الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، لا يمكنه إصدار عفو عن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بعد أن قدم الأخير طلبا رسميا بهذا الخصوص، أمس الأحد. ووفقا للمحللين في الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم، الإثنين، فإن هذا الطلب ليس خطوة قانونية، وإنما هي خطوة سياسية صرف.
وأفاد الخبير القانوني، بروفيسور مردخاي كرمنينتسر، في صحيفة “هآرتس”، بأنه “بموجب القانون، توجد صلاحية لرئيس الدولة بالعفو عن محرمين وتخفيف عقوبتهم بواسطة خفضها أو استبدالها. إلا أن رئيس الحكومة يصر على ادعائه أنه بريء من أي ذنب، أي أنه ليس مجرما. ولم تُمنح للرئيس صلاحية العفو عمن لم يُجرم أبدا. وعفو بغياب ذنب ومخالفة هو تناقض”.
وأضاف أنه “لا مكان للنظر في الطلب، والمطلوب رفضه، لأنه هذا ليس طلبا من جانب من ارتكب مخالفة، وكذلك لأن صلاحية العفو ليست هدفا بالإمكان استخدامه كبديل أو حاجز أمام إجراءات قضائية موجودة في ذروتها”.
وفيما يتعلق بطلب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من هرتسوغ إصدار عفو عن نتنياهو، فإن الأخير هو الذي خطط لذلك، “وهذا الأمر واضح في أقوال ترامب وفي طلب نتنياهو”، لكن كرمنيتسر لفت إلى أن “رئيس الحكومة، وهو رئيس السلطة التنفيذية في إسرائيل، يتآمر يشكل مخز ضد سيادة إسرائيل وضد استقلالية جهازها لإنفاذ القانون، باستدعائه تدخل دولة أجنبية في إجراءات قضائية داخلية. وبذلك هو يلوثهما بشكل لا يمكن تصحيحه. هل بإمكان الرئيس هرتسوغ أن يتجاهل كليا مطالب الرئيس الأميركي كأنها لم تكن، مثلما هو ملزم أن يفعل؟”.
وتابع كرمنيتسر أنه “يصعب تخيّل تآمرا أعمق وأخطر على سلطة القانون من وجود صلاحية أخرى بإمكانها أن تلغي بجرة قلم إجراء قضائي في ذروته، خاصة وأن الحديث يدور عن صلاحية سياسية وليست مهنية، واعتباراتها ليست اعتبارات قانونية فقط. وكان بإمكان هرتسوغ، وتعين عليه أن يفعل، أن يوضح مسبقا حدود صلاحيته”.
وأشار الخبير القانوني إلى قضية إصدار عفو عن مسؤولين في الشاباك في قضية “الحافلة رقم 300″، الذين اتهموا بقتل فلسطينيين بعد القبض عليهما في أعقاب محاولة اختطاف حافلة في الطريق بين حيفا وتل أبيب، وأصدر الرئيس الإسرائيلي الأسبق، حاييم هرتسوغ، والد الرئيس الحالي، عفوا عن رئيس وعناصر الشاباك الذين ارتكبوا الجريمة.
لكن كرمنيتسر اعتبر أن لا علاقة بين هذا العفو وبين العفو الذي يطلبه نتنياهو، لأن عناصر الشاباك “لم يدعوا البراءة، والعفو صدر قبل الإجراءات القضائية ضدهم، وتم تحقيقه، فعليا، بالابتزاز، ومن خلال التهديد بالكشف عن جرائم مشابهة. وقرار الحكم الذي أصدره معظم قضاة الهيئة القضائية، الذي قرر عدم التدخل بقرار الرئيس، تعرض لانتقادات شديدة”.
وأشار كرمنيتسر إلى أن “نتنياهو لم يتراجع في طلب العفو عن الاتهامات الخطيرة التي وجهها إلى جهاز إنفاذ القانون بحياكة ملفات ضده من أجل إسقاطه عن الحكم. وكرر ذلك في رسالته لطلب العفو. والمصالحة (في المجتمع الإسرائيلي المنقسم) التي يعمل من أجلها مبنية على دحرجة التهمة بالكامل. فقد ادعى نتنياهو أنه بريء تماما والجهاز عمل ضده بشكل إجرامي. وواضح أنه بعد حصوله على العفو، سيعمل مقربوه من أجل التخلص من مسؤولي إنفاذ القانون الذين نفذوا واجبهم”.
وأضاف أن “الافتراضات الواقعية التي استندت إليها المحكمة، بقرارها السماح لنتنياهو بأن يبقى رئيسا للحكومة رغم الاتهامات ضده، تبين مرة تلو الأخرى أن لا أساس لها. وتبقى أن نأمل أن هرتسوغ ليس ملتزما تجاه نتنياهو ولن يتعاون مع خطوة لا يمكن الصفح عنها، وهي تقويض حكم القانون”.
العفو كخطوة سياسية
وفقا للمحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، فإن طلب العفو لذي قدمه نتنياهو إلى هرتسوغ “ليس خطوة قضائية وإنما خطوة سياسية صرف، ومشكوك بها من الناحية القانونية. وطلب العفو هو الخطوة الأولى في مفاوضات، التي يفترض بالرئيس هرتسوغ أن يؤدي فيها دورا مركزيا. والهدف هو التوصل إلى صفقة تؤدي إلى إنهاء المحاكمة، بصفقة مع النيابة أو بعفو أو بدمج بينهما”.
