فُتح هذا الأسبوع سوق في جباليا، في شمال قطاع غزة، في موازاة تقليص قوات الجيش الإسرائيلي في هذه المنطقة، بعد مئة يوم من الحرب التي تشنها إسرائيل والدمار الهائل والعدد الرهيب من الشهداء.
وكان يفترض أن يشكل شمال القطاع، حسب خطط إسرائيلية وأميركية، “تجربة” لإدارة ذاتية للقطاع بدون حماس، لكن رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إجراء مداولات حول “اليوم التالي” بعد انتهاء الحرب ومستقبل قطاع غزة، أحبط هذه “التجربة”.
“لكن في الحياة لا يوجد فراغ”، وفقا للمحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، اليوم الجمعة. وأشار إلى أنه تبقى في شمال القطاع 100 – 150 ألف فلسطيني بعد أن هجّر الجيش الإسرائيلي الغالبية العظمى من سكان الشمال ودفعهم إلى النزوح إلى الجنوب.
وأضاف برنياع أن ناشطين غير مسلحين في حركة حماس هم الذين يديرون السوق في جباليا، بينما “وقفت وحدات الجيش الإسرائيلي جانبا. والأوامر العسكرية تمنع إطلاق النار على أشخاص غير مسلحين، إلا إذا كانوا في المستوى القيادي للحركة. وفتح السوق كان مؤشرا على بدء عودة حماس إلى شمال القطاع، وسيطرة مدنية بداية، وسيطرة عسكرية لاحقا. فليس الأنفاق هي التي تؤسس الحكم وإنما الاحتياجات اليومية للناس. وإسرائيل تركز على الأنفاق”.
وأشار إلى الأهمية الإستراتيجية لمحور فيلادلفي الفاصل بين القطاع ومصر، ووصفه بأنه “شريان الحياة بالنسبة لحماس. وطالما بإمكانها تهريب أسلحة ومال وأفراد من خلاله، فستبقى حماس على قيد الحياة وتنبض وتسيطر”.
وتابع أن إسرائيل بحاجة إلى مصر من أجل إغلاق محور فيلادلفي. وبحسب برنياع، فإن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، “يظهر موافقة ليس فقط على استكمال عمليات إسرائيل في الجانب الغزي من الحدود، وإنما بتنفيذ عمليات في جانبه. وعمليا، إنشاء حزام أمني مواز في الجانب المصري. لكنه يضع شرطا، بأن تتعهد إسرائيل بضلوع السلطة الفلسطينية في غزة في اليوم التالي. ويرفض نتنياهو منحه هذا التعهد. وحتى أنه يرفض مناقشة ذلك”.
وأضاف أن “النتيجة هي أننا عالقون. و’عالقون’ هو المصطلح المسيطر الآن في النقاش الداخلي في الجيش الإسرائيلي. مثل ’التوحل’، لكن أقل تفاؤلا بكثير”. واعتبر أن “رفض إجراء مداولات واتخاذ قرارات يضعف الغايات التي حققتها القوات. ولا يضعف وحسب، وإنما يشكل خطرا على الإنجازات”. لكن برنياع لم يوضح ما هي “الغايات” و”الإنجازات” التي يدعي أن الجيش حققها، خاصة أنه يعترف أن حماس لا تزال تنبض والرهائن الإسرائيليين لا يزالون في مكان غير معروف في القطاع.
وتابع أنه “أمِلوا في الجيش أن يعمل المستوى السياسي في ثلاثة مواضيع بالغة الأهمية. الأول هو محور فيلادلفي والمصريون؛ الثاني هو اتخاذ قرار حول إدارة قطاع غزة في اليوم التالي؛ الثالث، هو تطبيق القرار 1701 في جنوب لبنان. وهذه المواضيع الثلاثة متعلقة ببعضها”.
وبحسبه، فإن الإدارة الأميركية تعمل منذ بداية الحرب على خطة “لليوم التالي”، التي “تبدأ بغزة وتنتهي بتطبيع إسرائيلي – سعودي. والفكرة الأساسية هي تشكيل قوة متعددة الجنسيات أو قوة مؤلفة من عدة دول عربية لتسيطر على غزة مؤقتا، لنصف سنة أو سنة، وتُستبدل تدريجيا بجهاز فلسطيني محلي في إطار سلطة فلسطينية جديدة ومُطوّرة”.
وتستوجب هذه الخطة انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع. إلا أن نتنياهو يرفض خطة كهذه وأعلن أنه لن يسمح بإقامة “فتحستان”. وأشار برنياع إلى أنه “من دون سيطرة فلسطينية في الأفق، لا توجد للدول العربية مصلحة بإرسال جنود أو استثمار أموال في إعادة إعمار غزة. أي لا إعمار، ولا تطبيع”.
من جهة أخرى، لم تنجح وساطة المبعوث الأميركي، عاموس هوخشتاين، بين إسرائيل ولبنان. والخطة الأميركية تقضي بتمويل لتحسين وضع لبنان والتفاوض حول الحدود البرية، وخصة مزارع شبعا، مقابل انسحاب قوة رضوان في حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني. ورفض حزب الله هذه الخطة، طالما أن الحرب دائرة في غزة.
