موقع مقالة نت
اهم المقالات التي تهم القارئ العربي

الفلسطينيون والثورة السورية ( ٣من ٤)..

0 1

بظهور «داعش» و»جبهة النصرة» في سورية، تراجع دور الإخوان المسلمين في الثورة، وحتى بعد إعلان التحالف الدولي للقضاء على «داعش» في آذار العام 2015، لم يكن لهم دور لافت باستثناء وجودهم أو لنقل تبعيتهم لتركيا في الجيش الذي شكلته الأخيرة من عدة جماعات في كانون الأول 2017.

كانت المعارضة السورية في ذلك الوقت تنقسم إلى أربع مجموعات رئيسة: بالإضافة إلى داعش، كان هنالك جبهة النصرة، والجيش الوطني السوري، وقوات سورية الديمقراطية، وهذه تحالفات فضفاضة كل فريق منها يتكون من العديد من المجموعات.
يتألف الجيش الوطني السوري الذي يتراوح ما بين 70 إلى 90 ألف مقاتل من مجموعات من الجيش السوري الحر، وفرقة السلطان مراد، وفرقة الحمزة، والجبهة الشامية، وأحرار الشرقية، وفيلق الشام، وجيش الإسلام والعديد من الجماعات الأخرى.
ويتلقى الجيش أسلحته وتدريبة وتمويله من تركيا وبالتالي فإن قراره السياسي مرتبط بها.  
شارك الجيش الوطني السوري في جميع العمليات العسكرية التي أعلنتها تركيا ومنها عملية «غصن السلام» العام 2018 للسيطرة على مدينة «عفرين» من قوات سورية الديمقراطية الكردية، وعملية «نبع السلام» العام 2019 لإنشاء منطقة عازلة على الحدود السورية التركية، وشاركت في الحرب إلى جانب تركيا العام 2020 ضد قوات نظام الأسد في إدلب.
وبالمثل، انضم العديد من الجماعات المسلحة إلى «جبهة النصرة» التي بدأت عملية تحول لإلغاء صفة «القاعدة» عنها.
في العام 2016 أعلنت قطع علاقتها مع تنظيم القاعدة وتغيير اسمها إلى «جبهة فتح الشام» والاندماج مع جماعات أخرى، لكنها احتفظت بقيادة الجماعة الجديدة.
ومن بين الجماعات التي انضمت لها جبهة أنصار الدين، وحركة شام الإسلام، وجيش المهاجرين والأنصار، وجند الأقصى، والعديد من الجماعات الأخرى الأصغر حجماً والمنشقين أيضاً عن الجماعات المعتدلة.
وفي العام 2017، أعادت «جبهة النصرة» اختراع نفسها وأصبحت «هيئة تحرير الشام» مع انضمام جماعات جديدة لها مثل حركة نور الدين زنكي ولواء الحق وجبهة أنصار الدين وجيش السنة وغيرها.
وكان هنالك قوات سورية الديمقراطية التي تتكون في الأساس من وحدات حماية الشعب الكردي المصنفة أيضاً على قوائم الإرهاب الأميركية والتركية والعديد من الدول الأوروبية والتي دعمتها بشكل أساسي الولايات المتحدة والتحالف الغربي بالمال والسلاح والتدريب. وحتى لا يقال إن أميركا تدعم جماعات تُصنفها هي على قوائم الإرهاب، أدخلت لهذه القوات جماعات من الجيش السوري الحر، وبعض القبائل العربية وبعض الأقليات غير العربية. ويبلغ عدد هذه القوات مُجتمعة وفق بعض التقديرات 40 ألف مقاتل، في حين أن مصادر تدعي أن عددها يصل إلى 100 ألف مقاتل.
ومع سقوط «داعش» رسمياً ونجاح روسيا وحلفائها في إيران وحزب الله بإسناد نظام الأسد والقضاء على الفصائل المسلحة، كانت سورية بحلول العام 2019 مقسمة إلى أربع مناطق: مناطق خاضعة لسيطرة النظام وتشمل دمشق وحلب وحمص وحماة ودرعا والسويداء واللاذقية وطرطوس وجيوباً أخرى. ومناطق تسيطر عليها عليها هيئة تحرير الشام وتشمل إدلب وأجزاء من شمال غربي سورية بما فيها ريف حلب. ومناطق تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية الكردية وتشمل معظم شمال وشرق سورية، وأخرى يسيطر عليها الجيش الوطني السوري في بعض مناطق شمال سورية.
