القمة العربية أمام ثلاثة خيارات: المجابهة والتكيّف والممانعة ..
أوردت وسائل الإعلام معالم الخطة العربية التي ستناقش في الاجتماع الذي سيعقد في السعودية يوم الخميس القادم، وسيعرض ما سيُتَفق عليه على القمة العربية المقرر أن تنعقد بالقاهرة في السابع والعشرين من هذا الشهر.
نشرت وكالة رويترز نقلًا عن عدد من المسؤولين العرب أبرز محتويات الخطة، حيث تتضمن تشكيل لجنة فلسطينية لحكم قطاع غزة من دون مشاركة حركة حماس، وتعاون دولي في إعادة الإعمار دون تهجير الفلسطينيين، إضافة إلى المضي قدمًا نحو حل الدولتين.
وتتضمن الخطة كذلك إنشاء منطقة عازلة وحاجز لعرقلة حفر الأنفاق عبر حدود غزة مع مصر، وبمجرد إزالة الأنقاض سيتم إنشاء 20 منطقة إسكان مؤقت، وستعمل نحو 50 شركة مصرية وأجنبية من أجل إنجاز ذلك. كما سيتم إنشاء صندوق للإعمار قد يطلق عليه “صندوق ترامب للإعمار”!
ووفق مسؤول عربي فإن إجبار حماس على التخلي عن أي دور في غزة سيكون ضروريًا، وصرح في الاتجاه نفسه أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، عن أهمية تنحي حماس كونه يحقق المصلحة الفلسطينية.
وفي مصادر إعلامية أخرى، ورد أن نزع سلاح المقاومة في غزة وترحيل قيادة وكوادر من حماس من متطلبات نجاح الخطة، وهذا ما لم يتم تأكيده من مصادر رسمية عربية، وإنما هي مطالب إسرائيلية مدعومة أميركيًا، فهناك محاولة للمقايضة بين السماح بالإعمار من دون تهجير وبين رأس المقاومة.
وما يعطي للخطة العربية أهمية أن ماركو روبيو، وزير الخارجية الأميركية، صرح بأن واشنطن بانتظار الخطة العربية، وشدد على مسألة إبعاد حماس.
وفي رد قوي على ما يجري تداوله، قال أسامة حمدان، القيادي في حماس، بأن موقف حركته من أي جهة ستمارس دور الاحتلال ستتعامل معها تمامًا مثلما تعاملت المقاومة مع الاحتلال، وهذا يعكس توترًا وإحساسًا بالخطر، وقال إن اليوم التالي في قطاع غزة كان وسيظل فلسطينيًا يتفاهم عليه الفلسطينيون، مشددًا على رفض إقصاء حماس، التي لا يوجد أحد من قادتها إلا وخسر نصف عائلته، فلن تقبل المقاومة من أحد أن يقول لها تنحي جانبًا، مؤكدًا أن سلاح المقاومة وقادتها وعلاقتها بالداعمين لها خارج النقاش.
نعم، لا يحق لأحد إقصاء حماس، ولكن على الفلسطينيين جميعًا الاتفاق على خطة لا تنطلق من الحق فقط، وإنما تستند إلى الحكمة، وهذا يتحقق من خلال التوافق الوطني على تراجع حماس خطوتين إلى الوراء، حيث لا تشارك في الحكومة، ولكنها تشكل بالتفاهم معها مقابل تقدم السلطة خطوتين إلى الأمام نحو استلام غزة، من دون تجاهل حضور حماس القوي، والحاجة إلى هذا الحضور لعدم حدوث فراغ يفتح الباب للفوضى والفلتان والاقتتال.
ثلاثة خيارات أمام القمة
ما سبق يعني أن القمة العربية مطالبة بالتحرك بصورة مختلفة عن القمم السابقة، لأن الذي رأسه تحت المقصلة هذه المرة ليس القضية الفلسطينية فقط، وإنما الأمن القومي العربي، فالقمة هذه المرة أمام لحظة الاختيار، وهناك ثلاثة خيارات أمامها وكل خيار له أثمانه وتبعاته.
أولًا: المجابهة
إذا اختارت القمة تحدي إدارة ترامب ومجابهتها فستتعرض لعقوبات أميركية متنوعة، ولكنها ستكسب شعبها ودورًا بارزًا في الإقليم والعالم، وهذا يكون من خلال فرض الوحدة على الفلسطينيين، وإعطاء الأولوية لتوفير مقومات الصمود والبقاء لأهل غزة، من خلال التركيز على وقف استئناف الحرب، وتشكيل صندوق للإعمار، والشروع في الإغاثة والتعافي والإعمار، لأن ما سيمنع التهجير ويحد من الهجرة بكل أنواعها هو إعمار سريع مسنود بموقف عربي مستعد لاستخدام أوراق القوة والضغط السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، بما في ذلك تجميد وقطع العلاقات مع إسرائيل، وعدم تطبيع جديد معها إذا مضت في العدوان والضم والتهجير الذي لن يقتصر على غزة، بل سيمتد إلى الضفة، فضلًا عن استخدام النفط والأسواق والاستثمار.
