تتلمّذوا على قلقه الوجودي وثورته وجموحه، واستلهموا من جرأته تلك القدرة النادرة على الوقوف والحكي.

الأفلام الأربعة المعروضة في برنامج يوسف شاهين إلى جانب “إسكندرية كمان وكمان”:

“نهلة – Nahla” عام 1979 للمخرج الجزائري فاروق بلوفة.

“السينما العربية الفتية – Th Young Ara Cina” عام 1987 للمخرج التونسي فريد بوغدير.

“عصفور السطح – Halfaouin” عام 1990 للمخرج التونسي فريد بوغدير.

“وداعا فوران – By-By Souirty” عام 1998 للمخرج المغربي داوود أولاد سيد.

رحلة مع الاستاذ: من عدسته إلى عوالمهم الخاصة – مئوية يوسف شاهين

وفي لقاء مفتوح، يقيم المهرجان جلسة حوارية تبحث في الأثر الذي تركه شاهين، لا كأيقونة، بل كعلامة استفهام مستمرة. كيف أثّر في اللغة البصرية؟ كيف فتح الباب أمام سينما الاعتراف؟ وكيف ظل، رغم اختلاف الأزمنة، مرجعًا في تأمل الذات والوطن والعالم؟

يوسف شاهين، أحد أعمدة السينما العربية، شكّل أجيالاً من المخرجين الذين صاغوا لغاتهم السينمائية الخاصة. في هذه الجلسة، يتحدث كل من يسري نصر الله، داوود أولاد السيد، وفريد بوغدير عن أفلامهم الأولى، مسيرتهم الفنية، والأثر العميق لتجربتهم مع شاهين الذي لا يزال صوته الإبداعي يتردد في السينما العربية والعالمية.

وصرحت ماريان خوري، المديرة الفنية لمهرجان الجونة السينمائي “يوسف شاهين لم يكن مخرجًا فقط، بل كان حالة من التساؤل الدائم. الاحتفال بمئويته في مهرجان الجونة ليس مجرد تكريم لماضٍ مجيد، بل هو حوار متجدد مع إرثٍ لا يزال يُلهم أجيالًا من السينمائيين. نسعى من خلال هذه الفعاليات إلى إعادة اكتشاف شاهين لا كرمز فقط، بل كطاقة إبداعية حية تتجدد في كل من يؤمن بأن السينما قادرة على طرح الأسئلة ومقاومة النسيان.”

مهرجان الجونة السينمائي أحد المهرجانات الرائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويهدف إلى عرض باقة مختارة من الأفلام من مختلف أنحاء العالم، مع منح اهتمام خاص بالسينما العربية، وإتاحة منصة للحوار والتواصل بين الثقافات عبر فن السينما. كما يسعى المهرجان إلى ربط صناع الأفلام العرب ونظرائهم الدوليين، وتعزيز فرص التعاون والتبادل، إضافة إلى دعم صناعة السينما في المنطقة واكتشاف المواهب الجديدة التي تثري المشهد السينمائي.

شاركها.