نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا للمعلق أوين جونز، قال فيه إن إسرائيل جوعت أهل غزة عمدًا، ولم تكن قادرة على فعل ذلك بدون مساعدة الغرب.

وأضاف أن فرك اليدين الظاهر من رئيس الوزراء البريطاني وقادة الغرب قلقا على ما يحدث في غزة ليس إلا تصرفات فارغة، فقد كانوا يعرفون تماما ما يجري للفلسطينيين. فبينما كانت الجهة التابعة للأمم المتحدة والمسؤولة عن الأمن الغذائي تؤكد أن “أسوأ سيناريو للمجاعة يحدث حاليا في قطاع غزة”، كان ينبغي أن يكون السؤال “ماذا فعلنا؟” يتردد بين الجدران أثناء لقاء كير ستارمر بدونالد ترامب هذا الأسبوع. ذلك أن تجويع إسرائيل المتعمد لغزة هو، في النهاية، جريمة تم الاعتراف بها وتصميمها وتنفيذها على مرأى من الجميع.

وعلق جونز على تهديد ستارمر باعتراف بلاده بالدولة الفلسطينية إذا لم توافق إسرائيل على وقف إطلاق النار وحل الدولتين، قائلا: “لا تنخدعوا، حق تقرير المصير الوطني الفلسطيني غير قابل للتصرف وليس ورقة مساومة، وهو الإجراء الأكثر رمزية الذي يمكنه اتخاذه بدلا من فرض عقوبات شاملة وإنهاء جميع مبيعات الأسلحة، على سبيل المثال. كما أن قلق السياسيين ووسائل الإعلام الغربية لن يطعم أطفال غزة الهزيلين، ولن يعفيهم من الذنب”.

وأضاف أن قادة إسرائيل قالوا بوضوح وبشكل متكرر منذ البداية إنهم سيجوعون أهل غزة. وقال مفوض الشؤون الإنسانية السابق في الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، للكاتب: “مجاعة من صنع الإنسان، وهو ما لم أشاهده أبدا في حياتي”. وفي 9 تشرين الأول/أكتوبر قال وزير الدفاع الإسرائيلي حينها يواف غالانت إنه أمر بفرض “حصار كامل على غزة: لا كهرباء ولا طعام ولا وقود” وبرر ذلك بقوله: “نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف بناء على ذلك”.

وفي اليوم التالي، أعلن الجنرال الإسرائيلي المسؤول عن الشؤون الإنسانية في غزة، غسان عليان، أن “المواطنين في غزة” هم “بهائم بشرية” و”سيعانون من حصار كامل على غزة، لا كهرباء ولا ماء، فقط دمار، أردتم جهنم فقد حصلتم عليها”. وفي الأسبوع اللاحق، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “لن نسمح بدخول المساعدات الإنسانية، سواء على شكل طعام أو أدوية، من أراضينا إلى غزة”.

ويعلق جونز أن هذه التصريحات لم تنشر إطلاقا في العديد من وسائل الإعلام الغربية، وإن نُقلت فقد كانت بطريقة عابرة ودون أي تفسير لنواياها غير القانونية. وكأن هذه التصريحات تقال في عالم موازٍ: “فلو حظيت بتغطية إعلامية دقيقة وواضحة، لاضطرت وسائل إعلامنا إلى تغطية هجوم إسرائيل على أنه عمل إجرامي، وليس حربا دفاعية عن النفس”. ويضيف أن حلفاء إسرائيل الغربيين كانوا على دراية بما تعد له إسرائيل لغزة. ففي آذار/مارس 2024، كتب وزير الخارجية البريطاني آنذاك، لورد كاميرون، رسالة بين فيها العديد من الحيل التي استخدمتها إسرائيل لمنع دخول المساعدات إلى غزة، إلا أن بريطانيا لم تتخذ أي إجراء. وفي نيسان/أبريل 2024، خلصت وزارتان أمريكيتان إلى أن إسرائيل تتعمد عرقلة المساعدات، مما يلزم الإدارة قانونيا بوقف توريد الأسلحة. وقد ألغى فريق جو بايدن هذا القرار، وفي وقت لاحق من ذلك العام، أرسلت الإدارة نفسها رسالة عامة تفصل فيها عرقلة إسرائيل للمساعدات، لكن تل أبيب اعتبرت ذلك موقفا انتخابيا وتجاهلت المطالب إلى حد كبير، ولم تواجه أي عواقب لفعلها ذلك.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ارتكبت إسرائيل أكبر مذبحة للعاملين في المجال الإغاثي في التاريخ، حيث قتلت أكثر من 400 منهم بحلول الربيع. كما شنت حربا لا هوادة فيها على الوكالة الإنسانية الرئيسية في غزة “الأونروا”، ومنعتها من دخول الأراضي المحتلة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وقتل جيشها ضباط شرطة مكلفين بمرافقة المساعدات ومنع النهب. كما أدى الهجوم الإسرائيلي إلى جعل جميع الأراضي الزراعية تقريبا غير صالحة للزراعة، بالإضافة إلى إتلاف 80% من المحاصيل، ونفقت جميع الماشية تقريبًا. ودُمّر ميناء غزة ومركبات الصيد، ويواجه الفلسطينيون الذين يتحدون الحظر الإسرائيلي على الصيد خطر القتل.