لقد وقعت المناطق الرئيسة المُدِرة للدخل في سورية تحت سيطرة الأكراد بما فيها حقول النفط في دير الزور والحسكة والرقة، وكذلك كان تحت سيطرتهم المناطق الزراعية المهمة مثل الحسكة التي توفر السلة الغذائية لسورية. أما المناطق الصناعية فوقعت تحت سيطرة المعارضة بشقيها الجيش الوطني السوري وهيئة تحرير الشام.
كذلك تضخمت إلى حد كبير قوة هيئة تحرير الشام حيث كان يتم إرسال كل مقاتلي الجماعات المسلحة التي يهزمها «تحالف النظام» في الأعوام ما بين 2016 و2019 إلى إدلب.
وكانت الجماعات المسلحة المعارضة تتفق مع روسيا بعد قتال ضار مع قوات النظام وحلفائه على إخلاء المناطق التي تسيطر عليها مقابل نقلها إلى إدلب دون أسلحتها أحياناً وبأسلحتها الخفيفة في أحيان أخرى.
وفي إدلب كانت تنضم إلى هيئة تحرير الشام برضاها أو رغماً عنها حيث حدثت مواجهات مسلحة في إدلب أكثر من مرة لإخضاع الجماعات التي تختلف مع الهيئة.
قاتلت الهيئة مثلاً القادمين لإدلب من «الجيش الوطني السوري الحر» و»جبهة أحرار الشام»، وفي العام 2018 قاتلت «الجبهة الوطنية لتحرير سورية» التي شكلتها تركيا، وفي العام 2020 قاتلت جماعة «حراس الدين»، واشتبكت مع جماعات أخرى أيضاً لفرض سيطرتها على المناطق التي كانوا يسيطرون عليها.
كان خيار هذه الجماعات إمام الانضمام لهيئة تحرير الشام أو التصفية، وبذلك تمكنت «الهيئة» من أن تصبح القوة الوحيدة المهيمنة على إدلب، ومن تعظيم قدراتها وقوتها.
كانت الحرب السورية وحشية بكل المعايير، لكن هذا التوحش في الحرب لم يقتصر على سلوك نظام الأسد وحلفائه وتحديداً روسيا التي كانت تقصف المعارضة من الجو، ولكن المعارضة نفسها كانت وحشية وهو ما يُمكن قراءته من أعداد الضحايا.
في آذار 2023 نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان وهو جماعة معارضة لنظام الأسد إحصائية بعدد القتلى حيث أفاد بمقتل حوالى 614,000 سوري: 162 ألف مدني و340 ألف مقاتل (نصفهم تقريباً من النظام وحلفائه، والنصف الآخر من المعارضة)، ولا يُمكن أن يكون نصف قتلى المقاتلين من قوات النظام إلا إذا افترضنا أيضاً أن المعارضة قد استهدفتهم أيضاً في مناطق سيطرتهم حيث يوجد أيضاً مدنيون سوريون.  
لقد تبادل النظام والمعارضة الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، وكثيراً ما سلطت وسائل الإعلام الغربية أو العربية الضوء على استخدام نظام الأسد للقصف العشوائي والبراميل المتفجرة، وحتى الأسلحة الكيميائية ضد المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. غير أن المنظمات الدولية أيضاً أفادت بارتكاب المعارضة لانتهاكات خطيرة بما في ذلك استهداف المدنيين، وأخذ الرهائن من مناطق سيطرة النظام، وتجنيد الأطفال، وحتى مهاجمة وقصف المستشفيات.
ولم يكن القتل والتدمير هو الظاهرة الأبرز في هذه الحرب الدموية، ولكن أيضاً النزوح واللجوء والغرق في البحار.
