ما إن أعلن عن إعفاء مسؤول ديني محلي في مدينة فكيك (شرق المغرب) من منصبه حتى انطلق سيل التضامن والاستنكار من قرار وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق.

وكتب محمد بنعلي، الرئيس السابق للمجلس العلمي المحلي لفكيك، تدوينة على صفحته في “فيسبوك” جاء فيها: “وداعًا رئاسة المجلس العلمي”، وأضاف “في هذا الصباح المبارك (يقصد صباح الجمعة) استقبلني شيْخُنا ومفيدُنا وعالمُنا الدكتور مصطفى بنحمزة في المجلس العلمي الجهوي، وسلّمني قرار إعفائي من رئاسة المجلس العلمي المحلّي لفجيج”.

وأبرز أن اللجنة التي زارت المجلس قبل نحو شهريْن، ركّزت على سبب رئيسي في إعفائه، وهو عدم انتظام حضوره في المجلس، وأقر بذلك مؤكدا أنها حقيقة لا ينكرها، وزاد موضحا فيما يشبه التلميح إلى سبب آخر قائلا: “وما إعفائي إلا انتقال من حركة مُقيَّدة بضوابط المجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف إلى حركة لا قيودَ فيها”.

وكانت هذه الجملة الأخيرة كافية لإثارة فضول الرأي العام عن السبب الحقيقي وراء إعفاء محمد بنعلي، ولم يكن الأمر صعبا، فقد نشر منذ شهر تقريبًا تدوينة عن حرب الإبادة في غزة تحت عنوان “كلنا متواطئون”، قال فيها: “أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، من عرب وغيرهم.. لقد بلغت الإبادة في غزة حدا لا يوصف، وأصبحنا شركاء في كبيرةِ إبادة غزة، وإنها لكبيرة تساوي قتل النفس عمدا، ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب اللهُ عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما.. لست أدري أيّ إسلام نعيشُه في هذه الظروف، علماء وحكاما وشعوبا؟!”.

وتضمنت التدوينة الكثير من الانتقاد للعلماء الذين “ليسوا مجرد معلّمين للوضوء والصلاة، وإنما هم مشاعل هداية حين تتنكب الأمة عن طريقِ اللهِ، أمانتهم الأولى هي التبليغ والبيان، وخاصة بيان ما يجعل من المسلمين أمة واحدة، لكن علماء هذا الزمان اختاروا الخوض في النوافل بينما الواجب العيْني الأول الآن هو نصرة المظلومين في غزة ورد الظلم عنهم.. وأي ظلم أفدح وأفظع وألْعن من تجويع شعب بأكمله وهم وينظرون ويسمعون؟”.

واتخذت موجة التضامن مع محمد بنعلي شكل تدوينات هاجمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، التي وصفها أحمد الريسوني، الرئيس السابق لاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بـ “رمز التخلف السحيق”، وركز على الوزير أحمد التوفيق، مؤكدا أنه “ليس غريبا ولا مستنكرا أن يُصدر وزير قرارا بإعفاء أحد منسوبي وزارته من منصب كان يشغله”.

وفي رأي الريسوني، فإن “الغريب والمستنكر هو أن يصدر الوزير قرارا بإعفاء عالم – أو أي موظف – من منصبه، بدون أي تفسير أو تعليل، ولا بكلمة واحدة، ولا بإشارة!”، واستعرض العبارة التي وردت في قرار التوفيق والقاضية بإعفاء محمد بنعلي، التي لم تتضمن “لا ذكر ولا إشارة إلى أي سبب ولا مخالفة ولا خطأ، لا علمي ولا سياسي ولا خلقي؟! ولا مجلس تأديبي، ولا رأي للمجلس العلمي الأعلى، ولا قرار لأي جهة مختصة، ولا حتى استماع أو استفسار للمعني بالأمر (المتهم)، كل ما هناك أني: أعفيتك وعزلتك!”

وأضاف قائلا: “هكذا يتصرف الوزير، كمن (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ)”، وزاد موضحا “لا أعلم في المغرب وزيرا أو مسؤولا يتصرف بهذه الطريقة الموغلة في الاستبداد والفرعونية والتعطيل التام لشعار (دولة القانون والمؤسسات)”.

ووجهت “الهيئة العلمية” لجماعة “العدل والإحسان” كلمة إلى علماء المغرب، حول ضرورة نهوض العلماء بدورهم في نصرة القضية الفلسطينية خاصة وقد “حلّ بالأمة الآن من الخطر ما تعلمون، إذ إخوتنا في غزة يقتلون جماعيا بأبشع وأقذر صنوف التقتيل تدميرا وتفجيرا وتجويعا وتعطيشا وحصارا، على مرأى ومسمع من المسلمين والعالمين، منذ ما يقارب من السنتين وبدأ الناس يسقطون جماعة جوعا وعطشا وهم يستغيثون ويستنصرون، ولا مجيب، فحق علينا أن نتوجه بهذا النداء العاجل المعجّل لعلمائنا في هذا البلد الكريم من مغربنا الحبيب، فالعلماء هم من يوقظ الأمة في مثل هذه الشدائد حكاما ومحكومين؛ ليبصروهم بواجبهم الزمني المعجّل في إغاثة أهلنا الملهوفين في غزة طعاما وماء ودواء وإيواء، في أدنى ما يجب حالا”.

