بـ”الهندسة” والصور الجوية والشهادات.. تفاصيل جديدة عن مذبحة الطنطورة
تواصل الصحافة العبرية الكشف عن العديد من التفاصيل المروعة التي ارتكبها الاحتلال والعصابات الصهيونية قبل نحو 75 عاما وراح ضحيتها مئات الفلسطينيين عام 1948 في قرية الطنطورة، وكان المذبحة قد وقعت بعد نحو أسبوع من إعلان قيام “إسرائيل” على أرض فلسطين المحتلة.
وأوضحت “هآرتس” في تقرير لها أعده عوفر أديرت، أن الفلسطينية جيهان سرحان، من سكان المجلس المحلي لقربة الفريديس، ذهبت الثلاثاء إلى شاطئ “دور” القريب، وفي إحدى النقاط، هناك موقف سيارات يستخدمه المتنزهون الذين يأتون للاستجمام على شاطئ البحر، توقفت ووضعت إكليلا من الزهور وقامت بقراءة الفاتحة.
قبور جماعية
قبل 75 عاما، في 23 أيار/ مايو 1948، احتل جيش الاحتلال قرية الطنطورة، نحو 1500 نسمة كانوا يعيشون في القرية، والدة سرحان، الحاجة رشيدة كانت تسكن بالقرية، طرد جيش الاحتلال أهل القرية، زوجها الأول الشهيد محمد إحسان، قتل في المذبحة التي نفذها الجنود الإسرائيليون هناك.
ولفتت الصحيفة إلى أن سرحان قامت بزيارة المكان في إطار نشاط لجمعية سامي العلي، وهو ناشط في جمعية جديدة باسم “لجنة مهجري الطنطورة”، تركز نشاطاتها على تخليد ذكرى القرية وسكانها والمذبحة التي وقعت هناك، وزرات سرحان المكان، عقب العثور في المنطقة على 4 قبور جماعية، دفن عدد من سكان القرية فيها.
وقال العلي لـ”هآرتس”: “هذه سابقة منذ النكبة، جئنا إلى الطنطورة لتحديد الأماكن التي توجد فيها القبور الجماعية”، منوها إلى أن “زوار المكان اكتفوا بتأشير مؤقت ورمزي بواسطة الزهور والحجارة وشريط ربطوه بينها، في المستقبل، يأملون ببناء سور في المنطقة، وإقامة نصب تذكاري لإحياء ذكرى شهداء الطنطورة والمذبحة”.
البحث الجديد، أجري من قبل “هندسة الطب الشرعي”؛ وهو معهد يعمل في جامعة لندن برئاسة المهندس الإسرائيلي البروفيسور ايال فايتسمان، أعضاء المعهد يوثقون حوادث خرق حقوق الإنسان عن طريق استخدام التكنولوجيا المتطورة، ومكتشفات يتم عرضها في المحاكم.
وأكد الباحثون في المعهد، أنهم “نجحوا في العثور على القبور الجماعية عن طريق استخدام تحليل صور جوية تاريخية ومقارنتها بصور جوية حديثة، إضافة لجمع الشهادات، وقاموا ببناء نماذج محوسبة، وعملوا مسحا للأرض، وهي عملية يتم فيها قياس وتوثيق المباني المعدودة التي بقيت من القرية، وفحص المواقع التي توجد القبور تحتها، ويشتمل التقرير على معلومات تفصيلية عن “الأعمال الترابية” والأمور الاستثنائية والتشويشات في الأرض، الأمر الذي يدل على الاشتباه بوجود قبور جماعية”.
صور جوية
مركز “عدالة” المختص في قضايا حقوق الإنسان بالداخل المحتل، هو من بادر إلى إجراء البحث، ويطالب السلطات الإسرائيلية بناء سور حول موقع القبور ووضع لافتات قربها. وقالت مديرة القسم القانوني في “عدالة” المحامية سهاد بشارة للصحيفة: “الاكتشافات واضحة تماما، وهي مقنعة، وهناك الكثير من الإثباتات، نحن نريد وقف تدنيس القبور، وتمكين عائلات القتلى (الشهداء) من الوصول إلى المكان، وهذا حق معترف به في المحاكم”.
وبحسب الصحيفة، اشتمل التقرير على شهادات شفوية وخطية من قبل فلسطينيين كانوا يعيشون في القرية قبل احتلالها، وتحدثوا عن مكان القبور الجماعية للسكان، وساعدت الشهادات في العثور على القبور ومكانها، وتمت مطابقته مع الصور الجوية.
خبير “محايد” لتشخيص الصور الجوية، عرضت عليه “هآرتس” التقرير، قال: “أساليب العمل التي استخدمها كاتبو التقرير مقبولة ومعقولة وصحيحة من ناحية مهنية”.
