ترجّح أوساط إعلامية في إسرائيل أن تواصل حكومتها انتهاك اتفاق وقف النار ومحاولة اغتيال قيادات متبقية في “حماس”، خاصة قائد ذراعها العسكري عز الدين حداد، ومسؤول الاستخبارات محمد عودة، وذلك بعد عملية اغتيال رائد سعد، والتي تسعى لـتضخيمها بدوافع مختلفة.
ويشير موقع “والا” العبري إلى أن الاحتلال يتطلّع لاستهداف عز الدين حداد قائد “كتائب عز الدين القسّام” منذ اغتيال محمد السنوار، الذي يجيد العبرية وبقي وحيدًا تقريبًا في قيادة “حماس”، ولجانبه محمد عودة، مسؤول الاستخبارات الذي عُيّن في الفترة الأخيرة قائدًا لـشمال القطاع، وبعض قادة المناطق ممن كُشفت هوياتهم بعدما أعلن الجيش الإسرائيلي عن تصفيتهم ولاحقًا ظهروا علانية، وربما كانت هذه حيلة إسرائيلية للتثبّت من مصيرهم”.
كما يقول موقع “والا” إن رائد سعد نجا عدة مرات من محاولات اغتيال، أولها عام 2003، عندما أُصيب في عملية استهدفت محمد الضيف وعددًا من قيادة “حماس”.
وفي الأمس، نجحت محاولة إضافية بعد استغلال خطأ، أو استخفاف مفاجئ، ارتكبه بـالظهور في وضح النهار وضمن قافلة، رغم تعرّضه لمحاولات اغتيال متكرّرة، ما يعكس اعتقادًا خاطئًا لدى “حماس” مفاده أن قادتها مُحصّنُون بعد اتفاق وقف النار”.
شهوة الانتقام المفتوحة
وتعكس العناوين الاحتفالية في الصحف العبرية، اليوم الأحد، شهوة الانتقام التي لا تزال مفتوحة في إسرائيل بشكل عام كواحدة من دوافع عملية اغتيال سعد أمس، كما يتجلّى في عنوان صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم: “الحساب أُغلق أمس”.
ولا شك أن مثل هذا الاغتيال يرتبط بصورة معيّنة أيضًا بالسجالات الإسرائيلية الداخلية ومحاولة تخفيف حكومة الاحتلال وطأة التهم الموجّهة لها بأن الحرب لم تؤدِّ بعد لتحقيق أهدافها، وأن “حماس” ما زالت باقية داخل القطاع. كما أن المستوى السياسي برئاسة نتنياهو يستغل حالة الفوضى وعدم الانتقال للمرحلة الثانية، وربما محاولة منع هذا الانتقال من خلال اغتيال قيادي كبير في “حماس”، طمعًا بأن يؤدي ذلك لردّ فعل من طرفها يشعل النار من جديد، وهذا ما يشير له بعض المراقبين الإسرائيليين باقتضاب، منهم المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” يوسي يهوشع.
ليس سرًا أن نتنياهو يحاول وضع العراقيل أمام الانتقال للمرحلة الثانية وتشويش اتفاق وقف النار كونه يشمل بندًا عن مسار نحو دولة فلسطينية ودخول قوات أجنبية بعضها معادٍ بنظره، كـقطر وتركيا.
وتنعكس نوايا نتنياهو في تصريحات الوزير زئيف إلكين للإذاعة العبرية العامة، اليوم الأحد، وفيها يشكّك إلكين بنجاح الخطة الأمريكية.
وردًا على سؤال، يضيف: “لكن إسرائيل تعطي الآن فرصة للإدارة الأمريكية لاختبار الخطة على أرض الواقع، ومستقبلاً لا أستبعد عودة القتال لأننا لن نتنازل عن تفكيك سلاح حماس”.
مجرد ذريعة
رسميًا يدّعي الاحتلال أن الاغتيال جاء ردًا على انتهاك “حماس” للاتفاق بعد انفجار عبوة في جرافة إسرائيلية في خان يونس، صباح أمس، ساعات قبل عملية الاغتيال، بيد أن هذه كانت ستخرج لـحيّز التنفيذ دون انفجار عبوة كهذه، خدمة لعدة غايات، منها محاولة استنساخ الحالة اللبنانية داخل القطاع.
ميليشتاين: سيترك سعد فراغاً كبيراً خلفه كونه شخصية مؤثرة
في حديث لـلإذاعة العبرية، اليوم الأحد، يتوقع المحاضر الجامعي الجنرال في الاحتياط ميخائيل ميليشتاين أن تواصل إسرائيل مساعيها لـلبننة غزة من أجل اقتلاع كل تهديد أمني محتمل، ويدعوها لأن تعاند وتتمسّك بحرية عمل داخل القطاع من هذه الناحية كما تفعل في لبنان رغم اتفاق وقف النار.