وأشار برنياع إلى أن “هرتسوغ بحث طوال حياته السياسية عن الطريق الوسط، الطريق الذهبي وعن الجسر، حتى عندما لم يكن هناك وسط ولا طريق ولا جسر. وأعتقد أن معظم الإسرائيليين سيرتاحون عندما يروا أن هذا الكابوس ينتهي، بعضهم لأنهم مقتنعون بأنه تم حياكة ملف ضد نتنياهو، وبعضهم الآخر لأنهم يرون أسبوعيا المحكمة في حالة ضعفها وعجزها ووصمة عارها”.
وأضاف أن “السؤال هو ماذا سيقدم نتنياهو في المقابل. حسبما تدل رسالته ورسالة محاميه (إلى هرتسوغ) هو ليس مستعدا لتقديم شيء في هذه الأثناء. وربما، إذا تصرفت دولة إسرائيل بشكل حسن، سيوافق على الصفح عنها بعد أن جرّته إلى المحكمة وعرقلته من إنقاذ الدولة والعالم. نتنياهو لا يطلب عفو، هو يمنحه. وفعلا، كلمة عفو ليست موجودة في رسالته”.
وتساءل برنياع حول “كيف سيتعامل هرتسوغ مع نقطة البداية هذه؟”، وأشار إلى أن هناك ثلاث إمكانيات أمامه وأمام دائرة العفو في وزارة القضاء. “الأولى هي أن يوضح أن العفو ليس واردا بالحسبان، وأنه لم يتم استيفاء الشروط القانونية؛ والثانية هي إعطاء نتنياهو كل ما يطلبه والصلاة كي لا ترفض المحكمة العليا العفو؛ والإمكانية الثالثة هي الإصرار على تنحي نتنياهو مقابل العفو والإصرار على اعتراف المتهم بتهمته، لأن هرتسوغ لا يؤدي هنا دور المحكم أو الوسيط أو المحامي، وإنما هو صاحب القرار، وقراره سيرافقه حتى يومه الأخير”.
وأضاف أنه “إذا يريد فعلا لأم الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي، فإن الخدمة التي بإمكانه تقديمها للمجتمع هي التنحي. وإن لم يكن ذلك بسبب المحاكمة فإنه بسبب إخفاق 7 أكتوبر، وبسبب استمرار الحرب، وبسبب جنون الانقلاب على جهاز القضاء، وبسبب إدخال الكهانية إلى قدس أقداس الدولة. وإنهاء المحاكمة بالتنحي سيصحح شيئا ما؛ وإنهاء المحاكمة فيما نتنياهو وزملائه في مكانهم سيعمق الشرخ واليأس”.
واعتبر برنياع أن “نتنياهو لا يعتزم الاستقالة. على العكس. فهو يؤكد في طلبه على ضرورة أن يخصص وقته كله لولايته في الحكومة. عفو من أجل المنصب. هذا هو ملخص طلبه. وهذا ليس ملائما لدولة قانون”.
وأشار إلى أن “الجبهة السياسية، في بداية سنة انتخابات، هي الأساس. وإذا منحه هرتسوغ عفوا كاملا، فإن نتنياهو سيتحرر من المحاكمة، ويثبت لناخبي معسكره أنه قادر على أي شيء، وعلى موجات الفوز سيتجه مسرعا إلى الانتخابات. وسيتجاوز دوي العفو خطوطا حزبية، فهذا هو الأمر الحاسم في حملة انتخابية. وإذا تفجرت المفاوضات، فإن التهمة ستوجه إلى المتهمين دائما: النيابة العامة، وسائل الإعلام، الاحتجاجات، وهرتسوغ. ونتنياهو سيسارع إلى انتخابات متقمصا دور الضحية”.
وهناك نظرية أخرى وربما هرتسوغ مقتنع بها، وفقا لبرنياع، مفادها أنه بالإمكان التوصل إلى “صفقة شاملة، تشمل العفو، وإلغاء وصمة العار، استمرار ولاية نتنياهو، ولكن إيقاف الانقلاب على جهاز القضاء وإلغاء تفكيك منصب المستشار القضائي للحكومة وعدم الإطاحة ببهاراف ميارا. وليفين وروتمان سيهدآن أو يختفيان، وسيتم إلقاء بن غفير وسموتريتش إلى المعارضة. والحريديون سيتجندون للجيش أو سيجدون أنفسهم خارج الحكومة. ونتنياهو، حسب هذه النظرية، انضم إلى الانقلاب على القضاء انتقاما لمحاكمته. وبدون سحابة قضائية فوقه سيعود إلى أصله”.
لكن برنياع استبعد تحقق هذه النظرية. “ربما نتنياهو قادر على التأقلم، لكن المارد الذي أخرجه من القمقم لن يختفي. فالوضع الذي أنشأه أقوى منه. والكهانيون الذين استولوا على الحكومة والائتلاف وتغلغلوا إلى المجلس المركزي لليكود لن يتنازلوا”.
وتابع أن “النموذج أمام نتنياهو هو ترامب، سيده، الذي عفا عن تجار مخدرات ومغتصبين وقتلة ومجرمي الهجوم على الكونغرس، وكيف أنه يحقّر سلفه (بايدن) علنا ويستهزئ بالقانون ويحظى بنفاق عام. ونتنياهو يسعى إلى السير في طريق ترامب”.
