09:27 م


الخميس 11 سبتمبر 2025

كتبت- أميرة حلمي:

من الكمال المنحوت في تمثال إله يوناني من الرخام، إلى السكينة الهادئة في تمثال بوذا المصبوب من البرونز، تختلف التماثيل الأوروبية والآسيوية جذريًا في طريقة تصويرها لجسد الإنسان. هذا الاختلاف الفني اللافت ليس مسألة مهارة فنية فقط، بل هو انعكاس عميق لفلسفات ثقافية وروحية متجذرة.

النحت اليوناني مقابل النحت الآسيوي

يرجع الاختلاف الرئيسي بين المنحوتات اليونانية والآسيوية إلى نظرة كل ثقافة للإنسان.

بحسب bright side, الإغريق القدماء تبنّوا فلسفة تُسمى الإنسانية، تقوم على فكرة أن الإنسان هو مركز الكون، وأن “الإنسان مقياس كل شيء”. هذه الرؤية جعلت من الجسد البشري موضوعًا فنيًا أساسيًا، فكان تمثال الجسد المثالي لديهم وسيلة لتكريم البشر والآلهة على السواء. لذلك سعى فنهم إلى المثالية الجسدية من خلال أسلوب واقعي دقيق، لكنه في الوقت نفسه مثالي إلى حد بعيد.

أما في آسيا، فقد علّمت التقاليد الروحية مثل البوذية والهندوسية أن العالم المادي والجسد البشري أمران مؤقتان يجب تجاوزهما. ولأن التعلّق بالجسد يُعتبر سببًا للمعاناة، لم يكن الهدف هو إتقان تفاصيله بدقة، بل استخدامه كرمز لأفكار روحية عميقة. ومن هنا اتجه الفن الآسيوي إلى التعبير الرمزي أكثر من الاحتفاء بالشكل المادي.

هوس الإغريق بالكمال

كان الإغريق مهووسين بفكرة الكمال، واعتقدوا أن بإمكانهم تحقيقه باستخدام المنطق والرياضيات. وضع فنانوهم قواعد دقيقة للنحت تُعرف باسم “القوانين الفنية”.

ألّف النحات الشهير بوليكليتوس كتابًا بعنوان “القانون”، وضع فيه نظامًا يحدد النِّسَب المثالية للجسد البشري، بحيث يتناسب كل جزء مع الآخر وفق صيغة رياضية. ويُعتبر تمثاله الشهير دوريفوروس (حامل الرمح) تطبيقًا عمليًا لهذه النظرية. هذه السعي وراء التناسق الرياضي هو ما يفسر دقة وتوازن التماثيل اليونانية.

المواد والتقنيات والرمزية

اختيار المواد يعكس أيضًا أهداف الفن. فقد برع الإغريق في استخدام الرخام لنعومة البشرة وإبراز تفاصيل العضلات، والبرونز لصنع أوضاع معقدة وحركية يستحيل تنفيذها في الحجر.

أما الفنانون الآسيويون فاستخدموا مواد متنوعة مثل الحجر والخشب والطين والورنيش، وغالبًا اختيرت هذه المواد لمعانيها الرمزية. فالرمزية كانت العنصر الأبرز في الفن الآسيوي، حيث استُخدمت إيماءات اليد (المُدرا) وملامح الوجه للتعبير عن المعاني الروحية بدلًا من التركيز على الكمال الجسدي.

شاركها.