موقع مقالة نت
اهم المقالات التي تهم القارئ العربي

بعد التردد في المواجهة: سيكون سقوط النظام السوري خطوة ما قبل فتح الملفين العراقي والايراني وتمزيق الإقليم..

0 0

كتب د. هاني الروسان:

كما لم يكن اجتياح صدام حسين للكويت عام 1990 وما ترتب عليه من نتائج ادت في النهاية الى اسقاط النظام وانهيار الدولة العراقية وتفتيت وحدة اراضيها اقل خطرا على الامن القومي العربي من زيارة السادات للقدس عام 1977 وعقد اتفاقية سلام منفردة مع اسرائيل، واخراج مصر من معادلة الصراع معها، فان احتمال سقوط دمشق وانهيار ما تبقى من الدولة السورية سيكون اشد خطرا على امن النظام الاقليمي وسيشكل بداية للانهيار الشامل للنظام الاقليمي العربي وانفتاحه على تفاعلات اقليمية ودولية ستكون اعمق تأثيرا في طبيعة بنيته وهياكل تفاعلات مستقبلا، اذ من المرجح ان يكون لطابع دول المحيط وسياساتها دورا حاسما في بلورة نظام اقليمي بديلا للنظام العربي الحالي.
صحيح ان سوريا التي ذهبت الى حفر الباطن في لحظة تقاطع صنعته صدف تفاعلات المنطقة المجنونة، حيث وجد الاسد الاب نفسه يقوم بذلك دون حرج كبير اذ وفر له تحالفه مع ايران وتقاطعه معها في العداء لصدام حسين، واشتراكه معها في شعار رفض الصلح مع اسرائيل ومعادة الولايات المتحدة غطاء معنويا للقيام بتلك الخطوة التي تفتقر لاي مقوم يسندها سوى رغبة الانتقام وتصفية حسايات قديمة مع البعث العراقي، صحيح انها منذ ذلك الزمن لم تعد فاعلا حاسما في اتجاهات تفاعلات النظام، غير انها لم تترك مربع المشاغبة هنا وهناك، وبقيت رسميا الدولة العربية الوحيدة في حالة صراع مع اسرائيل دون ان يتسبب ذلك في تعكير صفو جبهة الجولان التي حافظت على هدوئها منذ صدور القرار 338 الذي انهى حالة الاشتباك مع اسرائيل ، كما وفر لها تحالفها مع ايران هامشا واسعا من المناورة ان على مستوى تفاعلات الاقليم او على المستوى العالمي، ابقاها احد الفعلة الاقليميين المؤثرين، وهذا بحد ذاته ما عزز من مكانة النظام واختياراته وتحالفاته في معادلة البقاء والاستمرار، حتى صار اي خطأ في حسابات الاستمرار هذه من شأنه ان يخلق تهديدا وجوديا للنظام والدولة ككل.
وما يجري اليوم من انهيارات متسارعة في قوة النظام وانسحاب قواته من مجمل المدن الكبرى والمواقع الرئيسية، مقابل استعدادات كبرى ومنسقة لما يسمى بقوى المعارضة، يشير الى وقوع مثل ذلك الخلل في الحسابات ولو على المستوى الظاهري او التبريري الذي ستأخذ به مختلف اطراف التآمر على امن الاقليم واعادة رسم جغرافيته لاسقاط النظام في دمشق وربما تفكيك الدولة السورية استكمالا لما يجري الان في عموم فلسطين المحتلة ولبنان، حيث يرى مراقبون ان تشدد وفد بشار الاسد خلال جولات محادثات استانا المتتالية منذ عام 2017، وما قبلها من جولات حوار تحت رعاية الامم المتحدة، وعدم التزامه بتفيذ بعض ما تمخضت عنه من اتفاقات وتفاهمات فضلا عن رفض الرئيس السوري لقاء نظيره التركي الذي بادر اكثر من مرة للقاء الاسد الذي اشترط لقبول ذلك انسحابا تركيا شاملا من الاراضي السورية، ورفضه للرغبة الروسية بالانفتاح اكثر على تركيا التي تبقى بالنسبة لموسكو احدى مكونات الامن القومي الروسي، شكلت ما يقال انها السبب في القرار التركي للايعاز للمعارضة السورية بهذا التحرك، والسبب في احجام روسيا عن مد يد العون للقوات السورية، بل ولربما رغبتها بالتخلص من بشار السوري بضمانات تركية للمحافظة على مصالح روسيا هناك.
وعند هذا المستوى يمكن قبول ان عدم مرونة الاسد في التفاعل مع مطالب الجانب التركي بحل مشكلة نحو 3 ملايين لاجئ سوري في الاراضي التركية ادت إلى تداعيات سياسية واجتماعية في الداخل التركي، تمثلت في ارتفاع منسوب العنصرية وتصاعد حدة الاستقطابات الداخلية، وبابعاد وطرد مسلحي وحدات حماية الشعب الكردية من غرب الفرات على طول الحدود التركية لتعزيز أمنها حيث تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية فرعا من حزب العمال الكردستاني المحظور، كانت تقف وراء القرار التركي بالتصعيد، كما يمكن قبول احتمال الغضب الروسي من الاسد سببا اخر لبرودة الموقف الروسي، وان اللامبالاة العربية والغربية وربما تشجيعها لاسقاط النظام سببها هي كذلك التخلص من اعباء وتداعيات الحرب في سوريا الامنية والاجتماعية، حيث تحول تدفق مئات الاف النازحين السوريين على المدن الاوروبية والعربية الى معضلة تتطلب حلا عاجلا. بيد ان كل ذلك لا يتجاوز ان يكون مجموعة من المبررات الواهية، اذ لو قورنت هذه التداعيات  بتداعيات الحرب الوحشية التي تشنها اسرائيل على الشعب الفلسطيني منذ نحو 100 عام، لما امكن عقد هذه المقارنة ومع ذلك فان العالم يلوذ بالصمت ولا يحرك ساكنا ازاء هذه الجرائم التي جرمها القانون الدولي والدولي الانساتي، على عكس الحالة السورية التي تتحول لاسباب محركة لكل ما حولها.

