المستقبل هو الذي سيُجيب عن الأسئلة الصعبة..
كلّ شيء انهار في سورية: الجيش، الأجهزة الأمنية، النظام والحزب الحاكم، وحتى قيم القومية والوطنية إذا كان النظام يشكّل نموذجاً لها.
إذا كان ثمة من يدّعي بأن روسيا رفعت يدها عن دعم نظام الأسد، في سياق مقايضة، تمكّنها من تحقيق أهدافها في أوكرانيا، وباتفاق غير معلن مع إدارة دونالد ترامب، أو استعداداً لمرحلته، فإن ذلك لا يشكّل مبرراً كافياً لتبرئة النظام المنهار.
والحال ذاته بالنسبة لإيران، التي يتضح وفق مجريات الأحداث، أنها تعطي الأولوية المطلقة لمصالحها الوطنية والإقليمية، فمرة أخرى تلك ذريعة لإخلاء مسؤولية النظام المنهار.
سورية كانت محسوبة على «محور المقاومة»، وربما رأى البعض أنّ انهيارها، يشكّل الضربة الأكثر إيلاماً لـ»المحور» فإن مقاومة سورية، توقّفت على موقف معارض لأي اتفاقية سلام مع دولة الاحتلال، وتمرير الأسلحة والمساعدات للمقاومة اللبنانية.
أما عن معارضة التسوية مع دولة الاحتلال، فإنها ظلت نظرية وسلبية، فلقد كانت جبهة الجولان المحتل، هادئة تماماً خلال الـ 50 عاماً المنصرمة.
وأما عن مساعدة «حزب الله» اللبناني، فهي بالأساس، استحقاق لأن الحزب انخرط حتى العظم في الدفاع عن النظام، وقدّم الكثير من التضحيات الغالية.
نفهم أن دور المقاومة اللبنانية في سورية يعود ضمن عوامل أخرى لإدراك أنها تدافع عن لبنان بالإضافة إلى ارتباطها برؤية عروبية قومية.
خلال حكم آل الأسد، الذي اختزل الحزب، والمؤسسات، والحكومة، وأقحم سورية غير مرة في معارك لا تنتمي إلى البعد القومي العربي، الذي يعكس جوهر أفكار وإستراتيجية «حزب البعث العربي الاشتراكي».
نظام الأسد، يشكّل نموذجاً مطابقاً إلى حد كبير من حيث الجوهر للنظام العربي الرسمي، الذي سيواجه قريباً المصير ذاته ما لم تحدث تغيرات جذرية، تقترب من التعاطي العملي، مع ما تمرّ به المنطقة من تطورات، وأطماع وأهداف خبيثة.
لا يصدّق حتى الآن أركان النظام العربي الرسمي، أن ما يجري في فلسطين من غزة إلى الضفة والقدس، وفي لبنان والآن في سورية، أنه مجرّد مقدّمات وحلقة في الحلقات التي تستهدف الجميع، وإن اختلفت الوسائل والطرق إلى ذلك.
يحق لبنيامين نتنياهو أن يتبجّح، بما حقّقه في سورية، دون أن يعني ذلك، اتهاماً لـ»المعارضة» المسلحة التي استلمت الحكم في دمشق، وهو بذلك يغطّي على فشل في تحقيق الأهداف في حلقتي غزة ولبنان.
من يدّعي غير ذلك، عليه أن يستمع إلى نتنياهو الذي يردّد أنه لن يوقف الحرب العدوانية حتى تحقيق الانتصار الكامل، رغم مرور 14 شهراً من القتال، والقتل والتدمير، والأثمان الباهظة التي دفعها ويدفعها الشعبان الفلسطيني واللبناني.
ثمة تناقضات في المستوى السياسي والأمني الإسرائيلي، فالبعض يتحدّث عن إخراج سورية من «محور المقاومة» والبعض الآخر يضيفها إلى جبهات غزة والضفة ولبنان كجبهات مستهدفة.
نتنياهو يقوم بما عليه ولمصلحة دولة الاحتلال، لأنه لا ينتظر أي ردود فعل ولو بالحدّ الأدنى، لا من قبل العرب ولا المسلمين، ولا من قبل المجتمع الدولي.
يؤكد نتنياهو أن الجولان ستظل جزءاً من «أرض إسرائيل» إلى الأبد، وكذلك بالنسبة للقدس، ولكنه في ظلّ العجز العربي، والدعم الدولي، لا يكتفي بذلك.
بمجرد أن سقط النظام في دمشق، بدأ جيش الاحتلال بالغزو والسيطرة على المنطقة العازلة، التي أُنشئت بقرار دولي العام 1974، حتى وصلت قواته إلى مسافة تبعد عن دمشق العاصمة 25 كم.
القوات الدولية في المنطقة العازلة، موجودة ولكن شأنها شأن «اليونيفيل» لم تشكّل أي عائق أمام تقدّم القوات الإسرائيلية الغازية في الأراضي السورية، لا يمكن إلقاء اللوم على «السلطة الجديدة»، التي تواجه تحدّيات هائلة، فهي ليست في وضع يؤهلها للدفاع عن الأرض السورية وحتى أنها تمتنع عن إصدار موقف إزاء ذلك.
وبذريعة إبعاد أي تهديد تكتيكي أو إستراتيجي من سورية، داوم سلاح الجو الإسرائيلي على تدمير ما نسبته 80% من قدرات الجيش السوري بحسب مزاعم إسرائيلية.
القصف الإسرائيلي شمل القطع الحربية السورية، والمطارات، والطائرات الحربية، والمروحية، ومرابض المدفعية، والدفاع الجوّي، ومخازن الصواريخ، ومراكز البحث العلمي.
كل ما له علاقة بسلاح الجيش السوري تعرض ولا يزال يتعرض للتدمير، دون أي اعتراض لا من الجيش، ولا من غيره، ولا من القوى الدولية والإقليمية.
قد لا يعني تدمير القدرات التسليحية للجيش السوري التي هي جزء من مقدّرات الشعب السوري، أن سورية ستتخلى عن أراضيها المحتلة، أو أنها أصبحت خارج الصراع، ولكن الجواب عن السؤال برسم المستقبل، مع تقدير أن الشعب السوري لن يتخلى عن أرضه وحقوقه الوطنية.
دولة الاحتلال عملياً، تدمّر معدات كلفت مليارات الدولارات، واستغرق الحصول عليها عقودا طويلة من الزمن، ما يعني أن استعادة سورية لعافيتها وقدراتها الدفاعية تحتاج إلى سنوات كثيرة.
لكن ذلك مرة أخرى، لا يجيب عن سؤال الدور السوري، الذي قد يتأخّر نتيجة التعقيدات الهائلة، التي تنتظر سورية، ولا تزال فيها قواعد أميركية، وجماعات مسلحة، وتدخّلات متعددة.
ينبغي على دولة الاحتلال ألا تنام على حرير، ما تقوم به من تدمير للجيش السوري ومقدّراته، أو احتلال أراضٍ سورية جديدة، فلقد أثبتت المقاومة في غزة والضفة ولبنان، أن استعادة الحقوق، ومقاومة العدوان والتطاول على سيادة الدول لا تحتاج إلى جيوش نظامية، كانت قد أثبتت عجزها عن حماية الأوطان، بقدر ما أنها تحتاج إلى تعبئة سليمة لإمكانيات الشعب السوري، الذي عليه أن يعيد ترتيب الأولويات على النحو الذي يحمي الوطن ويُعيد للشعب كرامته وحقوقه.