وكرر برنياع تقارير تحدثت عن أن الإدارة الأميركية تشتبه بأن نتنياهو يسعى إلى جرّها إلى حرب في إيران. “وهم يسمعون من نتنياهو حول رؤية معينة، ومن (وزير الأمن يوآف) غالانت رؤية أخرى، ويسمعون من (عضو كابينيت الحرب بيني) غانتس رؤية ثالثة”.
ولفت إلى أنه لا فائدة من حرب واسعة بين إسرائيل وحزب الله. “إذا نشبت حرب كهذه ستكون مبررة كليا، لكن في نهايتها، بعد أن نعيد لبنان إلى العصر الحجري، مثلما تعهد غالانت، وهم يستهدفون جبهتنا الداخلية بشدة بالغة، سنصل إلى النقطة نفسها بالضبط: القرار 1701 الذي يبعد قوات حزب الله إلى ما وراء الليطاني”.
وشدد برنياع على “أننا عالقون في موضوع المخطوفين أيضا. فلا توجد أدلة على أن الضغط العسكري يليّن (رئيس حماس في القطاع يحيى) السنوار. والخطأ الإستراتيجي (الإسرائيلي) كان بعدم إدراك قدرات السنوار وحركته. وهذا الخطأ أحضرنا إلى إخفاق 7 أكتوبر. وخلافا لثرثرة مذيعي التلفزيون، هم (في حماس) يهتمون بمصير السكان”.
واعتبر أنه “في جميع الأحوال نحن في طريقنا إلى خارج القطاع؛ وفي جميع الأحوال ندرك اليوم أن حماس لن تختفي، وليس في السنة القريبة بكل تأكيد، كما أن إطلاق القذائف الصاروخية سيستمر بقوة كهذه أو تلك”.
والاستنتاج من كل ما تقدم، وفقا لبرنياع، هو أن “ثمة ثمنا لأي قرار تتخذه إسرائيل، لكن عدم اتخاذ القرار هو القرار الأخطر. وللأسف الشديد، عدم اتخاذ القرار هو طبيعة وجوهر وإستراتيجية رئيس الحكومة الإسرائيلية”.
مسؤول إسرائيلي: نتنياهو يطيل أمد الحرب للتهرب من المسؤولية
واعتبر مسؤول إسرائيلي، أن الحرب على قطاع غزة “ليس لها مستقبل”، وأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو “يهدر الوقت للتهرب من المسؤولية”.
ونقلت صحيفة “هآرتس” العبرية الجمعة، عن أحد المسؤولين الذين يشاركون في اجتماعات الحكومة، لم تسمه: “هذه الحرب ليس لها هدف ولا مستقبل، لكن إطالة أمدها هي طريقة نتنياهو لتأجيل التعامل مع مسألة المسؤولية”.
وقال المسؤول إن نتنياهو “يؤكد في كل لقاء أن الحرب ستستمر لفترة طويلة، حتى يتحقق هدفيها – انهيار حماس وعودة الرهائن (الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة)”.
وأضاف: “فهو (نتنياهو) يتفوق على الجميع هناك من حيث الخبرة والذكاء، وفي نظري أنه يعلم أن هناك فرصة معقولة لعدم تحقيق الأهداف، وهو ببساطة يماطل لبعض الوقت”.
وتابع المسؤول في انتقاده نتنياهو: “الرهائن لا يمثلون أهمية بالنسبة له، ولا يتم التعبير عن ذلك باستنكار واضح، بل في الوقت الذي يخصصه لهم في المناقشات”.
وأشار إلى أنه “من الصعب التصديق بأنه (نتنياهو) سيوافق على صفقة عودة الرهائن مقابل إنهاء القتال (الحرب) والإفراج عن أسرى فلسطينيين كبار”.
وقال: “إنه (نتنياهو) يدرك أنه في تلك اللحظة سيغادر (وزير الأمن القومي) إيتمار بن غفير وستنهار الحكومة”.
وذكر المسؤول أنه “ولهذا السبب أيضا يهرب (نتنياهو) من النقاش الضروري حول اليوم التالي للحرب، لقد مر أكثر من 100 يوم، وهو خصص نحو نصف ساعة للقضية الأكثر إلحاحا”.
وقال: “فيما يتعلق بإسقاط حماس، فمن الواضح بالفعل أن هناك مناطق في غزة لن ندخلها، والمكاسب في شمال القطاع أيضاً تختفي، والجميع ينتظر الحظ الكبير بالعثور على (رئيس “حماس” في غزة يحيى) السنوار في أحد الأنفاق، واغتياله وتقديم ذلك كصورة انتصار”.
وأشار إلى أن المقربين من نتنياهو “يشنون حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لنزع الشرعية عن رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي ورؤساء مؤسسة الدفاع من أجل تحميلهم مسؤولية فشل الحرب”.