ما سبق يعني مجابهة قد تؤدي إلى مواجهة أو إلى تراجع ترامب عن تهديده بالتهجير والسيطرة على غزة، لأنه شخص عملي وليس أيديولوجيًا، ويؤمن بعقد الصفقات الرابحة، وإذا وجد أن صفقة تهجير غزة ستخسر فسيتخلى عنها، وقد تؤدي إلى عهد من عدم الاستقرار والمواجهات.
ثانيًا: التكيّف
إذا اختارت القمة العربية التكيف وتشكيل “صندوق ترامب للإعمار ” مقابل رأس المقاومة، فستخسر نفسها وشعوبها، وستتآكل شرعيتها وربما يهتز استقرارها وستزداد تبعيتها للغرب الاستعماري، وهذا يشجع ترامب على تقديم مزيد من الطلبات بخصوص القضية الفلسطينية، أو فيما يتعلق بزيادة الاستثمارات والمشتريات العربية في ومن السوق الأميركي، وخصوصًا مشتريات السلاح.
ثالثًا: الممانعة
هناك خيار ثالث بعيدًا عن المجابهة والتكيّف، وهو خيار الممانعة، الذي يسمح بقدر من المجابهة والمساومة معًا، ولكن من دون تهور ولا تخاذل واستسلام، ويتضمن أن تتراجع المقاومة خطوتين إلى الوراء، ولكن مع بقائها، لأن التخلي عن المقاومة وسلاحها سيفتح الطريق أمام الاستسلام المرفوض، ولا يمكن أن يكون مقبولًا ويمر إلا عند انتفاء سبب المقاومة، وهو زوال الاحتلال، فإذا تم دحر الاحتلال وقامت دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس يمكن دمج الأجنحة العسكرية للمقاومة في جيش وطني واحد، وإلى حين يتم ذلك فأقصى ما يمكن أن تقدمه المقاومة عدم المشاركة في الحكومة وهدنة طويلة الأمد.
والمأخذ على الخطة العربية سيكون كبيرًا إذا لم تربط وقف الحرب والإعمار بفتح مسار سياسي يبدأ ولا ينتهي بالدولة الفلسطينية.
الوحدة الغائب الأكبر
المعضلة الكبرى أن المخاطر الوجودية التي تهدد القضية والأرض والشعب لم تدفع القيادات والفصائل الفلسطينية إلى الوحدة، ولم تترتب عليها حراكات سياسية وشعبية جديدة قادرة على إحداث التغيير الجوهري المطلوب، ولم تؤد إلى الاتفاق على خطة مشتركة تستند وتبني على المواقف المشتركة، وتهدف إلى إحباط مخطط تصفية القضية من خلال دحر الإبادة والضم والتهجير.
الوصاية على الأبواب
إن استمرار الانقسام في هذه اللحظات التاريخية يفتح الباب لعودة الوصاية والبدائل العربية والدولية بإشراف إسرائيلي، فهناك مصادر تتحدث عن أن لقاء السعودية القادم لن يشارك فيه وفد فلسطيني في حين فلسطين موضوع البحث، وإذا حدث ذلك، فهو إحدى الثمار المرة للانقسام، ويدشن بداية تلاشي وحدانية تمثيل الفلسطينيين، وهو الإنجاز الأبرز الذي حققته الحركة الوطنية الفلسطينية طوال تاريخها، فهل تتعظ القيادات قبل فوات الأوان؟
وأخيرًا، ليس من الواقعي توقع اختيار القمة العربية المجابهة مع الإدارة الأميركية، لأن حرب الإبادة لم تحركها لاتخاذ موقف بمستوى الخطر، وهناك ما يمنعها ويتمثل في شبكة العلاقات والارتباطات المتعددة والمعقدة من المجابهة، وبذلك لن ينقلب موقفها جذريًا الآن. ولكن من المرفوض أن تختار التكيف كونها تساهم بذلك في تصفية القضية الفلسطينية والمساس بالأمن القومي العربي، لذا من المتوقع والمقبول والممكن أن تختار الممانعة، خصوصًا أن هناك إرهاصات تغير في المنطقة والنظام العالمي والمرشح إلى تغير يؤدي إلى نظام تعددي القطبية، وهذا يعني معادلة تقوم من جهة على وقف العدوان والتهجير في الضفة والقطاع والشروع في الإعمار، مقابل عدم مشاركة حماس في الحكومة، وفتح أفق سياسي في جوهره إنهاء الاحتلال وتجسيد الاستقلال، مع أهمية التفاهم معها، فهي جزء لا يتجزأ من الحركة السياسية الفلسطينية، والقوة القائمة على الأرض في القطاع، وإذا لم يتم التفاهم معها فبمقدورها أن تقلب الطاولة على الجميع.