ثمة فكرة لا تفارقني، ترافقني كظل ثقيل، تتسلل إلى لحظات يومي دون استئذان… إنها فكرة الموت.
الموت لا يغيب عن تفكيري، بل يقتحم وقتي، يداهم سكوني، يفرض عليّ أن أعيش سيناريوهاته المحتملة، وكأنني أُجبر على التعايش مع نهايتي قبل أن تحين.
أجل، الموت حقيقة لا يمكن إنكارها، لكن السؤال الذي يُنهكني:
هل من حقي أن أخاف منه؟
هل من حقي أن أتشبث بالحياة، لا جبناً ولا وهماً بالخلود، بل لأنني أؤمن أن وجودي يشكّل حماية رمزية وعاطفية لمن أحب؟
لست أخاف الموت لأنه موت، بل أخافه لأنني لم أُكمل بعد دوري، لم أُسلّم الشعلة، ولم أُحقق الأمان الذي وعدت به من أحبوني.
أريد أن أظل هنا، لأنني أريد أن أرى ابنتي الكبرى، نور، وهي تحقق حلمها.
نور التي لطالما تحدثت لي بشغف عن أحلامها، عن رغبتها في أن تكون مؤثرة في مجتمعها، عن ذلك الطموح الكبير بأن تصبح دبلوماسية فلسطينية تمثل وطنها، تُجيد لغة العدالة، وتُحسن توظيف القانون الدولي لنصرة شعبها والدفاع عن الإنسانية.
قالت لي يوماً: “أريد أن أكون صوت فلسطين في العالم، لا مجرد فتاة تحلم في صمت.”
أريد أن أراها هناك، ترفع علمنا على منصات الشرف، وتخاطب العالم من موقع القوة لا النداء.
أريد أن أعيش، لأرى محمد، ابني الحبيب، يتعافى من إصابته المؤلمة التي أقعدته منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
اشتقت لرؤيته واقفاً على قدميه، شامخاً كما كان دائماً، يتحرك بخفة، ويضحك من أعماقه.
محمد الذي يُخفي ألمه بابتسامة صلبة، يستحق أن يعود لحياته، وأن أكون شاهداً على انتصاره على الألم.
وأتوق إلى الاستمتاع أكثر بإبداع ابنتي الصغرى، نسمة، التي تخرّجت قبل أيام من كلية الهندسة، بتقدير ممتاز ومرتبة الشرف، في تخصص أنظمة الحاسوب والبرمجيات.
نسمة ليست مجرد متفوقة، بل روح مبدعة قادرة على تحويل الشيفرات الجافة إلى أدوات للنهضة، وكأنها تبرمج المستقبل بحب وإصرار.
أريد أن أبقى، لأشاهدها تتألق، ولأشجعها كلما تعثرت، وأصفق لها كلما أبدعت.
من أجل نور، ومحمد، ونسمة، ومن أجل كل من أحبني واحتاجني، أتشبث بالحياة.
لا لأنني أرفض الموت، بل لأنني أؤمن بأن الله خلقنا من أجل الحياة، من أجل أن نزرع الأمان ونبني الإبداع ونحمل رسالة.
لم يُخلق الإنسان ليُباد، أو ليُجوَّع، أو يُفنى بلا معنى.
أنا أريد أن أنجو، لا لأنني أتهرب من النهاية، بل لأنني أؤمن بأن رسالتي لم تنته بعد.
وهذه الحياة، بكل ما فيها من ألم، لا تزال تستحق العيش… طالما هناك من نحبهم، ومن ينتظروننا.
وأما الليمون…
فهو يشبهنا نحن أبناء هذه الأرض.
قد يبدو في ظاهره قاسياً، لكن قلبه نابض بالحياة، يُعطي نكهة لا تُنسى، ويمدّ الجسد بالقوة.
الليمون لا يُؤكل وحده، بل يُضيف للحياة طعماً، تماماً كما تفعل المحن فينا.
نحن نُشبه الليمون… نُقاوم، نُعطي، ونبقى، رغم كل شيء.