موقع مقالة نت
اهم المقالات التي تهم القارئ العربي

النظام الدولي الجديد.. والدولة الفلسطينية ..اللواء د. محمد المصري

0 2

2025       

                         

       النظام الدولي مثل الكائن الحي، يتبدل ويتغير، يقوي ويضعف، ولا يبقى على حال أبداً فالنظام الدولي في القرن التاسع عشر لايشبه النظام الدولي في القرن العشرين، وعلى ذكر ذلك، فإن صراعات القرن التاسع عشر  بين الدول الاستعمارية هي التي قادت الى حرب عالمية أولى فاجأت الجميع بعدد قتلاها وعدد المشاركين فيها، وهي حرب أدت الى ميلاد نظام دولي جديد أراد أن يثبت السلم والاستقرار الدوليين، أنشأ  عصبة الأمم سنة 1919 في محاولة من هذا النظام لمنع الحرب بعد أن رأى الجميع أهوال الحرب العالمية الأولى، ولكن عصبة الأمم فشلت في أن تقدم الحلول أو تواجه التحالفات العسكرية الجديدة، فالنظام الدولي في بداية القرن العشرين عكس إرادة الأمم المنتصرة واطماعها وجشعها الذي لم تستطع أن تكبحه، ولهذا، لم تمضي عدة سنوات أخرى حتى انفجرت الحرب العالمية الثانية بين قوى الغرب الاستعماري مرة أخرى ولأول مرة يفاجأ العالم بإنفجار قنبلة نووية مريعة قادرة على مسح البلاد والعباد، تداعى المنتصرون مرة اخرى لتأسيس منظمة دولية قادرة على حل الخلافات وتسوية النزاعات بعيدة عن الحرب المدمرة، فكان أن ظهرت هيئة الأمم المتحدة ومن ضمنها مجلس الأمن الذي يضم  الخمسة الكبار المنتصرون والقادرون على ضبط العالم ومعاقبة المعتدي وتشجيع مبادرات التعاون والتنمية.

وبعد مضي أكثر من خمسة وسبعين سنة على تأسيس هيئة الأمم فإن هذه الهيئة فشلت أيضاً في حل كثير من الصراعات والنزاعات، كانت هناك نجاحات ولكن تغول قوى الاستعمار كان أقوى، وشهدت فترة ما بين 1945 وحتى سنة 1991 حرباً باردة بين قوتين عظيمتين هما الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وكان الصراع بينهم على كل شيء، الثروات والدول والايدولوجية والنفوذ، وقد دفع العالم العربي أثماناً باهظة جراء هذه الحرب، فيما دفع الشعب الفلسطيني الكثير أيضاً إذ أن الخلاف العالمي أخر الحل العادل أو عطله أو لم يكن جاداً فيه. 

بعد عام 1991 إنهار الاتحاد السوفياتي وصار العالم محكوماً بقوة عالمية  واحدة وهي الولايات المتحدة الامريكية، وقد دفعنا ثمن ذلك أيضاً، من خلال اتفاق اوسلو الذي يعكس هزيمة قوى التحرر امام الغرب الاستعماري، وهذا يقودنا إلى الادعاء بان عصبة الامم في بداية القرن العشرين شرعنت احتلال بريطانيا لبلادنا فيما سمي الانتداب، اما هيئة الأمم في منتصف القرن العشرين فقد قررت تقسيم بلادنا وحتى هذا القرار لم يتم احترامه ايضاً، أما عندما اصبح العالم بقطب واحد فقط طلب منا ان نجري تسوية تاريخية مع محتلنا تحت اسم تسوية ملتبسة. هذا فيما ان النظام الدولي مهما كان مضمون فهو صنع للاقوياء وعلى الضعفاء ان يدفعوا، في التحولات الكبيرة لا بد ان يكون هناك ضحايا. 

أما الألفية الثالثة فقد شهدت ظاهرة بالغة الاهمية ألا وهي تعدد الاقطاب، وتوزيع هائل للقوى النووية وصعود دول كبيرة ذات نفوذ او ترغب به، ترافق ذلك مع سعي الولايات المتحدة واسرائيل وغيرها من الدول إلى تجاوز هيئة الامم المتحدة، ومؤسساتها، وكان ذروة ذلك أن امريكا واسرائيل هددتا محكمة الجنايات الدولية وفرضتا عليها عقوبات، كما ان اسرائيل لم تطبق أي قرار يتعلق بالانسحاب من الاراضي المحتلة، وهناك دول اخرى فعلت ذلك بطريقة مهينة، وهي سلوكات تقود الى ضرورة ميلاد نظام دولي جديد يعكس تعدد الاقطاب وتغيير الجغرافيا السياسية، وطبيعة التحالفات، لأن من الممكن جداً أن تؤدي الاطماع الجديدة والأحلاف الجديدة إلى حرب مدمرة ثالثة، وهنا الفرصة مهيئة كما نرى في جنوب شرق اسيا، وشرق اوروبا، وكذلك توجهات امريكا التوسعية والعدوانية الجديدة. النظام العالمي الجديد الذي بدأت ملامحه بشكل واضح يتجلى وذلك بتجاوز الهيئات الدولية الجديدة واحتقار القانون الدولي وسرعة تشكل التحالفات والاقطاب بعيداً عن الامم المتحدة وكذلك عدم تمويل المنظمة الدولية او الاشتراطات السياسية التي تعطل عملها. 

