في غياب حفيد الفراهيدي.. السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي
أثير – عبدالرزّاق الربيعي
منذ أن عرفته، قبل حوالي ربع قرن، لم أر السيّد عبدالله بن حمد البوسعيدي الذي غادر عالمنا إلى دار البقاء، إلا طلق المحيّا، تعلو وجهه ابتسامة شفيفة، مرحّبا بمن يقابل، ويضفي على الأجواء شيئا من حميميته المدافة بالهيبة، والوقار، كنا نلتقي في المناسبات الثقافية والاجتماعية، وأحيانا بدون مناسبة، إذا يكن في منزله، ففي مؤسسة ثقافيّة، أو منزل صديق مشترك، وآخر لقاء جمعنا كان في منزل الصديق الإعلامي موسى الفرعي، الكائن في القرم،وكان كما رأيته أول مرة، حين دعاني لمنزله عام 1999م، يصغي باهتمام لمن يتحدّث، ويدع المتحدّث يقول كل ما يود قوله، ليدلي بدلوه، ويعقّب على ما يسمع بهدوء، ورصانة، حتى لو كانت له وجهة نظر مختلفة، بقليل من الكلمات، والكثير من الابتسامات.
اجتمعت في منزله الكائن في مدينة الإعلام، بالكثير من الشخصيات الدبلوماسية والثقافية والأكاديمية والفنية العربية، من ضيوف سلطنة عمان، والمقيمين، فقد اعتاد أن يحتفي بزوّار سلطنة عمان، من أدباء ومثقفين وفنانين، وإعلاميين، فجمعنا بالكثير من هذه الشخصيّات، ولا يمكن أن أنسى استضافته للشاعر الكبير أدونيس، والفلسطيني هارون هاشم رشيد، والعراقي عبد الرزاق عبد الواحد والمطرب التونسي لطفي بوشناق والموسيقار نصير شمه وجمال الغيطاني، والشعراء المشاركين في مهرجان (أثير ) للشعر العربي، وضيوف معرض مسقط الدولي للكتاب، والشاعر كريم العراقي الذي توافقت إحدى زياراته مع وجود السيد عبدالله البوسعيدي في المنطقة الشرقية في لواء الأخضر، إذ اعتاد أن يقضي إجازة نهاية الأسبوع، فدعاه إلى منزله هناك على الغداء، وكنت برفقة الراحل كريم العراقي، فمضى بنا في جولة سياحية بين المعالم الثقافية والأثرية في المنطقة، وكان يقود السيارة بنفسه، وهو الأمر الذي أثار دهشة الشاعر الضيف، الذي لم يعتد هذا التواضع الذي وجده في السيد عبدالله البوسعيدي، وكان يشغل منصب وزير، رئيسا لجهاز الرقابة المالية للدولة، وحين رأى السيد دهشته، ضحك وقال: “هذا السلوك طبيعي جدا في عُمان”، وهذا ما رأيناه في وزراء ومسؤولين كبار آخرين وحين رأيته في معرض التصوير الضوئي (على سفر) الذي أقامه الدكتور عبدالمنعم الحسني والفنانة داليا البسامي في بيت الزبير، في أواخر مارس العام الماضي، كان يقف ساهما عند اللوحات طويلا، ويستفسر عن كلّ صغيرة وكبيرة، في اللوحات من قطع كولاجية وزجاج متشظ ٍ وجزئيات دقيقة، ومشاهدات بصرية ويطرح أسئلة العارف، المحبّ للفن التشكيلي، مثلما كان يولي اهتماما ببقية الفنون.
وحين عمل سفيرا لسلطنة عمان في جمهورية مصر العربية، في تسعينيات القرن الماضي، استقطب الكثير من الشخصيات الثقافية في صالونه الثقافي (صالون الفراهيدي)، وقد قام بجمع الحوارات والمناقشات في كتاب أطلق عليه اسم (حوارات صالون الفراهيدي) وأصدر منه جزءين.
وبعد تقاعده من الوزارة لم تتوقّف أنشطته، بل ظل يواصل عمله الوظيفي رئيسا لمجلس إدارة الجامعة الشرقية، والثقافي كونه من المساهمين في دفع الحراك الثقافي للأمام.
وفي عمله بالجامعة قدّم الكثير للطلبة الذين لم يتمكنوا من دفع أقساط دراستهم من خلال إنشاء صندوق دعم، لمثل هذه الحالات، وكان يخطط للعديد من البرامج والمشاريع العلمية والثقافية قبل أن يعاجله الموت ليخلّف صدمة في قلوب محبّبيه، وعزاؤنا أنه سيظلّ حيّا من خلال الكثير من الأعمال التي أنجزها، وكما قال الشاعر:
تلك آثارنا تدلّ علينا
فانظروا بعدنا إلى الآثار
رحم الله الرجل النبيل السيد عبدالله بن البوسعيدي