رسالة أوزود: أسامة عبد الفتاح
تبدو فكرة عرض أفلام سينمائية في الهواء الطلق، وفي أحضان جبل شامخ، وعلى خلفية صوت خرير الماء المتدفق من شلال، مثل حلم بعيد، لكنها تحولت إلى حقيقة في مدينة أوزود بإقليم أزيلال المغربي، حيث أُقيمت الدورة الثالثة من المهرجان الدولي لسينما الجبل، والتي اُختتمت الثلاثاء الماضي.
ليس الجبل مجرد تضريس جغرافي في المغرب، لكنه عمود فقري للمملكة من شمالها إلى جنوبها، ورمز للأمن والحماية والسند، ومصدر للرزق أيضا. وفي نفس الوقت، فإنه ساحة للتأمل والسمو الروحاني والإبداع، وتأتي شلالات أوزود الشهيرة لتكمل الصورة الشاعرية كرمز للإصرار والدأب والمثابرة في هبوطها المتواصل الساعي لحفر مكان في الصخر.
وسط هذه الأجواء، جاءت فكرة إقامة مهرجان سينمائي في مكان لم تكن تنقصه إلا ألوان السينما لتدب الحياة في لوحة طبيعية تأثيرية تمزج الفنون من الأول إلى السابع، وتقف شاهدة على ذوبان الإنسان في صنع خالقه.
واحتفى المهرجان، الذي تنظمه مؤسسة صوت الجبل للتراث والتنمية المستدامة برئاسة الدكتورة بهيجة السيمو، تحت شعار “الانفتاح على ثقافات الجبال وتثمين التراث الطبيعي والإنساني للمنطقة”، بالجبل كمكون بارز في الطبيعة يمكن أن يكون مصدر إلهام في الأعمال السينمائية والروائية.
يحمل المهرجان اسم “سينما الجبل”، متمسكا، ليس فقط بموقع إقامته الفريد، ولكن أيضا بخصوصية قائمة أفلامه، والتي جاءت قوية للغاية بفضل اختيارات المدير الفني للمهرجان، الناقد والأستاذ الأكاديمي حمادي كيروم، حيث حرص على أن تكون معبرة عن الفكرة الرئيسية للحدث في كونها أعمالا فلسفية تتحاور مع الجبل وأحيانا تتصارع معه وتبرز ثقافته الخاصة جدا والقائمة على الشموخ والثبات ونشر السكينة والسلام.
وفي الختام في آخر أيام سبتمبر الماضي، تُوج الفيلم النيبالي “شمبهالا”، للمخرج مين بهادور بام، بالجائزة الكبرى للمهرجان، وفاز فيلم “المسار” من روسيا، لمخرجه ميخائيل كولوناكوف، بجائزة لجنة التحكيم، فيما ذهبت جائزة الإخراج للمخرج الألماني فايت هلمر عن فيلمه “جوندولا”.
وفي فرعي التمثيل، فازت اليابانية آنا يامادا بجائزة أفضل ممثلة عن أدائها في فيلم “امرأة الجبل” للمخرج تاكيشي فوكوناجا، فيما نال أحمد زيانوف جائزة أفضل ممثل عن أدائه في فيلم “جبل العشاق” للمخرج سلافات يوزييف من جمهورية تتارستان.
كما حظي فيلم “ثلاثة أقمار وراء تل”، للمخرج عبد اللطيف أفضيل من المغرب، بتنويه خاص تقديرا لاحتفائه بالشعر الأمازيغي.
وترأس لجنة تحكيم المهرجان هذا العام الأديب ووزير الثقافة الأسبق محمد الأشعري، وضمت في عضويتها كلا من المخرج سلام زامبيلاجري من بوركينا فاسو، والمخرجة والكاتبة المغربية خولة أسباب بن عمر، والمنتج والمخرج المجري جورجي علي بالوش، المولود في القاهرة، حيث كان والده يعمل بها في مجال الأجهزة الطبية، وكاتب هذه السطور من مصر.
ولم تقتصر فعاليات المهرجان على المسابقة الرسمية، بل احتضنت الساحة الرئيسية لأوزود عروضا مفتوحة في الهواء الطلق لعدد من الأفلام المغربية استقطبت جمهورا واسعا، منها “دوار العفاريت” لبوشعيب المسعودي، و”خمسة وخمسين” لعبد الحي العراقي، و”الممثلة” لحسن غنجة.
وكرمت هذه الدورة اسم الإعلامي المغربي الراحل علي حسن، والممثلة والمخرجة المغربية لطيفة أحرار.
واستفاد شباب المنطقة من ورش تطبيقية أشرف عليها أساتذة من المغرب وفرنسا، مكنتهم من التعرف على أساسيات إنجاز الفيلم الوثائقي الأنثروبولوجي من مرحلة الفكرة حتى مرحلة العرض، وهي ورش أكدت مؤسسة صوت الجبل التزامها بضمان استمراريتها طيلة السنة. وفي هذا السياق، أعلنت رئيسة المهرجان، بهيجة السيمو، عن إطلاق مبادرة جديدة في مهن الرقمنة خلال أكتوبر الجاري بهدف تعزيز إدماج شباب المنطقة في سوق العمل.
كما شهدت دورة هذا العام تنظيم ندوات فكرية يومية بمشاركة مخرجين ومنتجين وباحثين، ناقشت قضايا مثل “السينما كنص”، و”تمثلات الجميل والجليل في سينما الأعالي”، و”سبل تعزيز الإنتاج السينمائي الوطني وجعله رافعة للتنمية”.