وزادت الجماعة الإسلامية في بيانها أن “المغاربة ينتظرون من علمائهم أن يغادروا مقاعد الصمت، وينخرطوا في إمامة الناس في بيان مقتضى شرع الله فيما يجري بغزة، وفي الميادين والساحات، وفي النصح للحاكمين في هذا البلد، وتحريضهم على التوقف عن دعم العدو الصهـيوني ومساندته بكل أنواع التطبيع، فالحجة يا علماءنا قائمة، والمعاذير منقطعة، والمصاب جلل وأنتم قدوة هذه الأمة، يلزمكم ما لا يلزم عامة الناس”، وفق تعبيرها.

وأثنى مدونون على محمد بنعلي، المُعفى من مسؤولية المجلس العلمي المحلي لفجيج، كما قال مدون إن الله أراد به خيرا “ذلك تخفيف من ربكم ورحمة” لأنه “عين على رأس المجلس العلمي من غير طلب، وتم إعفاؤه من غير سبب!!”، فيما قال آخر “حي الله هذا الرجل على مثل هذا الموقف الشجاع”.

أما يحيى فضل الله فقد هنأ رئيس المجلس العلمي المحلي لفكيك على الإقالة التي يراها “وسام شرف لا وصمة عار”، موضحا “إن كانت هذه الإقالة نتيجة موقفه من التطبيع، فهي براءة من مستنقع الخيانة، وإبراء للذمة أمام الله والتاريخ”، وأضاف موجها خطابه لباقي العلماء ليعلموا “أن السكوت خذلان، وأن الوقوف في صف الحق لا ينقص من المقام بل يرفعه”.

وحسب صاحب التدوينة فإن “وزارة الأوقاف التي يفترض فيها أن ترعى قيم الإسلام أصبحت تتغول فيها أجندات التطبيع، وتُقصى الأصوات الحرة التي ترفض الركوع إلا لله”، وختم بتهنئة كل “من اختار الانتصار لفلسطين ولو كلفه ذلك المنصب والراتب… فالحق أوْلى أن يُتّبع”.

وانتقدت تدوينات أخرى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ووصفه الإعلامي التهامي بهطاط بـ “العالم العلامة الحبر الفهامة”، الذي قرر بأن “ربا البنوك حلال والتضامن مع غزة حرام”، وختم بالآية “ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون”.

ووصف عبد الحفيظ المرابط قرار وزارة الأوقاف بـ “الجائر”، مشددا على أن الوزير “سيعي ولو بعد حين أن العار الذي سيسجل عنه لن ينسى ولن تمحوه السنين، وأنه سيدخل التاريخ لكن من باب الذي دخل منه الذي تبول في المسجد، وهو الدارس للتاريخ”.

ونعت الصحافي نور الدين اليزيد وصف الوزير أحمد التوفيق بـ “قاطع الأرزاق”، موضحا أن المادة في بيان الوزارة “فريدة كما صاحبها (أحمد التوفيق) (فريد) كمسؤول، في قطع أرزاق عباد الله”، وفي رأيه مخاطبا الوزير، إن “الرجل (يقصد المسؤول المعفى) الذي شطبتَ عليه من رئاسة المجلس العلمي المحلي بفجيج لم يرتكب جرما ولا مس بهيبة وواجب التحفظ الذي يفرضه عليه المجلس العلمي الأعلى الذي يترأسه عاهل البلاد، وإنما عبر فقط هنا عن رأيه وعن ما يخالج صدره وصدور عامة الناس، فلم نره يوقع تدوينته مثلا بصفته (العلمية)، وإنما قال ما قال كمواطن وفي فضاء عام وليس انطلاقا من مقر المجلس المحلي أو من داخل مسجد !”

وتابع موجها خطابه لأحمد التوفيق قائلا: “سيسجل لك التاريخ بمداد من خزي وعار بأنك أكثر وزير أوقاف في هذه البلاد يوقف ويقطع أرزاق العباد ممن شاء لهم القدر أن يقتاتوا من عملهم في القطاع الذي أنت وصي عليه، من مرشدين دينيين وأئمة وخدام مساجد وموظفين وأعضاء مجالس علمية”.

وختم بقوله “لا تبالغوا في تسلطكم وتغولكم لتظهروا كأنكم ملكيون أكثر من الملك، واتقوا الله مثل هذا العضو في المجلس العلمي الذي على الأقل عبّر عن رأيه وتعاطفه وغيرته عن أمته بصفته كإنسان”.

شاركها.