في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، ومع تصاعد الجدل حول الاعتراف الإسرائيلي بـ«صومالي لاند» وتداعياته الاستراتيجية، تتصاعد التحذيرات القانونية والسياسية من خطورة المساعي الإسرائيلية الرامية، وفق عدد من القراءات التحليلية، إلى تعزيز نفوذها في الإقليم عبر التحرك نحو إقامة قاعدة عسكرية هناك.
وتستند هذه التحذيرات إلى مجموعة من المؤشرات الجغرافية والأمنية والعسكرية التي تعكس، بحسب المتخصصين، أن التحرك الإسرائيلي لم يكن مجرد خطوة دبلوماسية عابرة، بل جزء من مشروع أوسع يستهدف التأثير على موازين القوى في منطقة تُعد من أكثر مناطق العالم حساسية بحكم ارتباطها بالممرات البحرية الحيوية ومضيق باب المندب.
أستاذ قانون دولي: المؤشرات تؤكد أن المشروع الإسرائيلي جاد وليس مجرد مناورة سياسية
حذّر الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعيات الأمريكية والأوروبية والمصرية للقانون الدولي، من أن إسرائيل تسعى بجدية لإقامة قاعدة عسكرية في «صومالي لاند»، مؤكّدًا أن كل المؤشرات الاستراتيجية والسياسية تشير إلى أن هذا المشروع ليس مجرد تهديد نظري، بل خطة قيد التنفيذ الفعلي.
وقال الدكتور مهران، في تصريحات خاصة لـ«»:
“السؤال ليس هل ستقيم إسرائيل قاعدة عسكرية في صومالي لاند، بل متى ستقيمها إذا لم يتحرك المجتمع الدولي لوقف هذا المخطط الخطير، فالاعتراف الإسرائيلي بصومالي لاند لم يكن خطوة دبلوماسية عادية، بل كان الخطوة الأولى في استراتيجية محكمة تهدف للسيطرة على القرن الإفريقي”.
وأضاف أن المؤشرات الاستراتيجية واضحة:
أولًا: موقع صومالي لاند الجغرافي على مقربة من مضيق باب المندب يجعلها هدفًا استراتيجيًا من الدرجة الأولى لإسرائيل الساعية للسيطرة على الممرات البحرية الحيوية.
ثانيًا: الاعتراف الإسرائيلي جاء مقرونًا بتلميحات حول اتفاقيات تعاون أمني وعسكري.
ثالثًا: لإسرائيل سوابق في إقامة قواعد عسكرية ومواقع استخباراتية في دول إفريقية أخرى.
رابعًا: يأتي هذا التحرك بالتزامن مع محاولات إسرائيلية حثيثة لاختراق القرن الإفريقي بعد تعثر تحقيق أهدافها عبر إثيوبيا.
وحول الجدوى التي تسعى إليها إسرائيل من هذه القاعدة، أوضح أستاذ القانون الدولي أن الهدف يتمثل في مراقبة حركة الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب، وخلق أوراق ضغط استراتيجية، وإقامة مركز استخباراتي لمتابعة الأوضاع في المنطقة، إضافة إلى إنشاء منشآت لوجستية تدعم تحركاتها في إفريقيا والشرق الأوسط.
وحذّر من أن إقامة هذه القاعدة ستكون «خطًا أحمر» استراتيجيًا للأمن القومي المصري والعربي، إذ إن وجود قوات عسكرية إسرائيلية على مسافة قريبة من الحدود المصرية يمثل تهديدًا مباشرًا لا يمكن تجاهله، وقد يدفع المنطقة إلى توترات شديدة العواقب.
ومن منظور القانون الدولي، أكد الدكتور مهران أن أي قاعدة عسكرية إسرائيلية في صومالي لاند ستكون غير شرعية قانونًا، لأن صومالي لاند كيان انفصالي غير معترف به دوليًا، ولا يمتلك صلاحية منح حقوق سيادية لدول أجنبية، وبالتالي فإن أي اتفاق محتمل بينه وبين إسرائيل يُعد باطلًا لافتقاره إلى الأساس القانوني الدولي.
ودعا المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري لوقف هذا المشروع قبل فوات الأوان، مؤكدًا أن إقامة القاعدة ستكون تهديدًا مباشرًا للأمن والاستقرار الإقليمي، وأن الدول العربية والإفريقية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام خطر بهذا الحجم.
واختتم مهران تصريحاته بالتأكيد على أن إسرائيل تراهن على انشغال العالم بأزمات أخرى لتمرير مشروعها، لكن المنطقة لن تسمح بتحويل القرن الإفريقي إلى منصة عسكرية، مشددًا على أن الإصرار على هذا المسار ستكون له تكلفة باهظة.
