الإضراب مهم ولكنه ليس برنامجاً..
لم يقف محامو فلسطين بأروابهم السوداء أمام المحاكم والنيابات النظامية والعسكرية يومي السبت والأحد من هذا الأسبوع، لم تزدحم أدراج مؤسسات القضاء بحركتهم الدائبة والملفات التي تحمل شؤون الناس في حيواتهم، ثمة استجابة واسعة لدعوة تعليق العمل الصادرة عن نقابتهم، تضامنا مع قطاع غزة الذي يواجه مقتلة بعد مقتلة في متوالية مخيفة وسط صمت دولي وتعثر عربي وركود أقرب إلى العجز في الشارع الفلسطيني.
أتوقف عند إعلان نقابة المحامين الفلسطينيين والدعوة التي تتجاوز أعضاء النقابة، لتتحول إلى دعوة تشمل النقابات واتحادات المهن ومؤسسات المجتمع المدني والناس بصفاتهم البسيطة، بعد أن ظهر بشكل محزن عجز الفصائل والقوى والفعاليات الوطنية عن التعامل الفاعل مع الكارثة، التي تجاوزت العتبة ووصلت إلى أسرة النوم ومخدات الأولاد.
“إضراب” نقابة المحامين الفلسطينيين، مبادرة شجاعة لترميم الجسر الذي يهتز بقوة بين مكونات الشعب الفلسطيني، لعل مفردة “ترميم” تبدو فضفاضة، ولكنها نوع من القرع على الخزان، ومحاولة لتحريك الواقع الفلسطيني نحو الشراكة، وإخراج الشارع في الضفة الغربية من دائرة التلقي التي علق بها، نحو الشراكة الحقيقية في الدم والمصير.
في نهاية الإعلان، ثمة سطر حول: “لملمة الجراح وبناء مسار وحدة وطنية شامل يليق بتضحيات شعبنا وفي مواجهة مشاريع الضم والتهجير والتصفية”.
هل يستطيع إضراب محامين ليومين أن يفعل ذلك؟
هل يمكن لامتناع مئات المحامين من الوقوف أمام المحاكم أن يغير الواقع؟
لا أظن، ليس ثمة أوهام حول ذلك، ولكنه سيحرك المياه الراكدة، ويهز المزاج القادم من الانتظار ونسيان الذراعين على الجانبين، وسيحرك الذاكرة قليلا، وسيقول ببساطة، إن ثمة أمورا يمكن عملها بدل استدراج الكآبة وتفسير الحزن وجلد الذات وتوزيع التهم.
ستلحق دعوة نقابة المحامين دعوة من “القوى الوطنية والإسلامية” للإضراب العام، اليوم، هذا من ذاك، ويكتسب أهمية أيضا، ولكن الإضراب ليس برنامجا بحد ذاته، هو بنية تحتية واسعة لاستعادة الدور التائه والتذكير بالذراعين، هو الأرضية التي سينشأ عليها البرنامج، بدون ذلك سيضاف إلى قائمة طويلة من المناورات المتذاكية التي تحاول بدأب ضخ الأكسجين في الفوضى وتأبيد نزعة التأجيل، والدوران حول فكرة الوحدة، بدل العودة إلى البيت، منظمة التحرير، رغم أحوالها التي لا يختلف حولها اثنان، وترميمه، البيت، من الداخل، أو مواصلة الوقوف على العتبة وانتظار أن يحدث التغيير.