وقال جونز إن قتل الفلسطينيين الجائعين ظل موضوعا متكررا، ففي فبراير 2024، ذبح الجيش الإسرائيلي أكثر من مئة مدني كانوا ينتظرون الدقيق، ومع ذلك، وكما كان الحال طوال الإبادة الجماعية، تعاملت وسائل الإعلام مع إنكاره وتحريفاته وأكاذيبه على أنها مزاعم موثوقة. وخلص تحقيق مفصل أجرته شبكة “سي إن إن” بعد أسابيع إلى أن الجيش الإسرائيلي هو المسؤول، لكن بحلول ذلك الوقت تحول الاهتمام إلى مكان آخر.

وفي آذار/مارس من هذا العام، فرضت إسرائيل حصارًا شاملًا، واستبدلت نظام المساعدات الفعال للأمم المتحدة بمؤسسة غزة الإنسانية، التي أصبحت “مواقع توزيعها” حقول قتل بائسة. وكما يشير التصنيف المرحلي المتكامل المدعوم من الأمم المتحدة، فإن هذه المساعدات ليست قليلة جدًا فحسب، بل غالبًا ما تكون غير صالحة للاستخدام لأن إسرائيل تركت الفلسطينيين بدون غاز طهي أو مياه نظيفة لإعدادها. لقد ذُبح أكثر من ألف مدني وهم يحاولون الحصول على هذه المساعدات. وكما أشارت وكالات الإغاثة، فإن مراكز مؤسسة غزة الإنسانية صممت لدفع السكان الجائعين إلى الجنوب حتى يمكن حبسهم في ما وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت بـ “معسكر اعتقال”، قبل ترحيلهم.

ورغم الذنب المشين والواضح لإسرائيل، إلا أن أكاذيبها ما تزال تلقى استحسانًا من السياسيين ووسائل الإعلام الغربية. وفي يوم الاثنين، كرر دونالد ترامب أن “حماس تسرق الكثير من الطعام”، وقد دحضت سيندي ماكين، مديرة برنامج الغذاء العالمي وأرملة السيناتور الجمهوري الراحل جون ماكين، هذه الكذبة. ولم يعثر تحليل داخلي للحكومة الأمريكية على أي دليل، وأفاد مسؤولون إسرائيليون بأن جيشهم توصل إلى النتيجة نفسها. ومن المفارقات أن عصابات إجرامية مدعومة من إسرائيل، والتي أشار نائب نتنياهو السابق إلى ارتباطها بتنظيم الدولة الإسلامية، هي التي تسرق المساعدات. وقد ركزت مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية قبل ثمانية أشهر على تجويع إسرائيل المتعمد لسبب وجيه: الأدلة دامغة. ومع ذلك، حتى لو غمرت غزة فجأة بالمساعدات، فإن العديد من الفلسطينيين سيموتون لأن أجسادهم قد نهشها الجوع بشكل لا رجعة فيه، وهذا ليس حتى على جدول الأعمال. وقد أُجبرت الشاحنات الـ 73 التي سُمح لها بالدخول يوم الاثنين على سلوك طريق غير آمن، ثم نهبت.

ويقول جونز إن رئيس الوزراء البريطاني روج لفكرة إسقاط المساعدات جوا، وهذه كمية قليلة وقد تسببت بموت فلسطينيين عندما سقطت على رؤوسهم. والهدف من كل هذه الجهود هو منح غطاء لإسرائيل، والتظاهر بأن الدول الغربية تفعل شيئًا، وصرف الانتباه عن تجويعها الجماعي المتعمد.

ويختم جونز قائلا: “لكن ماذا نتوقع غير ذلك من ستارمر، الذي أيد حق إسرائيل في فرض حصار على غزة في بداية الإبادة الجماعية، ثم حاول التلاعب بنا لإقناعنا بأنه لم يقل هذا؟ ماذا فعلنا؟ لو كان لدى النخب الغربية أي خجل، لكان هذا السؤال يقض مضاجعهم. والإجابة ستكون مباشرة: لقد سهلتم التجويع الجماعي لشعب بأكمله. كنتم تعلمون ما كان يحدث، بفضل طوفان من الأدلة لمدة 21 شهرًا، ولأن الجاني، صديقكم، تباهى مرارًا وتكرارًا أمام العالم بجريمته. للأسف، لن يحاسب مدبرو هذه الجريمة البشعة أنفسهم، سيترك ذلك للتاريخ – وللمحاكم”.

شاركها.