ولا ادري لماذا نحن ايضا نتوقف امام هذه الفبركات، والادارات الامريكية المتعاقبة ووراءها اسرائيل تبشر بما تسميه بالعالم الجديد وبالشرق الاوسط الجديد الذي ستتبدل به الخرائط والحدود وتتغير الاسماء، وانه للوصول الى ذلك لا بد من عمليات هدم للقائم، الذي بدأ ما زال مستمرا منذ 28 فبراير/ فيفري عام 1991بعد انتهاء عملية تحرير الكويت عندما فرضت قوات التحالف الدولي منطقتي حظر للطيران في شمال العراق حيث الاكثرية الكردية وفي الجنوب حيث الثقل الشيعي، الذي كان يعني تقسيم العراق الى ثلاث دول، ومنذ ذلك الحين لم تعد العراق الى ما كانت عليه، كما ليبيا التي سقط النظام فيها دون ان يسقط مشروع تقسيمها، والسودان التي يعاد الان تقسيمها من جديد رغم سقوط نظام عمر البشير، فضلا عن اليمن التي اسقطت على عبد الله صالح دون ان تتمكن من اسقاط انقسامها، هذا بالاضافة الى لبنان الذي لم يعرف منذ نحو خمسين سنة سلطة مركزية واحدة، وسوريا المقسمة الى ثلاث مناطق عادت اليوم لتأكيد انقسامها.
بمعنى اخر فان كل الاسباب والمبررات التي سبقت ازمات دول النظام العربي وتقسيم وحداتها السياسية سقطت وانتهت دون ان تعود اللحمة الى بنيتها الاجتماعية او الجغرافية، ما يؤكد حقيقة ان كل التسريبات والدراسات والتقارير التي تواتر اصدارها طيلة الثلاثين عام الماضية حول التغيرات المتوقعة في بناء مستقبل المنطقة تدور في افق مزيد من تفتيت جغرافية الاقليم لتتماثل وبنية اسرائيل، حتى يسهل على هذه الاخيرة فرض سيطرتها على مختلف ارجاء الاقليم، الذي،يُخطط له لكي يكون منطقة نفوذ امريكي دون اي منافس محتمل، والذي من المرجح ان يوفر لليمين الديني الاسرائيلي المتطرف فرصة لتنفيذ مشروع اسرائيل الكبرى.
وما يخشى منه في حالة سقوط النظام في دمشق الذي بات وشيكا اذا تواصلت نفس وتيرة وسرعة انهيار خطوط دفاع النظام، وبزعم وحجة حماية اسلحة الجيش الاستراتيجية والمناطق الهامة من الوقوع بأيدي الجماعات المسلحة المتطرفة ان تقوم اسرائيل باختراق خطوط وقف اطلاق النار مع سوريا واحتلال اجزاء من الاراضي السورية، استعدادا لفتح الملف الايراني الذي قد يسبقه فتح الملف العراقي للقضاء نهائيا على ما يسمى بمحور المقاومة، واعادة ترتيب خارطة المنطقة.
لقد صارت كل الاحتمالات واردة بعد التردد الذي رافق مواقف وقرارات القوى الاقليمية في الانخراط في المواجهة مع اسرائيل ، وترك الحرية لها في اتخاذ القرار بشأن ازمنة وامكنة التصعيد، بما فيها ان تدخل روسيا بصفقة تقاسم مع الولايات المتحدة كما اشرنا لذلك في مقالات سابقة على الرغم من حيوية واهمية اللاذقية بالنسبة للبحرية الحربية الروسية، التي تبقى القرم وتحييد اوكرانيا اكثر اهمية منها خاصة اذا نجحت موسكو بترتيبات ما مع تركيا بشأن العبور من والى البحر الاسود التي خولت لها وحدها بعض اتفاقيات القرن الماضي تقرير من يدخل هذا الفضاء المائي، والاحتفاظ ببعض الوجود في سوريا ولو وقتيا.
استاذ الاعلام في جامعة منوبة

اضف تعليق