عن السؤال الإيراني.. سما الإخبارية
يظل السؤال عن دور إيران في النضال الفلسطيني وفي الحروب التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين كما على لبنان موضع نقاش لا يتوقف للأدوار المختلفة التي يختلف حولها المتناقشون التي تقوم بها إيران ولتدخلاتها موضع الحيرة بالنسبة للكثيرين. وربما لا يعجب البعض الحديث عن دور لإيران إلا إذ تم وصف هذا الدور بشيء آخر سواء كان سلبياً أو إيجابياً وفق الضفة التي يقف فيها المتحدث.
والمؤكد أن ثمة توقعات مختلفة تصدر عن الكثيرين وتقييمات متضاربة حول ما تقوم به طهران وحول شبكة علاقاتها مع الأطراف الفلسطينية المختلفة كما دورها في لبنان الذي يأخذ أكثر بعداً طائفياً في بلد عانى كثيراً من التمزق الطائفي.
وفيما قد تبدو العلاقة مع الطائفة الشيعية في لبنان مبررة دون أن يعني هذا موافقة كاتب هذه الكلمات على تدخلات طهران في السياسة اللبنانية، إلا أنها تبدو أكثر غرابة في السياق الفلسطيني.
فرغم أن العلاقة تتم مع تيارات دينية تقع في قلب التعريف العام للإسلام السياسي إلا أن هذه التيارات أيضاً طائفياً مناهضة لإيران، بل إن تعاليم الإخوان المسلمين الأساسية تقف في صلب مواجهة التيار الشيعي الذي تتخذ منه إيران مدخلاً لمفهومها حول تصدير الثورة بكلماتها بالطبع، حتى أن أي نقاش جدي بين منظري الإخوان وأئمة إيران قد يقود إلى أزمة فكرية تصل حد الاقتتال.
لكن نقاشاً عمره ألف وأربعمائة سنة يتم تجاوزه بسهولة ربما أو يتم وضعه في ثلاجة الوقت من أجل تطوير علاقة مكثفة بين طهران معقل الفكر السياسي الشيعي وبين حركات الإسلام السياسي في فلسطين التي تعتبر كبراها الفرع الفلسطيني لتيار الإخوان المسلمين، أقصد حماس، وهو التيار الذي تفرعت عنه كل الجهادية السلفية في العالم الإسلامي بطبعاتها المختلفة التي نعرفها والتي ساهمت بشكل كبير في أزمات الربيع العربي بشكل واضح ولا زالت.
ما أقوله إنه يصعب فهم كيف تقوم طهران بخلق هذه العلاقة القائمة على وضع الخلاف الطائفي والمذهبي جانباً والذهاب لتحالف إستراتيجي كبير مع الإسلام السياسي في فلسطين.
ومع ذلك يصعب القول إن النقاش الطائفي تم تحييده بشكل تام ولكن تم وضعه جانباً ولم يكن هو أساس أي علاقة بين نقيضي الإسلام السياسي في العالم الإسلامي أي الشيعة والإخوان، كما لم يكن مدخلاً لتأسيس التحالفات والتفاهمات، بل إنه يستخدم في النقاش في الكثير من الأحوال خاصة من قبل خصوم الإخوان من أجل تبيان انتهازية ومادية الاستغلال والتوظيف الدنيوي للدين من أجل مصالح حزبية، وهذا يبدو معقولاً لأن يعكس أن الدين أمر ليس في صلب الخيارات الحقيقية للإسلام السياسي بقدر كونه العباءة التي يتم فيها إخراج الخطاب الحزبي لتقديمه بوصفه مكوناً إلهياً وضمن تعاليم سماوية لا يمكن المساس بها، مثل القول إن الانتخابات حرام شرعاً العام 1996 ثم القول إن المشاركة فيها واجب شرعي العام 2006.
عموماً، يبقى السؤال هل هذا هو المستغرب؟ قد يكون مستغرباً إذا تم البحث في الحقيقة الدينية أو الأصول الطائفية والمذهبية، لكن لو تم إخضاعه للممارسة السياسية والحزبية والمصالح المادية فإنه سيبدو عادياً جداً وأمراً مقبولاً في السياسة، رغم أن المستهجن يظل مستهجناً ولا يغير هذا من حقيقة مادية الإسلام السياسي ولا دينيته عندما يتعلق الأمر بالمصالح الحزبية والخاصة للتنظيم أو للدولة.
المستغرب أن يتم الافتراض أن مثل هذه العباءة الدينية يجب أن تكون حقيقية وكأنها البردة المقدسة ويتم امتداحها، فيما هي في الحقيقة ليست كذلك لأكثر من سبب.
لا أحد يتوقع أن ترسل طهران الجيوش لفلسطين أو للبنان. من يتوقع ذلك يكون قد جهل جوهر المصالح التي تربط الدولة أو يكون قد منح نفسه عطلة من التفكير.
الأمر ببساطة أن إيران ما بعد حكم الخميني حين تحولت إلى دولة دينية يحكمها الإمام المرشد بنت لنفسها نظام مصالح يسمح بتظهير قوتها عبر توظيف علاقاتها مع الأطراف المختلفة.
بالنسبة لها فإن العلاقة مع الإسلام السياسي الفلسطيني ليست أكثر من استخدام لتنظيمات الإسلام السياسي وحتى غير السياسي لاحقاً، وهذا موضوع آخر، من أجل وضع قدم لها في المنطقة ومن أجل أن تكون لها كلمة في الصراع الدائر فيها، وبالتالي توظيف كل ذلك لتعزيز مكانتها.
ببساطة القصة ليست مكانتك أنت بل مكانة إيران. قد تستفيد سلاحاً ومالاً وفنادق واجتماعات لكن ليس أكثر من ذلك.
عليك أن تناضل وحدك أما نضال طهران فهو بالمال والعتاد. وهذا، لننتبه، قد يبدو مقنعاً في ظل عدم توفر المال والسلاح من الإخوة في الجوار القريب أو البعيد، ومن يدافعون عن هذا الخيار لديهم ما يقولونه.
لكن ما يغيب عنهم أيضاً أن الثمن الذي ندفعه أغلى بكثير ففي نهاية المطاف لا يهم ما تصل إليه من تسليح طالما أن كل هذا من أجل أن تقوم إيران بتحسين شروط تفاوضها مع الغرب من أجل السلاح النووي.
هنا مربط الفرس. انظروا كيف كانت بيروت تحترق والرئيس الإيراني يمد يده من أجل اتفاق جديد.
وأنا صراحة لا ألومه، فهو في نهاية المطاف يسعى وراء خير ومصلحة بلاده، وكل علاقات طهران مع غيرها من التنظيمات يتم تسخيرها من أجل هذه المصلحة.
تذكروا هنا على هذه الصفحة قلنا إن إيران لن ترد على اغتيال إسماعيل هنية في معقل الأمن والحراسات الإيرانية. ولو حدث الاغتيال في دولة أخرى لرأينا على الأقل شيئاً يمكن اعتباره رد فعل أو اعتباراً.
لكن الأمر مر مروراً هادئاً إلا من التصريحات والخطابات. إيران لن ترسل جيشها ليقاتل من أجل فلسطين ولبنان. هكذا ببساطة يجب أن يفهم الأمر. رحم الله الشهداء.