والسؤال هو: بما ان النظام العالمي الجديد آخذ بالتشكل امام أعيننا، فما هو دور العرب، وبالتالي دور الشعب الفلسطيني في هذا النظام؟! 

هل سنكون من الضحايا الذين يدفعون ثمن التحول.؟ أم اننا سنكون من الغائبين تماما عن المشهد ؟! أم سيكون لنا ولأمتنا العربية قولاً آخر.؟ 

واذا كان الشعب الفلسطيني القربان الذي يقدم على مذبحة الكبار بحيث ضاع الوطن الفلسطيني على مائدة عصبة الأمم، فهل ننتظر لا سمح الله ان يتم تقسيمنا مرة اخرى ام شطبنا إلى الأبد ؟ 

وللإجابة على هذا السؤال فإن الامر متعلق بالنظام العربي الذي يتمتع بكل الظروف والثروات التي تؤهله الحضور بقوة على المائدة الدولية، وأن يفرض اجنداته ومصالحه على العالم، لا ينقص العالم العربي شيء من اجل ان يكون حاضراً في النظام العالمي الجديد من خلال ديبلوماسيته واعتداله وقدرته وحكامه الذين تعلموا الدرس جيداً، وحتى نقلع جميعاً عرباً وفلسطينيين وحتى يكون لنا مكان تحت الشمس في النظام الجديد فإن  

هذا الموقف العربي لن يتكب له النجاح في حماية القضية الفلسطينية، وحل الدولتين، ومنع شطب منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك حماية القيادة الشرعية، والتصدي لفكرة تهجير الشعب الفلسطيني، إن لم يكن هناك استراتيجية فلسطينية واضحة تقوم على:  

• انهاء الانقسام الفلسطيني المشين، ووحدة الصف، ووحدة الموقف، وانضواء الكل تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، وتحصين شرعيتها للشعب الفلسطيني، ممثلاً وحيداً.
• تعزيز العلاقة مع الدول العربية، من خلال توحيد الرؤى، والاخذ بعين الاعتبار ما تقدمه بعض الدول حول تطوير الاطر القيادية الفلسطينية، والاهم هنا، وحدة حركة فتح، الضامن للوطنية الفلسطينية.
• تعزيز صمود الشعب الفلسطيني بالارض، والدفع باتجاه مقاومة شعبية سلمية واسعة ونقية، خاصة في المناطق المصنفة (ج).
• العمل الجاد من اجل تولي السلطة الفلسطينية سلطتها القانونية والادارية والامنية على قطاع غزة، واعادة توحيد وبناء المؤسسات الفلسطينية بشكل يرى المجتمع الدولي بأن مؤسسات الدولة الفلسطينية ناجزة وشفافة وقادرة على القيادة.
• رفع راية الدفاع عن مؤسساتنا وعن مدينة القدس، وتعزيز صمود ابناء المدينة المقدسة.
• العمل الجاد على محاصرة السياسة الاسرائيلية، خاصة على الصعيد الاعلامي والسياسي والقانوني، والتفعيل لكل قوى المجتمع الفلسطيني، بما فيها الدبلوماسية الشعبية.
• التمسك الدائم بقرارات الشرعية الدولية، وبذل الجهود مع الاخوة العرب وكل الاصدقاء لدعم تنفيذ هذه القرارات.
• إعادة النظر في التحالفات، اخذين بعين الاعتبار التوازنات الدولية وتمكين العلاقة مع كل من الصين وروسيا والدول الصاعدة مثل الهند والبرازيل.

 إن حماية فكرة الدولة هي مسؤولية الكل الفلسطيني، وبمظلة عربية واحدة، خاصة من دول الاعتدال العربي القادرة الآن على لعب دور هام في السياسة الدولية.

 إن العالم يتغير بسرعة، ونظام القطب الواحد فشل في احلال السلام الدائم، وبالتالي نحن امام تشكيل نظام دولي جديد، قائم على تعدد الاقطاب، الأمر الذي يعني ميلاد هيئات دولية جديدة، وربما دول جديدة، وتحالفات جديدة، وتعدد الاقطاب يعني توزيع القوة والنفوذ على حساب الضعفاء، وحتى لا نكون ضحايا هذا النظام، وحتى لا ندفع ثمنه غياباً او استسلاماً فإنه من الضروري لنا ان نجد طريقة فاعلة للحضور والمشاركة في هذا العالم، أما دولتنا فلسطين، فقد طال الوقت لأن تكون جزءا من نظام عالمي متعدد الرؤى والقوى والتحالفات.

 وأياً كان طبيعة النظام الدولي الجديد، سيقى قيام دولة فلسطينية مرهون بالجاهزية الفلسطينية، وموقف شعبنا المتمسك بحق تقرير المصير، والموقف العربي الصلب والمتمسك الدولة الفلسطينية المستقلة.

اضف تعليق