في وقتٍ تتجه فيه الحكومات لمراجعة علاقتها بمنصات التواصل الاجتماعي، يلوح في الأفق شبح إغلاق “تيك توك” في مصر، الأمر الذي أثار موجة قلق بين فئات متعددة من المجتمع، خاصة فئة الشباب ورواد الأعمال. فبعيدًا عن الترفيه والمقاطع الطريفة، أصبح “تيك توك” منصة اقتصادية رقمية يعتمد عليها الآلاف كمصدر رزق ووسيلة ترويج وتواصل، ما يجعل من قرار إغلاقه قضية تتجاوز التكنولوجيا لتلامس معيشة الناس ومستقبل الاقتصاد الرقمي في البلاد.

مصدر دخل رئيسي لآلاف الشباب

قال الدكتور رمضان معن، أستاذ الاقتصاد بجامعة طنطا، إن “تيك توك” لم يعد مجرد تطبيق اجتماعي، بل تحول إلى منصة عمل حقيقية للآلاف من الشباب المصري. يعتمد عليه كثيرون في التسويق والإعلانات والبيع المباشر، ما جعله قناة فعّالة في دعم الاقتصاد غير الرسمي. ويضيف: “إغلاق التطبيق يعني حرمان شريحة واسعة من الشباب من مصدر دخل حيوي، في وقت تزداد فيه معدلات البطالة بين الخريجين”.

تهديد لأدوات التسويق منخفضة التكلفة

وأكد معن أن العديد من الشركات الناشئة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة تستخدم “تيك توك” كوسيلة إعلان ذكية، منخفضة التكلفة وذات تأثير مباشر على الجمهور المستهدف. وأوضح أن هذه الفئة تعتمد على مرونة المنصة وسرعة الوصول للمستهلك، وهو ما يصعب تعويضه عبر الوسائل التقليدية. “إغلاق المنصة سيخلق فجوة حقيقية في أدوات التسويق الرقمي، خاصة لدى أصحاب الميزانيات المحدودة”، بحسب تعبيره.

خسارة بيئة خصبة للإبداع والمواهب

وأشار معن إلى أن “تيك توك” يمثل بيئة حيوية لنمو المحتوى الإبداعي وتطوير مهارات الشباب الإعلامية والتسويقية. “وجود التطبيق ساهم في خلق مساحة للتعبير والتجريب، ومنصة لاكتشاف المواهب الصاعدة”، يقول معن، محذرًا من أن إغلاقه قد يُثبط الابتكار، ويحد من فرص التدريب العملي في مجالات الإعلام الرقمي.

إشارة سلبية للمستثمرين

وتطرق الدكتور معن إلى الأثر غير المباشر على مناخ الاستثمار، مشيرًا إلى أن قرارًا مثل إغلاق “تيك توك” قد يُقرأ من قِبل الشركات التكنولوجية العالمية والمستثمرين الأجانب كمؤشر على بيئة غير مستقرة أو غير مشجعة للاستثمار في المجال الرقمي بمصر. هذا بدوره، قد يؤثر على فرص استقطاب رؤوس الأموال والمشروعات المستقبلية في قطاع التكنولوجيا.

تأثير محدود على الاقتصاد الكلي… ولكن!

ورغم كل ما سبق، أوضح معن أن التأثير المباشر على الاقتصاد الكلي سيكون محدودًا، لكن التداعيات طويلة الأجل على قطاعات الابتكار والإبداع الرقمي قد تكون أكثر عمقًا. “القلق يكمن في هروب الكفاءات الرقمية إلى الخارج بحثًا عن بيئة أكثر انفتاحًا وإتاحة، مما يُفقد مصر عقولًا شابة هي الأمل في اقتصاد المستقبل”.

 

الحديث عن إغلاق “تيك توك” في مصر ليس مجرد نقاش حول تطبيق، بل هو نقاش أعمق حول خيارات الدولة في التعامل مع الاقتصاد الرقمي، وتوازنها بين الضرورات الأمنية والتنموية. وبينما يبقى القرار النهائي بيد الجهات الرسمية، يبقى الأمل في أن يُؤخذ بعين الاعتبار أثره على ملايين المستخدمين والمبتكرين الذين وجدوا في هذه المنصة نافذة للفرص، لا مجرد تسلية.

شاركها.