تصاعدت موجة من الجدل الواسع على منصات التواصل الاجتماعي في مختلف أنحاء العالم حول ما أطلق عليه حديثًا «الذهب الصيني الجديد»، وذلك بالتزامن مع الارتفاعات القياسية التي شهدتها أسعار الذهب عالميًا، حيث تجاوز سعر الأونصة الواحدة مستويات غير مسبوقة. وبينما يتساءل الناس عن حقيقة هذا الذهب المبتكر، تتباين الآراء بين من يراه نقلة نوعية في عالم المعادن الثمينة، ومن يصفه بأنه مجرد “ذهب صناعي” لا يحمل أي قيمة استثمارية حقيقية.
ابتكار صيني يحمل بصمة المستقبل
في خطوة تعكس التقدم التكنولوجي الهائل الذي تشهده الصين، طوّر العلماء هناك نوعًا جديدًا من الذهب أطلقوا عليه اسم «الذهب الصافي الصلب» أو كما يُعرف بالصينية بـ«يينغ زو جين».
هذا الابتكار لم يأتِ من فراغ، بل هو ثمرة سنوات طويلة من البحث والتطوير، انتهت بالحصول على براءة اختراع رسمية لهذا المعدن الفريد.
ويجمع الذهب الجديد بين صفاء الذهب الخالص عيار 24 قيراطًا ومتانة الذهب عيار 18 قيراطًا، إذ تصل درجة نقائه إلى 99.9%، بينما تبلغ صلابته 60 درجة على مقياس فيكرز، أي ما يعادل أربعة أضعاف صلابة الذهب التقليدي.
السر يكمن في إضافة نسبة ضئيلة جدًا لا تتجاوز 0.1% من معادن نادرة، غير معلنة الهوية، تعمل على تغيير البنية الذرية للذهب، ما يمنحه قوة غير مسبوقة دون أن تفقده بريقه ولمعانه المعروفين.
مزايا الذهب الصيني الجديد
رغم التعديلات البنيوية الدقيقة التي أجريت عليه، حافظ هذا الذهب الصناعي على جميع الصفات الجمالية التي يتميز بها الذهب الطبيعي، مثل اللمعان العالي، وثبات اللون، ومقاومته للخدوش.
كما أن صلابته الفائقة تمنح مصممي المجوهرات مرونة أكبر في تشكيل تصاميم أكثر دقة وتعقيدًا، مع خفض الوزن النهائي للقطعة، ما يجعلها أكثر أناقة وأقل تكلفة من حيث المواد الخام.
وبفضل هذه الخصائص، حقق الذهب الصيني الجديد انتشارًا سريعًا داخل الأسواق الصينية، إذ أصبح يشكل ما بين 20% إلى 25% من مبيعات المجوهرات الذهبية في البلاد خلال عام واحد فقط، وهو ما يعكس حجم الإقبال الكبير عليه من المستهلكين.
خديعة أم ثورة؟ الجدل يشتعل على المنصات الرقمية
مع انتشار هذا المنتج في الأسواق، انقسمت الآراء بشدة بين مؤيد ومعارض.
يرى فريق من المتابعين أن ما يسمى بـ”الذهب الصيني” ليس ذهبًا حقيقيًا، وإنما مجرد حيلة تسويقية لاستغلال الارتفاع الكبير في الأسعار العالمية.
ويعتقد هؤلاء أن الذهب الجديد مطلي فقط وليس خالصًا، إذ كتب أحد الناشطين على منصة “إكس”: “الذهب الصيني مجرد تقليد مطلي، لا يرقى لأن يكون ذهبًا استثماريًا.”
في المقابل، يرى آخرون أن الصين نجحت فعليًا في ابتكار تكنولوجي فريد يعالج أكبر عيب في الذهب الخالص، وهو الليونة المفرطة التي تجعله عرضة للخدش والانحناء.
ويعتبر هؤلاء أن هذا التطور قد يفتح الباب أمام عصر جديد من صناعة المجوهرات أكثر متانة وأناقة، بل وقد يُسهم في تقليل الهدر الناتج عن تلف القطع الذهبية بمرور الوقت.
الاستثمار في الذهب الجديد.. مخاطرة غير محسوبة
من جهة أخرى، يحذر خبراء اقتصاديون من التعامل مع هذا النوع من الذهب كأداة استثمارية.
فحتى الآن، لا توجد أي مؤشرات على تداول هذا الذهب في البورصات العالمية أو اعتماده كأصل مالي رسمي.
ويؤكد مختصون أن الذهب الحقيقي يتميز بقبوله العالمي وثقة الأسواق به منذ قرون، بينما يبقى هذا المنتج الجديد غامضًا من حيث القيمة الفعلية وسهولة إعادة بيعه أو تسييله خارج الصين.
وبحسب خبراء السوق، فإن الذهب الصيني الصناعي لا يمكن أن يحل محل الذهب الطبيعي في أي حال من الأحوال، تمامًا كما هو الحال بين الألماس الحقيقي والألماس الصناعي؛ فالأول يحمل شهادة منشأ وفاتورة معترف بها عالميًا، بينما الآخر لا يملك نفس القيمة أو الضمانات.
بين الواقع والطموح.. مستقبل الذهب الصيني
يبدو أن الصين تراهن على هذا الابتكار كخطوة لتأكيد تفوقها في الصناعات الدقيقة والتقنيات المتقدمة، وربما لإعادة تشكيل ملامح سوق الذهب العالمي.
لكن رغم الحماس الشعبي والإقبال التجاري، تبقى الأسئلة الاستثمارية مطروحة بلا إجابات واضحة.. هل سيُعترف بالذهب الصيني الجديد خارج حدوده كأصل ثمين؟ وهل يمكن أن يُنافس الذهب التقليدي الذي ظل معيارًا للقيمة عبر التاريخ؟
بين البريق والحقيقة
في النهاية، يبقى «الذهب الصيني الجديد» ابتكارًا يستحق الانتباه لما يحمله من تطور علمي وتقني غير مسبوق في مجال المعادن الثمينة.
لكنه في الوقت ذاته لا يزال يثير الجدل حول قيمته الحقيقية كمعدن استثماري.
فبين من يراه ثورة علمية ستغيّر شكل الصناعة، ومن يعتبره مجرد بريق زائف خلفه ذكاء تسويقي لامع، تظل الحقيقة أن الصين نجحت في إعادة إشعال النقاش العالمي حول معنى الذهب نفسه.. هل هو معدن له قيمة ثابتة؟ أم مفهوم يتغير بتطور العلم والتكنولوجيا؟
