المحكمة العليا الإسرائيلية ختم مطاطي لسياسة التجويع ..مصطفى ابراهيم
حال الناس قي غزة يقول بدل ما نصحا من النوم نشرب قهوة على صوت فيروز. تصحى نسمع أخبار القصف وعدد الشهداء، ومن مات من سوء التغذية ومن ينتظر، وبتفكر شو بدنا تحضر ما بقايا مواد غذائية. والتحضير لعجن بقايا الطحين المسوس على حطب النار. وتعبئة المياه، وبضل البال مشغول والقلق يأكل قلوبنا من مفاجآت قد تحدث في كل لحظة.
في تصريح صحافي قبل اسبوعين لمنسقة الأمم المتحدة الخاصة لعملية السلام في الشرق الأوسط ومنسقة الشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة سيغريد كاغ، قالت: إن أكثر من 60 ألف طفل دون سن الخامسة في قطاع غزة يعانون من سوء التغذية. وكل رقم في هذه الإحصاءات يمثل إنسانا وحياة، وكفاحا من أجل البقاء.
التجويع كأداة إبادة جماعية وسلاح قتل بطيء، منذ الثاني من شهر مارس/ اذار الماضي، تفاقم الجوع في قطاع غزة بعد أن شددت إسرائيل الحصار والعقوبات الجماعية، بإغلاق معابر قطاع غزة ومنع دخول المساعدات الانسانية والامدادات الطبية والصحية.
ويعاني الناس في قطاع غزة من جوع كارثي لم يسبق له مثيل، ولم يحدث هذا الوضع الفريد من نوعه مقارنة بالأزمات الأخرى في انحاء العالم، بسبب الحصار والعقوبات الجماعية ومحدودية الموارد والإمكانات في القطاع لدى السكان المغلفة حدوده، يقلص دون إمكانية البحث عن الطعام في مكان آخر.
بعد أسبوعين من اغلاق المعابر أعلن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، أن جميع المخابز الـ 25 التي ساعد في تشغيلها في قطاع غزة أُغلقت، بسبب النقص في الدقيق والوقود. بعد نحو شهرين على القرار الذي اتخذته إسرائيل بشأن منع دخول لأيّ مساعدات إنسانية إلى القطاع، عبر إسرائيل، حذرت وما زالت تحذّر منظمات دولية وفلسطينية من انخفاض حادّ في مخزون الغذاء والمعدات الطبية في القطاع، وتعرب عن قلق بالغ من تجدد المجاعة هناك.
حالة التجويع الحالية والتي تتزامن مع التجربة التي عاشها وما يعانيه الناس في قطاع غزة من جوع، خبروها العام الماضي وفي التوقيت ذاته شددت إسرائيل من حصارها بإغلاق المعابر. ففي شهر فبراير/شباط، من العام الماضي ذكرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) أنه “لم تكن هناك مثل هذه المستويات الحادة من الجوع وانعدام الأمن الغذائي مثل تلك الموجودة في غزة. وفي مارس/آذار 2024، تم إجراء تقييم آخر لمستوى انعدام الأمن الغذائي في غزة. وبحسب التقرير فإن أكثر من 670 ألفاً من سكان غزة يعانون من الجوع، وأكثر من 870 ألفاً في حالة طوارئ إنسانية. إن التجويع الجماعي للناس في القطاع بشكل عام، للأطفال
والنساء والكبار، أمر لا يطاق. وكيف يمكن أن نشكو إسرائيل من جوع المختطفين الإسرائيليين، وهي التي تجوع 2،4 مليون من الناس يعانون من سوء التغذية؟
إن إسرائيل مجتمعة تشارك قي أن الناس يموتون من الجوع والعطش، ويموتوا من عدم الحصول على كسرة خبز، ويأكلون ما تبقى من طعام غير صحي ويشربون الماء غير النظيفة. وهي نشارك في فتل موظفي الإنقاذ والإغاثة أثناء قيامهم بأكثر الإجراءات إنسانية وأخلاقية قدر الإمكان.
