كل ما تريد معرفته عن رهاب الشيخوخة/ عربي بوست
يعدّ الانتقال إلى مرحلة أكبر سنّا تحدياً كبيراً يواجه العديد من الشباب في العصر الحديث. لكنّ التردد في اتخاذ خطوات حاسمة نحو الاستقلال والنضج ليس العامل الوحيد الذي يسبب لهم رهاب الشيخوخة؛ فغالباً ما تكون المعاناة الحقيقية متجذرة من الخوف العميق والصدمات النفسية التي مرّ بها هؤلاء الشباب.
ويعود أصل كلمة “جيراسكوفوبيا” إلى مصطلح ger اليوناني بمعنى الشيخوخة، ومصطلح phobia اليوناني أيضاً بمعنى الرهاب.
ويتّسم الجيراسكوفوبيا، أو رهاب الشيخوخة، بتغيرات معرفية، وسلوكية، وفسيولوجية تثير القلق والانزعاج. ومن الممكن أن يتطور هذا الخوف أيضاً نتيجة العواطف الناجمة عن ضغوط بيئية أخرى، مثل التعرض للاعتداء الجنسي.
في هذا التقرير، سوف نحدثكم عن أعراض وأسباب هذا الرهاب وكيفية التعامل معه:
أعراض رهاب الشيخوخة
تعتبر أعراض رهاب جيراسكوفوبيا مثالاً واضحاً عن كيفية تشابك أعراض الرهاب النفسية مع بعضها البعض.
تشمل هذه الأعراض عادة مشاعر: الغضب، والقلق العام، والقلق الاجتماعي، ومشاعر الاكتئاب، والأرق ومشاكل النوم، وتدنّي احترام الذات، وتزعزع الثقة بالنفس، ونوبات الهلع، والميل إلى المبالغة في التفكير في الأشياء، وجنون العظمة، والضغط.
أسباب الجيراسكوفوبيا
وفقاً لموقع antilonliness هناك عدة نظريات قد تفسر أسباب الخوف من الشيخوخة:
- استيعاب الصور النمطية المتعلقة بالعمر: حسب “نظرية تجسيد الصورة النمطية”، الأشخاص قد يتبنّون الصور النمطية المتعلقة بالشيخوخة، ما يزيد من الخوف من التقدم في العمر.
- النضال من أجل تلبية التوقعات الاجتماعية: ويعني أن هناك توقعات اجتماعية مختلفة تجاه الكبر، وقد يواجه الأفراد صعوبة في التكيف معها.
- الفشل في تحقيق أهداف الحياة المتوقعة أو المرغوبة: “نظرية الساعة الاجتماعية” تؤكد أن عدم تحقيق الأحداث المهمة في الحياة كما هو متوقع قد يسبب قلقاً وخوفاً من الشيخوخة.
- الانتقال من مرحلة الشباب إلى الكبر: بحسب “نظرية الهوية الاجتماعية”، الانتقال من مرحلة الشباب إلى مرحلة العمر المتقدم يضع الفرد في مجموعة اجتماعية مختلفة؛ ما قد يؤدي إلى خوف من فقدان الهوية.
- تضاؤل الجمال وتدهور الصحة: يعني أن فقدان الجمال وتدهور الصحة مع التقدم في العمر يمكن أن يكون مصدراً رئيسياً للخوف من الشيخوخة.
كيف يمكن التعامل مع الخوف من المرض؟
يعاني الكثير منا من مشاعر القلق حيال الشيخوخة، ولكن هذه المخاوف ليست ثابتة ويمكن تجاوزها من خلال اتخاذ خطوات عملية للتغلب عليها، من بينها:
- تحديد مصدر الخوف
قد يكون من المفيد أن تبدأ بتدوين أفكارك، مشاعرك، وسلوكياتك، كلما شعرت بالخوف من التقدم في العمر. يمكنك استخدام دفتر ملاحظات أو تطبيق تتبع لتدوين: الأحداث التي تثير هذا الخوف، شدة وتكرار تصاعد المشاعر، أفكارك حول الشيخوخة، والطرق السلوكية التي اتبعتها للتعامل مع هذا الشعور.
هذا التأمل يمكن أن يساعدك في فهم مصدر خوفك من التقدم في العمر، هل هو متعلق بالشعور بفقدان السيطرة؟ هل هو بسبب الصور النمطية التي لاحظتها من حولك؟ هل يتعلق الأمر بمعايير الجمال؟ أم أن الصحة هي ما يشغل بالك؟
- فحص أفكارك بشكل نقدي
بعد تحديد الأسباب والأفكار العميقة وراء خوفك، حان الوقت لاختبار صحة هذه الأفكار. أدمغتنا تميل إلى تأكيد مخاوفنا من خلال البحث عن أدلة تدعمها.
يمكنك الآن تحدي هذا النمط من التفكير من خلال البحث عن حجج تعارض أسباب خوفك. على سبيل المثال، إذا كان خوفك الأكبر هو أن الشيخوخة ستؤدي حتماً إلى الوحدة والعزلة، فابحث عن أمثلة حولك تثبت العكس. عندما تكون في هذا الإطار الذهني، فكر في تلك العمة الكبيرة في السن التي، رغم بلوغها سن الثمانين، ما زالت تستمتع بلياليها بالحديث مع أصدقائها وتعيش حياة اجتماعية ممتعة.