ووفقاً لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العام 2022، أدت الحرب إلى نزوح نصف سكان سورية، حوالى 12 مليون إنسان: 6.8 مليون داخل البلاد، و5.4 مليون لجؤوا إلى تركيا ولبنان والأردن، منهم 3.2 مليون في تركيا.
فلسطينياً، بدأت حركة «حماس» تراجع خياراتها بعد الفشل في إعادة الإخوان المسلمين للحكم في مصر، وبعد تراجع فرص سقوط نظام الأسد بعد التدخل الروسي نهاية العام 2015. كانت «حماس» قد اكتشفت أن انتقالها للمعسكر الجديد لم يُقدم لها شيئاً لا على الصعيد الحركي ولا على الصعيد السياسي.
لقد أفقدتها خسارتها لإيران الدعم المالي والعسكري وهي لم تتمكن من تعويض ذلك من أي جهة أخرى.
الأموال التي كانت تصل إلى غزة من دولة قطر كانت تصل بموافقة إسرائيلية وكانت قوائم من يستلمها تُقرها دولة الاحتلال.
وعسكرياً لم تُقدم لها تركيا أي شيء فهي دولة تحكمها علاقات وثيقة بالغرب، وحتى وقت قريب جداً وفي عهد أردوغان نفسه، كان الطيارون الإسرائيليون يتدربون فوق أجوائها.
على الصعيد السياسي لم تكن هنالك مكاسب أيضاً لها حيث لم تحقق القضية الفلسطينية أي إنجاز يُذكر ولم يتم حتى رفع الحصار عن غزة. أدى كل ذلك إلى سعي الحركة لاستعادة علاقاتها بإيران وبالتالي مع سورية.
في شباط 2017، أجرت حماس انتخابات داخلية أصبح إثرها الراحل إسماعيل هنية رئيساً للمكتب السياسي، والراحل يحيى السنوار رئيساً لحماس في غزة، والراحل صالح العاروري رئيساً لها في الضفة الغربية (رحمهم الله جميعاً).
وهؤلاء القادة الثلاثة كانوا من أنصار إعادة العلاقة مع إيران، وقد سهل لهم الراحل حسن نصر الله زعيم حزب الله (رحمه الله) ذلك، فلقد كان يرى أن وجود «حماس» في «محور المقاومة» ضرورة لاستكمال «حلقة النار» ضد دولة الاحتلال، ولإنهاء الصراع الطائفي في الإقليم.
ورغم محاولاته العديدة لإعادة العلاقة بين «حماس» ونظام الأسد، إلا أن الأخير رفض ذلك بإصرار حتى العام 2022 قائلاً إنه قدم لحركة «حماس» الكثير لكنها اختارت طعنه في ظهره.
والحقيقة أن سعي «حماس» لاستعادة العلاقة مع نظام الأسد لم يكن بالنسبة لها ذا أهمية قصوى، فالنظام كان من الضعف بعد العام 2017 بما لا يسمح له بتقديم أي مساعدة للحركة، ولكن السعي للمصالحة معه، كان رسالة الحركة لإيران وحزب الله بأنها فعلاً قد حسمت خياراتها وأنها انتقلت إلى المحور الذي يرغب بإسناد المقاومة الفلسطينية.
استفادت «حماس» من عودتها لما يُعرف بـ «محور المقاومة» تسليحاً وتدريباً ومالاً، لكن الأهم من كل ذلك، أنها بنت إستراتيجية للمقاومة قائمة على ما أصبح يُعرف لاحقاً بوحدة الساحات.
سنلاحظ في المقال القادم أن الحركة «حرقت» الزمن في هذه المسألة لأن «وحدة الساحات» كانت شعاراً مرفوعاً من حلفاء «حماس» بهدف العمل للوصول إليه، وليس بهدف وضعه أمام الاختبار الإجباري، لكنها الطريقة الفلسطينية في القتال والتي افتقدت «الرؤية» حتى قبل ظهور «حماس» بسنوات عديدة ولم تتمكن الأخيرة من تجاوزها.
وسنكتشف أيضاً أن السابع من أكتوبر الذي كان يهدف الى وضع «وحدة الساحات» موضع الاختبار قد أدى إلى سقوط أو تأجيل هذا المشروع، وإلى بداية مرحلة قد تنقل «حماس» من محورها الحالي إلى محور آخر قد تكون «سورية الجديدة» جزءا منه، لكن ملامحه لم تتضح بعد.

اضف تعليق