الحق بالحياة للفلسطينيين والإسرائيليين.. سما الإخبارية
آخر ما يمكن أن يتلقاه المرء من مواعظ سياسية، يمكن أن يكون من هذا الملياردير إيلون ماسك، الذي يمتلك ثورة تقدر بأكثر من 300 مليار دولار، فيما تجتاح المجاعة والفقر ملايين البشر، وباستعراض عابر لكيفية حصول ذلك الرجل على كل تلك الثروة، يمكن فقط التذكير بأنها «هبطت» عليه من سماء العولمة، فهي لم تحدث عبر تراكم أجيال من العمل في حقل الصناعة أو التجارة، كما أنها لم تنتج عن ثروات طبيعية، بل جمعها خلال بضع سنوات، مما يمكن وصفه «ببزنس» ما بعد الحداثة، الخاص بالتكنولوجيا ووسائل الترفيه والتواصل في العالم الافتراضي، أي أن بين هذا الرجل والعالم الحقيقي، عالم البشر الذين هم من لحم ودم، ما بين السماء والأرض، كما أن ماسك معروف بأنه شخص متعولم جدا، فهو أصلا من جنوب أفريقيا، أي سليل النظام العنصري البائد في ذلك البلد الذي صار عظيما بعد أن تحرر من وباء آباء ماسك، ثم هو كندي من حيث الجنسية، وهو رجل أعمال أميركي.
ولأنه شخصيا يتوافق كثيرا مع شخصية دونالد ترامب، انضم لجوقته، ولم يدعمه بتقديم نحو ربع مليار دولار في حملته الانتخابية وحسب، بل راهن على فوزه الذي لم يكن مؤكدا. وبمجرد أن أعلن فوز ترامب، سارع الرئيس المنتخب لمكافأة ماسك، بل ربما إلى الالتزام باتفاق كان بينهما، ومنحه منصبا يوازي مكانة الوزير، وإن لم يكن رسميا، ولكن هذا يعتبر مفتاح الدخول لعالم السياسة من الباب الواسع.
ما أثار اهتمامنا ما قاله ماسك، وهو رجل الأعمال المتعولم، الذي حصل على منصب غير رسمي وغير سياسي من ترامب، مهمته أن يتصدى للبيروقراطية في نظام الحكم الأميركي، هو ما نشره على حسابه الشخصي مهددا بتدمير كل من يريد تدمير اسرائيل حسب وصفه، مقترحا استعادة النموذج الألماني والياباني بعد الحرب العالمية الثانية، في التعامل مع قطاع غزة، متجاهلا ما ارتكبه الحلفاء المنتصرون بحق شعبي ألمانيا واليابان.
ومشترطا لذلك، فرض نظام تعليم وتربية، يهدف لتدجين أطفال غزة، وعدم تربيتهم على الكراهية، حسب وصفه، وهو بذلك يبرر قتل نحو عشرين ألف طفل فلسطيني خلال عام واحد، أي خلال حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، ومتجاهلا ما تقوم اسرائيل بتعليمه لأطفالها، خاصة في المستوطنات، حيث شوهد الأطفال اليهود في مستوطنة «بيت هداسا» القريبة من شارع الشهداء بمدينة خليل الرحمن يحملون السلاح، وهم يجاورون الجنود الإسرائيليين، ولم يتجاوزوا العاشرة من عمرهم.
أما ما يقوله الكبار، بل قادة اسرائيل من الوزراء ونواب الكنيست وقادة الأحزاب، فهو في أغلبه ضاج بالكراهية العنصرية والفاشية، فمنهم من طالب بإطلاق قنابل يوم القيامة، أي القنابل النووية، ومنهم من منع الماء والدواء والطعام عن كل سكان قطاع غزة، واسرائيل الرسمية برئيس وزرائها ووزير جيشها، شنت حرب إبادة جماعية وفق القضاء الدولي، الذي أصدر مذكرتي توقيف بحق الرجلين، بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت.