التصدي للخوف
دعونا نتذكر أن خوفنا من التقدم في العمر في النهاية هو نوع من الرهاب، وهذا لا يجعله زائفاً. بالعكس، يمكن للرهاب أن يؤثر على أفكارنا وسلوكياتنا بشكل قوي. ومع ذلك، إذا نظرنا إليه من منظور أوسع، يمكننا التفكير في كيفية التعامل مع مخاوفنا الأخرى في الماضي.
على سبيل المثال، قد تكون خائفاً من الكلاب عندما كنت صغيراً، وقد يكون بعض الخوف ما زال موجوداً بالفعل لديك. عبر السنوات، قد تكون تعاملت مع هذا الخوف بتعريض نفسك تدريجياً لمواجهة هذا الخوف والتصدي له، مثل مشاهدة الأفلام التي تظهر الكلاب أو يمسي فيها الناس بجوار الكلاب، أو التعرف على كلب صديقك ببطء. هذه الخطوات تجعلك تصبح أكثر تكيفاً مع وجود الكلاب.
وبنفس الطريقة، يمكن أن تساعدك خطوات مماثلة في التعامل مع خوفك من التقدم في العمر. ربما يمكنك قضاء وقت أكبر مع أحد الأقارب كبار السن، أو مشاهدة أفلام أو قراءة مقالات تتعلق بالشيخوخة، أو التطوع في دار للمسنين.
من خلال التعرض التدريجي، والتواصل مع أولئك الذين مروا بالفعل بتجربة الشيخوخة، قد يتم تحدي أفكارك وتقليل شدة خوفك بشكل ملموس.
خطة عمل لمواجهة الخوف من التقدم في العمر
بعد تحديد الأسباب الأساسية التي تجعلك تخاف من التقدم في السن، يمكنك اتباع خطة عمل محكمة لمعالجة هذه المخاوف بشكل أكثر كفاءة، هنا بعض الأفكار التي قد تساعدك:
مواجهة الخوف من التدهور الجسدي والأمراض المزمنة:
- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام: جدولة وقت يومي أو أسبوعي لممارسة التمارين الرياضية التي تناسبك.
- نمط حياة صحي: تناول الطعام الصحي، والحفاظ على وزن متناسق، والامتناع عن التدخين والمشروبات الكحولية بشكل كامل أو بحد أدنى.
مواجهة الخوف من فقدان الذاكرة:
- التعلم والتدريب الدماغي: قراءة الكتب، حل الألغاز، تعلم لغة جديدة، والمشاركة في أنشطة ذهنية تحفز العقل.
- الوقاية من الأمراض: اكتساب معرفة حول الأمراض المعروفة بارتباطها بالشيخوخة، والحفاظ على مواعيد الفحوصات الطبية الدورية.
مواجهة الخوف من نفاد المال:
- خطة مالية سليمة: وضع ميزانية شهرية، والتخطيط للمستقبل من خلال الادخار والاستثمار المناسب.
- التعلم المستمر حول الإدارة المالية: البحث عن استراتيجيات لزيادة الدخل، والتحكم في النفقات.
مواجهة المخاوف من الوحدة وفقدان الأحباء:
- الحفاظ على الروابط الاجتماعية: المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والنوادي التي تستمتع بها.
التعاطف مع الذات:
تقبل تقدمك في العمر، وأنك إنسان مصيره الزوال، فالحقيقة التي عليك أن تعيها هي أنه لا يمكنك الهروب من التقدم في العمر، بنفس الطريقة التي لا يمكنك الهروب من تجارب المشاعر “السلبية”.
بدلاً من ذلك، يمكنك أن تحتضن هذا التفكير كجزء من رحلتك. ربما من خلال هذا القبول، يمكنك استثمار الطاقة التي كنت تنفقها في القلق في شيء إيجابي لحياتك في المستقبل، أو حتى في اللحظات الحالية.
تحدث عن الأمر واطلب المساعدة المهنية:
وأخيراً وليس آخر، عليك أن تعلم أنك لست وحدك الذي تعيش تجربة رهاب الشيخوخة. هناك الكثير من الأشخاص حولك وفي جميع أنحاء العالم يعانون من مخاوف مماثلة بشأن الشيخوخة والتقدم في العمر. التحدث عن هذه الأفكار مع الآخرين قد يساعد في بناء شبكة دعم قوية حولك، حيث يمكن أن يحتضنوك ويدعموك في رحلتك.
إذا شعرت بأن هذا غير كافٍ، فلا تتردد في طلب المساعدة المهنية من طبيب نفسي أو مستشار أو معالج نفسي. الحصول على المساعدة المهنية يمكن أن يوفر لك الأدوات والموارد لفهم ومعالجة مخاوفك بشكل أكثر فعالية، ويساعدك على استكشاف استراتيجيات التعامل مع الخوف من التقدم في العمر بطريقة صحية ومثمرة.
المصدر: عربي بوست