الطبيبة آلاء النجار من مهمة إنقاذ ضحايا الحرب إلى أم مكلومة تفقد تسعة أطفال
لا تزال مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة مفجوعة بحادثة استشهاد تسعة أطفال من عائلة النجار، هم أطفال الطبيبة آلاء، التي فجعت هي الأخرى أثناء مناوبتها في مستشفى ناصر، بأن الضحايا الجدد الذين وصلوا إلى قسم الطوارئ هم أطفالها، الذين تركتهم خلفها في المنزل، على أمل العودة إليهم كما باقي أيام الحرب المثقلة بالهموم.
وتحتل صور الأطفال الضحايا، وأخرى لوالدتهم وهي تحتضن أشلائهم في أكفان الموتى، وصورا أخرى كاريكاتورية، صممت للتعبير عن الفاجعة الكبيرة، مساحة واسعة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ويقول سكان من مدينة خان يونس، إنه رغم ألم المدينة بسبب موجات النزوح الكبيرة للسكان من مناطق العمليات العسكرية، والهجمات الدامية، إلا أن حادثة أطفال الطبيبة النجار لا تزال تهيمن على حديث مجالسهم، حتى في مناطق النزوح الإنساني.
الطبيبة آلاء (38 عاما)، التي عانت من ويلات الحرب كباقي أسر قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، كانت في مناوبة عمل رسمية في مستشفى ناصر غرب مدينة خان يونس، حين ضجت المشفى بوصول ضحايا جدد، قضوا في غارة استهدفت أحد منازل المدينة، غير أن هذه الطبيبة التي اعتادت وزملائها على التعامل مع هذه المواقف الصعبة، لم تكن تتوقع أن يكون الضحايا هم أبنائها الأطفال، الذين مزق الاستهداف الإسرائيلي جثامينهم البريئة، وأسكت أصواتهم إلى الأبد.
تسعة أقمار
وسقط أطفال الطبيبة النجار وهم يحيى، ركان، رسلان، جبران، إيف، ريفان، سيدين، لقمان، سيدار، فيما بقي آدم يعاني من جروح خطيرة، جراء استهداف إسرائيلي لمنطقة قيزان النجار شرق المدينة، وقد حول القصف الصاروخي العنيف أجسادهم إلى أشلاء متفحمة، وبصعوبة بالغة تمكن فريق الإنقاذ من انتشال الضحايا ونقلهم على عجل إلى المشفى، حيث كانت هناك الأم المكلومة، والتي كعادتها ودعت أطفالها في ذلك المنزل، قبل الذهاب إلى العمل، على أمل العودة واللقاء بهم بعد انقضاء ساعات الدوام الرسمي، غير أنها لم تكن تعلم أن هذا اللقاء سيكون الأخير لها برفقة أطفالها، ولتضع بعده أجزاء من قلبها في الأكفان البيضاء.
ففي ذلك الاستهداف الذي نجم عنه علاوة عن تدمير المنزل اندلاع حريق كبير فيه، استشهد تسعة من أصل عشرة أطفال، حيث أصيب الناجي بجراح خطيرة، لا زال يتلقى على أثرها هو ووالده الطبيب حمدي أيضا، العلاج في المشفى بعد خضوعه لعمليات جراحية، لتقضي بذلك على أحلامهم التي خططوا لها بعد انتهاء هذه الحرب، كباقي أطفال غزة.
أما الوالدة فقد أصيبت بصدمة عند إبلاغها بالحادثة، ومشاهدتها جثامين أطفالها المتفحمة، حيث استهدفتهم طائرات الاحتلال بتلك الصواريخ الفتاكة والحارقة، ودمرت مكان سكنهم وحولته إلى ركام، وفي بداية الأمر ذكر زملاء الطبيبة أنها شعرت باحتباس أنفاسها، وانهمرت دموعها، ودخلت إلى تلك الغرفة التي وضع فيها أطفالها تحتضن جثامينهم واحد تلو الآخر، قبل أن تتمالك نفسها من جديد، حيث نقل عن شقيقتها الدكتورة سحر القول، إن والدة الأطفال عندما قالت لها “الأولاد راحوا يا آلاء”، أجابت “هم أحياء عند ربهم يرزقون“، وأطفال هذه الأم هم من حفظة القرآن.
ويقول الدكتور يوسف أبو الريش وكيل وزارة الصحة في غزة، والذي تواجد في المشفى بعد الحادثة لمواساة الطبيبة المكلومة، وهو يروي تلك اللحظات الأليمة إنه وجد تلك الطبيبة “هادئة صابرة محتسبة بعيون ملؤها الرضا”، وأضاف “لا تسمع لها سوى تسبيح واستغفار يملأ المكان طمأنينة”، ويشير إلى أن هذه الطبيبة تركت أطفالها في ظروف غزة، لتؤدي واجبها ورسالتها تجاه كل هؤلاء الأطفال المرضى الذين لا يجدون مكانا سوى مستشفى ناصر، حيث يغص المكان بتلك الصرخات البريئة التي أوهنها المرض والجوع والتعب.
قصفوا مرتين
وتقول شهد النجار ابنة عمة الضحايا، إن ضحايا الاستهداف كانوا أطفال، وقصفوا على مرتين، لافتة إلى أن أكبر الضحايا كان بعمر 12 عاما وأصغرهم بعمر ستة أشهر، وأضافت بألم أنهم تعرضوا لقصف بصاروخ ثاني خلال محاولات انقاذهم من المكان، ولفتت إلى أن “آدم هو الناجي الوحيد من القصف”.
ونشر جهاز الدفاع المدني في غزة مقطعا مصورا يظهر فريق الإنقاذ وهم ينتشلون جثامين الضحايا، من بينهم والد الأطفال الذي وجد ملقى أمام المنزل يعاني من جروح خطيرة، فيما قال عم الأطفال محمد النجار، إنه وجد الطفل الناجي آدم وشقيقه في الشارع القريب وهم ينزفون دما، وإنه توجه بعد انتشالهم إلى المنزل وبدأ بالمناداة على أحدا من بداخل المنزل يجيب نداءه ليتمكن من انتشاله، غير أن الأصوات جميعها سكتت من داخل المنزل، ولم تنبعث منه سوى رائحة الدم والبارود.
وتفاعل بشكل كبير سكان قطاع غزة ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي مع هذا الحادث الجلل، ونشروا صورا للأطفال الشهداء وهم بجوار بعض أحياء قبل الاستهداف، ولقطات وهم يمرحون في منزلهم، وأخرى وهم يرتدون أكفان الموتى البيضاء، وتصطف جثامينهم بجوار بعضها البعض في أحد غرف المشفى، قبل نقلهم إلى مقبرة المدينة لمواراتهم الثرى.
وأكد المكتب الإعلامي الحكومي أن هذه المجزرة المروعة تمثل نموذجاً دامغاً لجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، وهي جريمة حرب مكتملة الأركان وفق كل القوانين والاتفاقيات الدولية، وتكشف مجدداً العقلية الإجرامية التي يتعامل بها الاحتلال مع المدنيين الفلسطينيين، خصوصاً الأطفال، الذين باتوا أهدافاً مباشرة للصواريخ.