ضمن إشارته لـندرة وأهمية رائد سعد يصفه ميليشتاين بـ”الدماغ العسكري لحركة حماس”، ويعلل ذلك بالقول إن خلفه أربعة عقود من التفكير والتخطيط العسكري القائم على إنتاج السلاح بدلًا من استيراده، وإنه مسؤول قسم التخطيط والعمليات وشارك بشكل مركزي في صياغة خطة السابع من أكتوبر بتوجيه من يحيى السنوار.
ويمضي ميليشتاين في تصوير أهمية الاغتيال من جهة، لكنه يتحفظ من محاولات التضخيم الإسرائيلية الرسمية للعملية: “سيترك سعد فراغًا كبيرًا خلفه كونه شخصية مؤثرة، لكن هذه الضربة الموجعة لن تؤدي لانهيار حماس، وهي ستنجح في إشغال الفراغ وترميم الضرر. حماس هي الجهة المسيطرة على أقسام القطاع المأهولة بالسكان وتفرض هيمنتها، وهي لن تدع سلاحها وسط استفادة من لهفة ترامب بالتقدم نحو تحقيق نجاحات”. وردًا على سؤال، يقول ميليشتاين إن “حماس” معنية طبعًا بمرحلة ثانية، ولذا فهي مستعدة لإحراز تسوية في موضوع السلاح، بمعنى التنازل عن سلاحها الهجومي أو الثقيل، وهذا ينعكس في تصريحات تركية وقطرية ومصرية. ويضيف مدللًا على اعتقاده أن “حماس” لن تقبل بنزع سلاحها: “سبق أن قالت حماس ذلك منذ اليوم الأول، وخالد مشعل قال قبل يومين في الجزيرة إن التنازل عن السلاح هو تنازل عن الروح والنفس”.
كما يرجّح ميليشتاين، الباحث والمحاضر في الشؤون الفلسطينية، أن ترامب ربما يقبل باحتفاظ “حماس” بسلاح دفاعي، ويقول متسائلًا إنه رغم الاغتيال، أمس، فإن هامش مناورة إسرائيل ضيّق، فقرار العودة للقتال ليس بيدها، بل بيد ترامب، الذي ربما ينجح بتوفير قوات استقرار رمزية في القطاع، وعندها هل تتمكن من اغتيال جديد مثلًا؟
مساعي التضخيم
ومنذ الكشف عن عملية الاغتيال، تتواصل في إسرائيل مساعٍ رسمية وغير رسمية لـتضخيم نتائجها من خلال تصويرها وكأنها ضربة قاضية، وتكرّر أغلبية وسائل الإعلام العبرية أقوال الناطقين الرسميين الإسرائيليين بأن سعد هو “مهندس السابع من أكتوبر”، وواضع خطة “أسوار أريحا”، بعدما قالت في السابق ذلك عن يحيى السنوار وعن محمد الضيف وغيرهما.
مثلما تتجلى محاولات التأثير على الوعي، الإسرائيلي والفلسطيني وغيره، من خلال محاولة رسم صورة مفادها أنه لا يوجد مثل رائد سعد، لا في الماضي ولا في المستقبل، وسط تجاهل فظ لحقيقة كون “حماس” حركة مقاومة جهادية أعلنت في مثل هذا اليوم تمامًا عام 1987 عن كونها منظمة وطنية جهادية.
تدلّل تجارب الحرب الحالية وما سبقها بأن مثل هذا الاغتيال هو ضربة موجعة لـ “حماس”، لكنها ليست إستراتيجية، فـالحركة باقية كما بقيت بعد مقتل عشرات القيادات سابقًا، بمن فيهم مؤسسها الشيخ الراحل أحمد ياسين. وهذا ما يتكاتب معه المحلل العسكري الإسرائيلي آفي سخاروف في “يديعوت أحرونوت”، اليوم، بقوله إن تصفية سعد مباركة، لكنها دون معنى للمدى البعيد، متفقًا بذلك مع ميخائيل ميليشتاين.
ويتفق الجنرال في الاحتياط نوعم تيبون بقوله، اليوم، في تصريحات إعلامية مع قائد جيش الاحتلال الأسبق موشيه يعلون، بأن ديوان نتنياهو مشغول بمصالحه وبهندسة وعي الإسرائيليين بدلًا من مصالح الشعب، ولذا يستبعد التقدم في موضوع السلام في المنطقة.
ويقول تيبون إن الخطة الأمريكية مركّبة بسبب التدخل الأمريكي ومشاركة تركيا وقطر، معتبرًا أن الصورة غير واضحة، لكن الواضح أن إسرائيل فقدت السيطرة على مستقبل غزة بسبب إخفاقات حكومتها”.