أما مئير فولكا، وهو من منظمة “جي – نيريشنز”، للحفاظ على “التراث اليهودي”، وهو متخصص في العثور على القبور، رأى أنه “من أجل التوصل إلى الحقيقة بشكل مؤكد، مطلوب القيام أيضا بمسح للأرض بوسائل فحص جيوفيزيائية مثل الرادار الذي يخترق تحت الأرض، وهذا الفحص سيعطي مؤشرات دقيقة”.
أحد الشهود الذي يستند إليه التقرير هو الطبيب عدنان يحيى (92 عاما)، أحد سكان القرية، يعيش اليوم في ألمانيا، قدم شهادته حول وجود قبر جماعي في المكان الذي توجد فيه المقبرة الإسلامية، وفي محادثة مع “هآرتس” قال: “كان عمري 17 عاما، قاموا بجمع عدد كبير منا على الشاطئ تحت أشعة الشمس، وقفنا هناك بضع ساعات دون طعام وماء، وبعد ذلك أخذونا جميعنا إلى المقبرة، وهناك، تم حفر حفرة وطلبوا رمي جثث سكان القرية فيها، رمينا جثثا وأشخاصا كانوا نصف أحياء، من بين القتلى نساء وشيوخ وشباب”.
أضاف: “عبد الله، صديقي في المدرسة، أمسك بقدمي والده، وأنا أمسكت بديه، عندها قال لي: عدنان، هو ما يزال على قيد الحياة. ماذا نفعل؟”، منوها: “بعد ذلك أخذونا إلى المعتقل، ومن ثم لموقع عسكري، وبعدها انتقلنا إلى سوريا والكويت، وبعدها إلى ألمانيا”.
وأوضح يحيى، أنه عاد إلى الطنطورة بعد عشرات السنين، وقال: “شاهدت حقول والدي، لكن كل شيء ذهب”، مضيفا: “نحن بشر، نريد العيش في أرضنا، ذات يوم سنعود”.
إعدام ميداني
وأوضح العلي، أن سلطات الاحتلال عملت كل ما في استطاعتها لمحو ذكر المقبرة التي وصفها يحيى في شهادته، مؤكدا أن ما يقوم به الاحتلال بحق المقابر هو “تدنيس فظ”.
جده ذيب العلي جربان، كان يعيش في الطنطورة وقت احتلالها، اعتقل على يد الجنود، عمه أنيس ذيب العلي جربان، كان عمره في حينه 18 عاما، نجا من الموت في المذبحة، وقال العلي: “أرادوا إطلاق النار عليه، لكن الرصاصة لم تخرج، حاول الجندي عدة مرات وفي نهاية المطاف، نهض جدي، وقال له: إذا كان الله لا يريدني أن أموت، فلا تصمم على ذلك، وهكذا نجا”.
عدد من الشهود، أوضحوا للباحثين في “هندسة الطب الشرعي” عن المكان الدقيق للقبور الجماعية، مثلا حقل عائلة الدسوقي، وفي حالات أخرى، ساعد ذكر الأشجار في مطابقة المعلومات مع المعلومات التي تم الحصول عليها من الصور، وقال محمد سعود أبو حنا: “أخذونا من الشاطئ إلى مكان قريب من المقبرة، وقاموا بتجميعنا قرب أشجار الصبار”، كما قال مصطفى المصري: “كانت هناك ثلاثة أشجار على بعد 30 متر شمالا، قاموا بحفر حفرة، وكانت محاطة بأكوام التراب”.
كما وصلت شهادات أخرى إلى الباحثين في “هندسة الطب الشرعي”، أكدت قيام جيش الاحتلال بعملة إعدام للمواطنين الفلسطينيين، قال أحمد عبد المعطي: “أخذوا أفضل الشباب وأوقفوهم ووجوههم نحو الحائط ، وبعد ذلك أطلقوا النار عليهم، لقد شاهدت ذلك بأم عيني”.
وأفاد محمد إبراهيم: “جنود جيش الاحتلال قتلوا خلال ساعة أو ساعتين من 6070 مواطنا”.
وأكد المؤرخ البروفيسور الون كونفينو، أنه “جاء سكن جدد لهذه القرية المهجورة، لقد تم استخدام القرية كقاعدة جيدة لبناء مستوطنة جديدة ومزدهرة، “كيبوتس نحشوليم”. مع ذلك، معظم الممتلكات التي تركت في المكان تم نهبها من قبل الجنود وسكان “زخرون يعقوب”، كما كتب حاييم غفتي، الذي أصبح بعد ذلك وزيرا للزراعة: “القرية هي مكان خارج عن المألوف، هناك عيب واحد، أنها ليست لنا”.