وإسرائيل التي يعتقد ماسك بأن هناك من يريد تدميرها هي التي منذ ثمانين سنة تمارس التدمير والقتل والاحتلال، وهي تعلن هذه الأيام علنا وبصراحة، بأنها تسعى لإعادة ترتيب الشرق الأوسط بأسره، وفق ما تراه مناسبا لها، أي بما يحقق سيطرتها، وهي تقول علنا، إنه ممنوع على كل الآخرين امتلاك أي قوة عسكرية، سواها، وهي يجب أن تبقى متفوقة عسكريا واقتصاديا بمفردها على كل دول وشعوب الشرق الأوسط، لضمان تلك السيطرة، وإسرائيل بعد أن اعترفت بها الأمم المتحدة ضمن حدود إعلانها العام 1948، وبعد قرار التقسيم العام 1947، احتلت كامل أرض دولة فلسطين، والجولان السوري، ومناطق عديدة من جنوب لبنان، وكانت احتلت مرتين شبه جزيرة سيناء المصرية، وما زالت تعربد ضد جيرانها وضد كل دول وشعوب الشرق الأوسط، حتى أنها قامت قبل أيام بتدمير كل مقدرات الجيش السوري، واحتلت أرضا سورية إضافية بعمق 15 كيلومترا.
كل هذا يعده ماسك، وربما معه ترامب نفسه، وكثير من نواب وأعضاء الحزب الجمهوري «دفاعا عن النفس»، وهو إن كان كذلك فهو دفاع عن سلطة عنصرية وفاشية، ترى أنه يحق لها ما لا يحق لغيرها، بل تتطلع لمزيد من التوسع والاحتلال، تارة استنادا إلى مقولات لاهوتية وهمية، وتارة استنادا إلى القوة العسكرية، وتارة أخرى استنادا للقوة الاقتصادية، ونظرية التفوق العرقي، حين تدعي بأنها «الديمقراطية» الوحيدة في الشرق الأوسط.
هذا أول ما خرج من معطف ماسك، وعلى الأغلب أنه لن يكتفي بالقول، كما يفعل السياسيون التقليديون عادة، فربما دخل في «شراكات اقتصادية» مع اسرائيل، من قبيل الاستثمار في المستوطنات مثلا، أو في مشاريع الذكاء الصناعي العسكري، خاصة بعد أن جربتها اسرائيل في حرب الإبادة، وقد يصل الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك، كأن يقدم الرجل على شراء دولة مثلا، أو حتى عدة دول، ولديه من المال ما يمكنه من ذلك، أما نحن ـــ كفلسطينيين ـــ نعد أكثر من خمسة ملايين نسمة، داخل حدود أرض دولة فلسطين في الضفة والقطاع والقدس، ميزانيتنا لا تتجاوز نسبة 1% من ثروة ماسك، فنكتفي بالقول، إننا نريد أمرا إنسانيا واحدا، ولنا مطلب وحيد، هو أن يتساوى الفلسطينيون والإسرائيليون في الحق بالحياة، فهل يستكثر هذا علينا ماسك وترامب ومن والاهما لأسباب عنصرية؟!
أم أنهم سيظلون ينظرون إلى قتل وجرح نحو 10% حتى الآن من سكان قطاع غزة، على أنه دفاع إسرائيلي عن النفس.
والمساواة في الحياة والحقوق والواجبات بين البشر، وهنا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تتطلب معالجة سياسية واحدة، لا شبهة عنصرية فيها، ولا تمييز، وفي ذلك تنازل فلسطيني تاريخي بين القاتل والقتيل، بين الجلاد والضحية، بين من فقد وطنه قبل 80 سنة فقط، وبين من يدعى دون أدلة مثبتة بحق له في هذه البلاد، منذ خمسة آلاف سنة، والمعالجة السياسية لا تتطابق مع وثيقة الاستسلام التي تعيدنا لعصر الاستعمار والعنصرية، كما يقول ماسك، بل إلى واحد من حلين لا ثالث لهما: فإما حل الدولة الواحدة، الدولة التي تكون لشعبين على أساس المواطنة المدنية، أو حل الدولتين، كما تقر به كل دول العالم، باستثناء اسرائيل وأميركا.