موقع مقالة نت
اهم المقالات التي تهم القارئ العربي

بين السماء والطارق.. سما الإخبارية

0 0

صدرت قبل يومين أوامر جديدة للإخلاء في مدينة خان يونس، وكان بيان الإخلاء واضحاً وبتهديد اكثر حدة من السابق، وحيث انه يتوجب من خلاله على سكان المدينة من الجهة الشرقية والشمالية التوجه باتجاه الغرب، وحيث منطقة مواصي خان يونس تحديداً والمصنفة منذ بداية الحرب على أنها منطقة إنسانية آمنة، والحقيقة ان هذه اكبر كذبة تم ترويجها من الإعلام الإسرائيلي وتبعه الإعلام الغربي والعربي، على أساس ان هناك حرصاً على حياة المدنيين وانهم ليسوا من أهداف هذه المقتلة الجنونية.

في منطقة المواصي الممتدة على شاطئ بحر خان يونس، وحيث يشار إلى المناطق الزراعية ذات الأرض الخصبة المتاخمة للشاطئ بمسمى المواصي، ولكن مع احتلال مدينة رفح فقد نزح الكثير من الأهالي إلى منطقة ساحل البحر التي تطل عليها مدينة خان يونس، ما رفع من معدل الكثافة السكانية في تلك المنطقة وأصبحت عبارة عن صورة لأبشع مأساة إنسانية يمكن ان يتخيلها أي عقل او ضمير، إضافة لأن هناك مجازر يومية تحدث في تلك المنطقة وتستهدف الخيام البالية المهترئة، ويذوب لحم الصغار وتنتشر رائحته في الفضاء، وحيث لا ملجأ ولا منجى لهم، ولذلك فمسمى المنطقة الآمنة هو محاولة ترويجية لخداع العالم تندرج تحت قائمة لا تنتهي من الخدع التي مللنا سماعها.

أصبحت منطقة المواصي عبارة عن قنبلة سكانية، حيث وفد إليها النازحون واغلبهم قد وصلوا سيراً على الاقدام، وقد جاؤوا من أنحاء شتى من مناطق شرق وشمال ووسط المدينة، وتحديداً لم يعد هناك مناطق غير مخلاة في المدينة سوى ما يعادل ثلثاً او اقل، شاملة مخيم اللاجئين بقسميه ومنطقة الإسكان الجديدة التي تلتف حول إسكان حي الامل، وبذلك فقد تكدست منطقة المواصي بصورة لا يمكن وصفها، وقضى الناس البائسون الجوعى والعطشى والحفاة والخاوو الجيوب ليلتهم الأولى في العراء، وحرفياً فقد قضوها تحت السماء، وفيما تشهد عليهم طوارق الليل وهم ينامون على الرمال الصفراء ولا شيء معهم سوى الألم والقهر والبؤس.

كان إنذار الإخلاء سريعاً ومباغتاً، ولكن الناس قد تعلموا من تجارب سابقة كيف قامت الطائرات بالقاء الصواريخ نحو البيوت التي لم يخلِها سكانها، فيما اطلقت قذائف الدبابات مثل المطر نحو بعض التجمعات السكانية الصغيرة التي أصر أهلها على عدم النزوح، لأنهم باختصار وعلى قناعة تامة ان لا مكان آمناً فوق خريطة القطاع الضيقة، والتي يصورها الإعلام أنها دولة في قارة أوروبا.

النزوح الذي حدث قبل يومين هو الأكثر مرارة، لأنك يجب ان تتخيل ان تصاب بتلوث معوي وتعاني من القيء والاسهال، فأنت سوف تكون قادراً على التوجه إلى الحمام لافراغ معدتك والتخلص من فضلاتك في المرة الأولى والثانية وربما حتى آخر النهار، اما حين يجن عليك الليل سوف تكون قواك قد خارت، وكل الوصفات لم تجدِ معك نفعاً، ويبدأ تفكيرك بضرورة زيارة الطبيب وانت غير قادر على الوصول فعلياً إلى الحمام الذي يبعد عنك بضعة أمتار، وهذا حال النازحين لأنهم استنفذوا كل طاقتهم وهم جوعى، وبالكاد يتناولون النزر اليسير من الطعام وبدا عليهم التعب والإرهاق، ولو قارنت بين نزوحهم الأول في بداية الحرب ونزوحهم اليوم اكتشفت الفرق، حيث كانوا يملكون سيارات بأعداد ملحوظة، ولكن اليوم فقدت السيارات وقودها وهناك الكثير منها قد تعرض للتلف بسبب القصف، وأصبحت وسيلة التنقل الأكثر انتشاراً هي عربات الدواب، وحين تتابع ببصرك مشاهد النزوح سوف تكتشف قلة المتاع الذي يحمله النازحون، كما انه اقل جودة وقد ظهر عليه الاهتراء والبلى، بل ان الكثير منه قد فقد او اصبح غير صالح للاستخدام، ولذلك فالمتاع الذي يحمله هؤلاء هو بقايا البقايا ورغم ذلك فهم يحملونه.

قالت لي صديقة تعيش بالقرب من الحدود الشرقية لخان يونس وتحديدا في منطقة الزنة: كنت افضل الموت على ان اخرج من بقايا بيتي المقصوف للمرة السادسة منذ بدء الحرب دون ان أحمل ما تبقى من أمتعتي وأدواتي وأغطيتي، لقد حملتها على عربة يجرها حمار فيما كانت القذائف تتطاير حولي، لم أتخيل أنني سأبدأ من جديد على المواصي حيث لا حياة،،، فعلاً حيث لا حياة…….

اضف تعليق