قبل نحو عام، قدّمت خمسة من منظمات حقوق الانسان الإسرائيلية التماساً يطالب (الدولة) بضمان إيصال المساعدات والإمدادات الحيوية إلى غزة. وبعد مرور عام، رفضت المحكمة العليا الالتماس، وقررت أن إسرائيل تفي بالتزاماتها، بموجب القانونين الإسرائيلي والدولي.
وأشار الحكم بشكل صريح إلى أن المحكمة لن تتطرق إلى قرار وقف مرور المساعدات إلى القطاع، عبر إسرائيل، ووقف بيع الكهرباء لغزة، لأن “الإجراء الحالي ليس الإطار المناسب للنظر في هذه القرارات، التي تنطوي على تغيّر كبير في الظروف”، الحكم استند إلى تصريح الدولة بأنه لا توجد قيود على كمية المساعدات التي تدخل إلى غزة، فإن هذا الاختيار وحده يكفي ليجعل الحكم فارغاً من مضمونه.
لا سيما ان المحكمة نظرت في الشروط القانونية لتطبيق قوانين الاحتلال، وتبنّت موقف الدولة الذي يفيد بأن غزة ليست أرضاً محتلة. وذلك بخلاف ما
قررته محكمة العدل الدولية (ICJ) في تموز/يوليو 2024، والتي رأت أن قوانين الاحتلال بصفتها قوة احتلال تسري على قطاع غزة، قبل وبعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر واندلاع الحرب، وبالتالي، تقع على عاتق إسرائيل التزامات واسعة تجاه السكان المدنيين.
كما رفضت المحكمة العليا الادعاء أن إسرائيل مُلزَمة، بموجب قوانين الاحتلال، بتقديم المساعدات الإنسانية، لكنها رأت أن على الدولة “السماح وتسهيل” مرور المساعدات الإنسانية، بموجب قوانين النزاع المسلح.
إن الاستنتاج بشأن عدم وجود التزامات من إسرائيل، بصفتها قوة احتلال في غزة، بذريعة أن إسرائيل تسعى فيه إسرائيل لتقويض حُكم “حماس”، من دون أن تسمح بحكومة بديلة، ومن دون أن تتحمل مسؤوليتها كقوة احتلال.
كذلك، رفضت المحكمة العليا إعطاء وزن للالتزامات المنبثقة عن قوانين حقوق الإنسان المتعلقة بالحق في الغذاء.
مع العلم أن مؤشر الأمن الغذائي العالمي الذي يُستخدم لتقييم الأمن الغذائي في أنحاء العالم، وتشارك فيه وكالات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات إنسانية دولية، حذّر منذ اندلاع الحرب، مراراً، من أن جزءً كبيراً من سكان القطاع على عتبة المجاعة، وهي أخطر درجة من انعدام الأمن الغذائي.
الجوع لا يتعلق بالحرمان فقط، بل هو أشدّ أشكال التعذيب التي يتعرض له الفلسطينيين، فالجوع لا يُسبب معاناة جسدية فقط، بل يشكّل أيضاً عبئاً نفسياً ثقيلاً، ويؤدي إلى أضرار عميقة بالروابط الاجتماعية داخل الأُسر والمجتمع. ولا يمكن القيام بذلك من دون التطرق إلى أوضاع الأطفال وكبار السن والنساء والرجال في قطاع غزة، وهو ما امتنعت المحكمة العليا من فعله.
حين ترفض المحكمة العليا الإسرائيلية فهي بذلك تشكل ختما مطاطيا لسياسة التجويع في قطاع غزة، ومعها أيضاً معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية، وعدم التطرق إلى رعب الجوع الذي ينتشر بين سكان غزة، والواقع القاسي الذي تعيشه غزة.